الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شراكة ممتدة.. دلالات التحالف الاستراتيجي بين روسيا وبيلاروسيا

  • مشاركة :
post-title
بوتين ولوكاشينكو في مينسك

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

عكست زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى بيلاروسيا في 19 ديسمبر 2022 ولقاؤه بالرئيس ألكسندر لوكاشينكو، الاتجاه نحو تعزيز التحالف الاستراتيجي بين البلدين، لمواجهة الضغوط الغربية المتزايدة على روسيا بعد عملياتها العسكرية في أوكرانيا وضمها لأربعة مناطق إلى السيادة الروسية، هي مناطق دونيتسك، ولوجانسك، وزابوريجيا، وخيرسون. وهي مناطق لا تزال تواجه روسيا فيها صعوبة كبيرة لبسط نفوذها وسيطرتها الكاملة. لذلك تأتي الزيارة بعد صعوبات تواجه روسيا في مناطق العمليات، كما أنها تأتي بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على آخر زيارة قام بها بوتين إلى بيلاروسيا في يونيو 2019، والتي تعد حليفًا استراتيجيًا لروسيا في مجالات متعددة أهمها، الأمن والدفاع والاقتصاد.

دلالات متعددة:

تكتسب الزيارة أهميتها بالنسبة لروسيا في هذا التوقيت من خلال عدة أوجه تعكس العديد من الدلالات، أهمها كالتالي:

(*) مستوى التمثيل المرافق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي ضم وزراء الدفاع والخارجية والطاقة، ونائب رئيس الوزراء، ومساعد رئيس الدولة لشؤون السياسة الخارجية، ورئيس هيئة التعاون العسكري مع الدول الأجنبية. وهو الأمر الذي يعكس الأهمية التي يوليها الكرملين لهذه الزيارة، والتي وصفها تصريح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأنها تهدف إلى ضبط عقارب الساعة مع الحليف الأول لروسيا.

(*) الزيارة جاءت عقب كثافة العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، وبالتالي فإن بوتين يسعى لتنشيط مناطق النفوذ التقليدية للحد من تداعياتها على الاقتصاد الروسي على المدى البعيد، لا سيما وأن تلك العقوبات متنوعة وشملت العديد من المجالات منها: إعلان الاتحاد الأوروبي نهاية مايو 2022 عن حظر نحو 90 في المئة من واردات النفط الروسية بنهاية 2022، وحظر تصدير منتجات عالية التقنية إلى روسيا بغرض تعطيل الصناعة الروسية، وعزل عدد من البنوك الروسية عن نظام التحويلات المالية الدولي "سويفت"، كما تم فرض عقوبات على رجال أعمال روس تشمل مصادرة أموالهم في الخارج، كما تقود الولايات المتحدة بحظر استيراد الطاقة من روسيا من غاز ونفط وتحديد سقف لأسعارهما في الأسواق العالمية، وكذلك تجميد الجزء الأكبر من الاحتياطي الروسي الأجنبي، وحظر الواردات من المأكولات البحرية، والخمور والأحجار النفيسة.

(*) الموقف الأوروبي من الزيارة، حيث أعربت ألمانيا عن قلقها من نتائج الزيارة وصرح المتحدث باسم الحكومة الفيدرالية الألمانية شتيفن هيبستريت، إن برلين قلقة من زيارة بوتين إلى مينسك، لأن ذلك قد يغير دور بيلاروسيا في الحرب بأوكرانيا. من جانبها أعلنت السلطات الأوكرانية أنها تخشى ضربات روسية على كييف من الأراضي البيلاروسية خلال الأشهر الأولى من 2023 في سيناريو يشبه ذلك الذى حدث في 24 فبراير 2022. كما تزامنت الزيارة في رسالة ضمنية مع عقد عدد من الدول الأوروبية في لاتفيا في 19 ديسمبر 2022 اجتماعًا لما يعرف بتحالف قوة الاستطلاع المشتركة التي تقودها بريطانيا وبحضور رئيس الوزراء البريطانى ريشي سوناك، وهو التحالف الذي شكل للاستجابة سريعًا للأزمات في شمال أوروبا ويضم إلى جانب بريطانيا كل من الدنمارك وإستونيا وفنلندا وآيسلندا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا والنرويج والسويد. وقد شارك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الاجتماع عبر دائرة فيديو مطالبًا بإمداد أوكرانيا بمجموعة متقدمة من الأسلحة.

(*) الموقف الأمريكي من الزيارة، والذي تجلى في تعليق المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين بيير في 19 ديسمبر 2022 على الزيارة بأن الولايات المتحدة تراقب عن كثب التعاون بين روسيا وبيلاروسيا في إطار حرب موسكو على أوكرانيا، بما يشمل نشر قوات روسية على أراضي بيلاروسيا، وأن الولايات المتحدة، وفقاً لكارين، تشعر بالقلق من دور بيلاروسيا في "العدوان الروسي".

جانب من المناورات مشتركة في بيلاروسيا
مجالات التعاون:

تنوعت نتائج الزيارة ومجالاتها التي دارت حول تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والدفاع والأمن. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك المجالات في التالي:

(&) التعاون الاقتصادي: وفقًا لتصريحات الرئيس بوتين خلال الزيارة، فإن الطرفين نجحا في التقدم بخطوات ملموسة على صعيد استبدال الواردات من الغرب وتطوير آليات التبادل التجاري الثنائي، الذي تطور بنسبة 10% ووصل إلى ما يقرب من 40 مليار دولار. وبشكل عام تتنوع مجالات التعاون الاقتصادي بين روسيا وبيلاروسيا، لا سيما في مجالات التكامل الزراعي والصناعي والطاقة. وقد عزز من هذا التعاون انضمام البلدان للعديد من المعاهدات واتفاقيات الشراكة التي تجمعهما، منها: منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ورابطة الدول المستقلة، والفضاء الاقتصادي المشترك، والاتحاد الجمركي الذي تشكل من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. كما أصبحت البلدان منذ يناير 2015 أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي خططت له روسيا ليكون على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي وامتلاكها لأدوات النفوذ والتأثير بداخله، والذي يضم أيضًا بالإضافة إلى روسيا وبيلاروسيا كل من قيرغيزستان وأرمينيا وكازاخستان، حيث يوفر الاتحاد لأعضائه حرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأيدي العاملة في مجالات النقل والزراعة والصناعة والطاقة والتجارة. ويمتلك الاتحاد سوقًا تضم حوالي 180 مليون شخص ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدوله ما يقرب من 5 تريليونات دولار في 2020.

(&) التعاون العسكري: يشكل ملف التعاون العسكري بين روسيا وبيلاروسيا أحد مجالات التعاون التي تعكس مستوى التحالف الاستراتيجي، والتي ازدادت أهميتها بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ففي العاشر من أكتوبر 2022، أبرم رئيس بيلاروسيا لوكاشينو اتفاقًا مع الرئيس الروسي بوتين لنشر قوة عسكرية مشتركة ردًا على ما وصفه لوكاشينكو بالتهديدات العسكرية المحتملة على روسيا وبيلاروسيا. لذلك اتجهت أوكرانيا للبدء في بناء جدار عازل على حدودها الشمالية مع بيلاروسيا تحسبًا لأي هجمات روسية عبر أراضي بيلاروسيا ضد كييف. لذلك جاء تصريح الرئيس بوتين بالقول إن التعاون بين روسيا وبيلاروسيا في المجال العسكري التقني لا يتعلق فقط بتوريد المعدات، لكن أيضًا بنشاط مشترك متعدد الوجهات، فهو عمل مشترك وتطوير وتعاون في هذا المجال، بما في ذلك تطوير صناعات التكنولوجيا الفائقة.

(&) التعاون النووي: أكد الرئيس بوتين خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع لوكاشينكو استعداد بلاده لتطوير المشروعات النووية في بيلاروسيا، وإعداد الكوادر وبناء المفاعلات، وأضاف بوتين، أن موسكو ومينسك لديهما اتفاقيات حول تطوير المشاريع النووية، والقيام بإنشاء الصناعة، وتدريب الكوادر الوطنية، وتطوير العلوم بطريقة مناسبة.

(&) تقوية قاعدة الدول الداعمة لموسكو:أوضح رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بأن هذه الأوقات الصعبة تتطلب إرادة سياسية من روسيا وبيلاروسيا، وأن لقاءه بالرئيس بوتين يأتي كتقليد متبع في العلاقات بين البلدين، لإزالة القضايا الشائكة عشية العام الجديد، وأضاف لوكاشينكو أن روسيا وبيلاروسيا منفتحتان على الحوار مع الدول الأخرى، بما في ذلك الدول الأوروبية، ودعا إلى أن يصغوا إلى صوت العقل والانتقال إلى مفاوضات بناءة في مجالي الأمن والنظام العالمي. وبرغم الدعوات للحوار، فإن العديد من التقديرات، تشير إلى أن ثمة مخاوف في كييف والدول الغربية المساندة لأوكرانيا من شن هجوم روسي بيلاروسي مشترك من الحدود البيلاروسية مع أوكرانيا. لذلك حذرت الولايات المتحدة ألكسندر لوكاشينكو من مغبة تقديم الدعم لروسيا في الحرب الدائرة بأوكرانيا، فقد حذر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس بالقول "ما أقلقنا دائما أنه على الرغم مما نسمعه من بوتين ولوكاشينكو ونظامه، فإن الرئيس الروسي تمكن من استخدام بيلاروسيا كنقطة انطلاق لحربه ضد أوكرانيا، وسنراقب عن كثب ما إذا كانت بيلاروسيا تقدم دعمًا إضافيًا لحرب بوتين، وإذا حدث ذلك فسنرد بشكل مناسب عبر إجراءات إضافية لمحاسبة نظام لوكاشينكو".

مجمل القول؛ إن التحالف الاستراتيجي بين روسيا وبيلاروسيا يرتكز على تنوع الشراكة في مجالات الاقتصاد والدفاع والأمن، لمواجهة التحديات التي تواجه البلدين، فبيلاروسيا تهدف إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية من خلال اعتمادها على الطاقة الروسية، والتكامل الزراعي والصناعي، في حين تسعى روسيا لتعزيز شراكتها العسكرية مع بيلاروسيا، حتى وإن كان بشكل غير مباشر من دون انخراط بيلاروسيا مجددًا في مواجهة مباشرة في الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لتحقيق أهداف عملياتها العسكرية في أوكرانيا ، والحد من تأثير الدعم الغربي المكثف لأوكرانيا على مسار الصراع.