في قلب العاصمة البلجيكية بروكسل، مقر المفوضية الأوروبية، تدور رحى معركة المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي، إذ تتشابك المصالح الوطنية مع الطموحات الشخصية والتوازنات الإقليمية.
وكشف تقرير لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن كواليس هذه المعركة الشرسة، وسلط الضوء على التحديات والعقبات التي تواجه القادة الأوروبيين في سعيهم لرسم مستقبل القارة العجوز.
عرش "فون دير لاين"
وسلطت "بوليتيكو" الضوء على الوضع الحرج للرئيسة الحالية للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إذ إنه رغم كونها المرشحة الأوفر حظًا للاحتفاظ بمنصبها، إلا أن الأمور ليست مضمونة كما قد يبدو للوهلة الأولى.
وأشار التقرير إلى أن حزب الشعب الأوروبي، الذي تنتمي إليه "فون دير لاين"، أثار حفيظة حلفائه الاشتراكيين بمطالبته المفرطة بعد فوزه في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، المتمثلة في الحصول على حصة أكبر من المناصب العليا.
ونقلت الصحيفة عن مصدر في الاتحاد الأوروبي قوله: "لقد أشعل حزب الشعب الأوروبي نارًا لم يعد بإمكانه السيطرة عليها". ويكشف التصريح عن حجم التوتر الذي يسود الكواليس السياسية في بروكسل، بحسب "بوليتيكو".
وتضيف "بوليتيكو" أن استمرار هذا النهج "المتغطرس" قد يؤدي إلى تحقيق أكبر حلم لشارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، في إحباط طموحات فون دير لاين للفوز بفترة ثانية.
ميلوني تدخل المعركة
وعلى الجانب الآخر من الصراع، تبرز شخصية رئيسة الوزراء الإيطالية، كلاعب رئيسي في هذه المعركة السياسية، إذ تصف "بوليتيكو" كيف أطلقت جورجيا ميلوني، زعيمة اليمين المتطرف في إيطاليا، "طلقات تحذيرية" معبرة عن استيائها من استبعادها من مفاوضات المناصب العليا.
وقال نيكولا بروكاتشيني، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب ميلوني: "إذا كان على التحدث باسم حزب إخوة إيطاليا، فعلي أن أقول لكم أنه من المستحيل بالنسبة لنا حاليًا التصويت لصالح أورسولا فون دير لاين أو أي من الآخرين، لأننا لا نعرف الأجندة السياسية".
ويضع هذا الموقف قادة الاتحاد الأوروبي في موقف صعب، إذ لا يمكن تجاهل ميلوني، زعيمة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد، بحسب التقرير.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي تحذيره من أن "الأمور يمكن أن تتصاعد بسرعة إذا لم يتم التواصل مع روما".
شرق أوروبا.. الحصان الأسود
لم يغفل تقرير "بوليتيكو" إبراز الدور المتنامي لدول شرق أوروبا في هذه المعادلة المعقدة، فمنذ الحرب الروسية الأوكرانية، اكتسبت هذه الدول ثقلًا سياسيًا متزايدًا داخل الاتحاد الأوروبي، وأشار التقرير إلى أن الحزمة الحالية للمناصب العليا تتضمن منح منصب رفيع لمرشح من إحدى دول شرق الاتحاد، ومن المرجح أن يكون رئيس الوزراء الإستوني كايا كالاس.
كما سلطت "بوليتيكو" الضوء على الدور المحوري لبولندا، بقيادة رئيس وزرائها دونالد توسك، الذي خرج أقوى من الانتخابات الأوروبية، إذ تشير الصحيفة إلى أن وارسو تطمح للحصول على حقيبة وزارية كبيرة مثل التوسع، بينما تتطلع دول أخرى في وسط وشرق أوروبا إلى حقيبة النقل، معتبرة إياها مفتاحًا لزيادة حجم التجارة مع بقية دول الاتحاد.
العقبة الأخيرة
واختتمت "بوليتيكو" تقريرها بالتركيز على التحدي الأخير الذي ينتظر فون دير لاين، وهو التصويت في البرلمان الأوروبي، وحذرت الصحيفة من أن الائتلاف المؤيد لفون دير لاين قد يكون صغيرًا جدًا لضمان حصولها على الأصوات المطلوبة (361 من أصل 720).
وتنقل "بوليتيكو" عن خبراء توقعهم بأن نحو 10% من أعضاء البرلمان داخل صفوف الائتلاف قد لا يصوتون لصالحها.
وأضافت الصحيفة أن "السلوك الجشع والمتغطرس" الأخير لحزب الشعب الأوروبي قد يؤدي إلى تسرب المزيد من الأصوات من كتلتها.
وتحذر صوفيا روساك، الباحثة في مركز الدراسات السياسية الأوروبية، من عواقب فشل فون دير لاين في البرلمان قائلة: "إنها مقامرة عالية.. سيكون ذلك مضرًا جدًا بسمعة مؤسسات الاتحاد الأوروبي وسيؤخر الأمور بشكل فظيع.. ثم ستبدأ اللعبة كلها من الصفر".
واختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن الفشل في التوصل إلى اتفاق سريع قد يؤدي إلى تأخير تنصيب المفوضية الأوروبية الجديدة، المقرر لها حاليًا أن تبدأ عملها في الأول من نوفمبر.