تشهد الساحة السياسية الأوروبية تحولات وتغييرات جذرية في أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ برزت قوى سياسية جديدة وتوازنات مختلفة بين الأحزاب التقليدية، وفي هذا السياق، تُطرح أسماء عدة مرشحين محتملين لشغل المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، تتصدرهم أورسولا فون دير لاين، للحصول على ولاية ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية.
ولن تكون عملية التوافق على هذه التعيينات سهلة، إذ تواجه تحديات عدة تتمثل في التوازنات الجديدة بين القوى السياسية، والتمثيل الجغرافي العادل، والخلافات حول القضايا الساخنة مثل الهجرة، إضافة إلى المساومات والمقايضات التقليدية بين الدول الأعضاء.
فون دير لاين.. ولاية جديدة في الأفق
ويبدو الطريق ممهدًا أمام الألمانية أورسولا فون دير لاين، للحصول على ولاية ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية، فقد عزز حزبها المحافظ "الشعب الأوروبي"، المنتمي إلى يمين الوسط، الذي سيصبح أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي الجديد، مكانته بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد بنسبة 26%، ما يجعلها المرشحة الأقوى لقيادة الهيئة التنفيذية للاتحاد، وفقًا لما نقلته صحيفة الجارديان البريطانية.
وفي التصويت المقرر إجراؤه 18 يوليو، سيتعين على فون دير لاين أو أي شخص آخر، الفوز بأصوات 361 من أصل 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي.
صعود نجم رئيس وزراء البرتغال السابق
على صعيد آخر، تشير التقارير الدبلوماسية إلى احتمال كبير لتعيين أنطونيو كوستا، رئيس وزراء البرتغال السابق، في منصب رئيس المجلس الأوروبي خلفًا للبلجيكي شارل ميشال.
ويُعتبر كوستا، الذي تولى رئاسة الوزراء في بلاده لثلاث ولايات متتالية، مرشحًا مُلائمًا، نظرًا لخبرته السياسية الواسعة وقدرته على التوفيق بين المصالح المتباينة للدول الأعضاء.
ويقول دبلوماسيون إن كوستا يحظى بشعبية كبيرة لدى زعماء الاتحاد الأوروبي وهو من جنوب أوروبا، كما يُنظر إلى عمره على أنه ميزة، إذ يُعتقد أنه من غير المرجح أن يستخدم المنصب كنقطة انطلاق لوظيفة كبيرة أخرى.
كالاس.. نجمة البلطيق الصاعدة
أما فيما يتعلق بمنصب المُمثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فقد برزت كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا، كمرشحة محتملة لخلافة الإسباني جوزيب بوريل.
وتُعتبر كالاس، التي تُولي اهتمامًا كبيرًا لمواجهة التهديدات الروسية، خيارًا مناسبًا للمنصب، نظرًا لدرايتها بشؤون الأمن الأوروبي وتمثيلها لدول البلطيق.
ومن المتوقع أن تحصل روبرتا ميتسولا من مالطا على فترة ولاية أخرى كرئيسة للبرلمان الأوروبي، على الرغم من أن هذا القرار يقع على عاتق أعضاء البرلمان الأوروبي عندما يجتمعون، منتصف يوليو المقبل.
وبمجرد أن ينتخب البرلمان رئيسه ويشغل مناصب عليا أخرى، سيكون لأعضاء البرلمان الأوروبي الكلمة الأخيرة في تثبيت رئيس المفوضية المقبل.
معادلات صعبة وتحديات جديدة
رغم ذلك، لا تزال هناك بعض العقبات أمام الاتفاق النهائي على هذه التعيينات، فقد أثارت نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة تساؤلات حول التوازنات الجديدة بين القوى السياسية المتصارعة، وكذلك التمثيل الجغرافي والإقليمي العادل في المناصب العليا.
كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يخوض معركة انتخابات تشريعية محلية، قد يؤثر بشكل كبير على المفاوضات، من خلال مطالبه بحصول فرنسا على حقائب وزارية اقتصادية مهمة في المفوضية الأوروبية.
تأثير القوى السياسية الجديدة
لا شك أن الزخم الذي حققته الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية في انتخابات البرلمان الأوروبي سيؤثر على معادلة توزيع المناصب، فبينما يتوقع أن تحافظ المُحافظة أورسولا فون دير لاين على منصبها كرئيسة للمفوضية الأوروبية، قد تضطر القوى التقليدية للتنازل عن مناصب أخرى لصالح تلك الأحزاب الصاعدة.
الخلافات حول الملفات الساخنة
من جهة أخرى، قد تشكل بعض الملفات الساخنة مثل الهجرة واللجوء نقاط خلاف بين المرشحين المحتملين للمناصب القيادية، فعلى سبيل المثال، تُعارض ميته فريديريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، المرشحة البديلة لرئاسة المجلس الأوروبي، السياسات الليبرالية تجاه الهجرة، الأمر الذي قد يثير انتقادات من قِبل الأحزاب اليسارية في البرلمان الأوروبي.
المساومات والمقايضات التقليدية
بالطبع، لن تخلو المفاوضات من المساومات والمقايضات التقليدية بين الدول الأعضاء، فمن المتوقع أن تسعى دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا للحصول على حقائب وزارية اقتصادية واجتماعية مهمة في المفوضية الأوروبية، مقابل دعمها للمرشحين المطروحين للمناصب الرئيسية.