في خطاب بثه التلفزيون الحكومي على الهواء مباشرة يوم الثلاثاء الموافق الـ 11 من يونيو 2024، أعلن رئيس مالاوي لازاروس تشاكويرا، عن نبأ مقتل نائبه ساولوس كلاوس تشيليما وتسعة أشخاص آخرين في رحلتهم لحضور جنازة وزير سابق فى الحكومة، حيث تحطمت الطائرة التي كانوا يستقلونها، عقب اختفائها يوم الاثنين 10 يونيو 2024 بعد فشلها في الهبوط في مطار مزوزو الدولي، على بعد نحو 380 كيلومترًا شمالي العاصمة ليلونجوي.
بُناءً على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما انعكاسات مقتل نائب رئيس مالاوي على الوضع الداخلي فيها؟
ظروف الواقعة
جاءت ظروف اختفاء طائرة تقل نائب رئيس مالاوي فى ظروف غامضة، وتطورت الأحداث من خلال:
(*) شكوك قائمة: على الرغم من جملة التقارير التي أفادت بتحطم الطائرة بسبب سوء الأحوال الجوية، لكن حزب "التحالف من أجل الديمقراطية"، طلب فى رسالة وقعها رئيس الحزب إينوك شيهانا، يوم الأربعاء 12 يونيو 2024، من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والاتحاد الإفريقي التدخل في التحقيق في حادث تحطم الطائرة، وجاء في الرسالة إن الحزب يعتبر المأساة "مسألة ذات اهتمام وطني، لأنها أثرت على كبار السياسيين"، ودعا إلى ضرورة دعم الإغلاق المناسب للحادث، وأعلن وزير المعلومات والرقمنة في ملاوي موسى كونكويو، أن قوات الدفاع والشرطة ستحقق في الحادث، بغض النظر عن سوء الأحوال الجوية المعلن عنها.
(*) اتهامات محيطة: قبل شهر من الواقعة، تعرض نائب رئيس مالاوي لفترة واجه خلالها اتهامات بالفساد، إذ انتشرت مزاعم عن حصوله على أموال مقابل التأثير على منح العقود الحكومية، وتم إثبات كذب التهم المرفوعة ضده بسقوط الادعاء خلال شهر مايو المنقضي، كما تم القبض على نائب رئيس مالاوي أواخر عام 2022، ومثل أمام المحكمة عدة مرات لكن لم تتم محاكمته بعد أن قدم مدير النيابة العامة إشعارًا بوقف القضية، ونفى تشيليما ارتكاب أي مخالفات، وأثرت تلك التهم على ثقة المالاويين فيه تحديدًا الشباب، لكن لا نستعبد الربط بين تلك التهم الملفقة ومقتل تشيليما بعد شهر من إعلان براءته.
(*) استجابات دولية: عقب الإعلان مباشرةً عن اختفاء طائرة تقل نائب رئيس مالاوي، قدمت العديد من الدول الدعم لمالاوي، وسعت لمعاونة الرئيس في البحث عن الطائرة، إذ قدمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل تقنيات متخصصة للمساعدة فى عملية البحث والعثور على نائب الرئيس ومرافقيه، وصرحت السفارة الأمريكية في مالاوي عن مساعدتها وعرضت استخدام طائرة صغيرة تابعة لوزارة الدفاع من طراز سي-12. إلى جانب تقديم رئيس مالاوي طلبًا إلى الدول الإفريقية المجاورة (زامبيا، وتنزانيا)؛ من أجل تقديم يد العون له في سرعة العثور على الطائرة، بالإضافة إلى إرسال طائرات من نوع هليكوبتر وبدون طيار لتعزيز جهود البحث، وتمت إعادة رفات الضحايا إلى ليلونجوي، على متن مروحية تابعة للقوات الجوية الزامبية.
انعكاسات واردة
يحمل مقتل نائب رئيس مالاوي انعكاسات على الوضع الداخلي فى مالاوي، فمن المرجح:
(*) إشكاليات اختيار البديل: بعد مقتل تشيليما الذي عُرِف بعمله الدؤوب فى منصبه خلال الفترة الأولى من ولايته، والأربع سنوات الأخيرة من ولايته الثانية، سيواجه المجلس الوطني الحاكم الذي يضم نحو 13 عضوًا عملوا على مدار الأربع سنوات الأخيرة مع تشيليما صعوبات متعددة، ففكرة العثور على زعيم بنفس الخصائص التى كان يمتلكها تشيليما لم يكن سهلًا، فمنصب نائب الرئيس فى مالاوي شرفي؛ لأن غرضه الرئيسي هو استبدال الرئيس في حالة غيابه أو وفاته، وتأجيل اختيار نائب رئيس جديد لمالاوي عقب انتهاء فترة الحداد. وعلى صعيد آخر، من المرجح أن تركز حركة التحول المتحدة على قضايا أخرى فى الوقت الراهن، والجدير بالذكر، من الصعب رؤية أعضاء الحزب ينتقلون سياسيًا فى طريقهم إلى الأمام بدون نائب الرئيس "ساولوس كلاوس تشيليما"، لكن لابد من اختيار قائد مثله، فهناك بعض القادة البارزين سيتم ترشيحهم لقيادة الحزب، لكن حتمًا سيكون التأثير الذي سيحدثه القائد المختار مختلفًا عن تشيليما الذي تمكن من الحصول على شعبية واسعة خلال فترة ولايته.
(*) ضغوط التحقيقات: لم يكن السبب الذى تم الإعلان عنه، المتمثل في سوء الأحوال الجوية التي أودت بحياة نائب رئيس مالاوي مقنعًا لأعضاء الحركة، ومع إعلان رغبة تشيليما فى وقتٍ سابق خوض ماراثون الانتخابات الرئاسية في مالاوي المقرر انعقادها فى سبتمبر 2025، من المرجح وجود نظريات مؤامرة بأن يكون تشيليما مستهدفًا من قِبَل خصوم له، فالأوضاع لم تكن مستقرة وتزداد التساؤلات بشأن التوقيت الزمني للواقعة، وأفادت التصريحات بأن التحقيقات جارية بشأن الحادث من قبل الخبراء الذين شعروا بالاستياء الشديد من الطريقة التى تعاملت بها الحكومة مع عملية البحث الكاملة عن الطائرة التى كانت تقل أصغر نائب رئيس فى تاريخ جمهورية مالاوي، ويطالب قادة حركة "التحول المتحدة" بإجابات من وزراء الحكومة بشأن الحادث.
(*) اضطرابات قيد التشكيل: تمر مالاوي الآن بفترة من التكهنات بشأن الأحداث المحيطة بوفاة نائب الرئيس، فمن المرجح أن ينتشر أفراد الأمن بالقرب من الأحداث، وقد يغلقون الطرق مؤقتًا لإعطاء الأولوية لتحركات المواكب الرسمية، بما في ذلك من وإلى مطار كاموزو الدولي في ليلونجوي؛ لتسهيل وصول كبار الشخصيات، إلى جانب احتمالية حدوث اضطرابات في النقل والأعمال بالمناطق التي يتم فيها فرض إجراءات أمنية مشددة.
إجمالًا، يمكن القول إن مقتل نائب رئيس مالاوي "ساولوس كلاوس تشيليما" أحدث اضطرابًا فى كيان حركة التحول المتحدة التابعة له، واضطرابًا فى أمن الدولة، ويترقب المجتمع الدولي نتائج التحقيق لمعرفة أسباب الحادث واتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي وقوع مثل هذه الكوارث مستقبلاً. وبالنظر إلى جملة الأحداث على مستوى العالم، جاء حادث نائب رئيس مالاوي بعد أسابيع قليلة من تَعَرُض مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" لحادث إثر هبوط صعب فى 19 مايو 2024، فلا نستعبد عقد مؤتمرات دولية تبحث فى الأسباب التى تؤدي إلى تلك الحوادث، ولا شك أن مالاوي ستمر بمرحلة مضطربة على الصعيدين السياسي والأمني.