الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الرئيسان الأمريكي والفرنسي.. تحديات مشتركة ورؤى مختلفة

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأمريكي جو بايدن - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة والتحديات العالمية المتصاعدة، تبرز أهمية العلاقات الأمريكية الفرنسية كركيزة أساسية للتحالف الغربي، وسلطت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، الضوء على ديناميكيات العلاقة بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون، واستكشاف نقاط التقارب والاختلاف بينهما، وتأثير ذلك على مستقبل التحالف عبر الأطلسي.

كيمياء شخصية رغم فجوة الأجيال

أشارت "بوليتيكو"، نقلًا عن مساعدين مقربين من الجانبين، إلى أنه على الرغم من الفارق الكبير في العمر بين الرئيسين بايدن (80 عامًا) وماكرون (45 عامًا)، إلا أن العلاقة بينهما تتسم بقدر كبير من الدفء والثقة المتبادلة.

فخلال الزيارة الرسمية لماكرون إلى واشنطن في ديسمبر 2022، شارك الزعيمان وزوجتاهما عشاءً في أحد مطاعم جورج تاون، ما يعكس عمق العلاقة الشخصية بينهما.

كما أن موافقة بايدن على دعوة ماكرون لزيارة فرنسا، رغم انشغالات الرئيس الأمريكي بالانتخابات المقبلة، تؤكد احترامه الكبير لنظيره الفرنسي، بحسب مسؤول أمريكي سابق.

ماكرون.. داعية الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي

توضح بوليتيكو أنه منذ وصوله إلى الإليزيه عام 2017، حرص ماكرون على تأكيد دور فرنسا كقوة دولية مستقلة، ودعا إلى تعزيز "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في ضمان الأمن الجماعي للقارة العجوز.

وفي خطابه بجامعة السوربون في أبريل الماضي، شدد ماكرون على أن "أوروبا فانية، ويمكن أن تموت، وما إذا كانت ستفعل ذلك أم لا يعتمد كليًا على خياراتنا"، في إشارة إلى ضرورة تحمل القارة لمسؤولياتها وتقرير مصيرها بنفسها.

وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين اعتبروا نبرة الخطاب "صارخة"، ورأوا فيها محاولة لتعزيز مكانة ماكرون السياسية في مواجهة تنامي شعبية اليمين المتطرف قبيل الانتخابات الأوروبية، إلا أنها تعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى لدور أوروبا في النظام العالمي الجديد.

خلافات حول أزمات ساخنة

سلطت الصحيفة الضوء عدم خلو العلاقات الأمريكية الفرنسية من بعض نقاط الخلاف والتوتر، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الدولية الملحة.

ففي أوكرانيا، اقترح "ماكرون"، خلال مكالمة هاتفية مع بايدن، إرسال قوات غربية لتدريب الجنود الأوكرانيين في منطقة الحرب، وهو ما قوبل بتحفظ من الجانب الأمريكي خشية التصعيد وتمدد الصراع.

كما انتقد الرئيس الفرنسي بعض تصريحات بايدن "الجريئة" بشأن الحرب، وتساءل عن أسباب استبعاد الناتو التام لاحتمال التدخل العسكري المباشر، على الرغم من المخاطر الوجودية للصراع.

أما بخصوص الصين، فدعا ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى عدم "الاعتماد الأعمى" على سياسة واشنطن تجاه بكين، مؤكدًا على ضرورة أن يكون للتكتل سياسته الخاصة بناءً على مصالحه الاقتصادية.

وأثارت تصريحات ماكرون عقب عودته من زيارة الصين العام الماضي، والتي استضاف خلالها الرئيس الصيني شي جين بينج في باريس، استياءً في الأوساط الأمريكية، واعتُبرت محاولة لإبراز الاستقلالية الفرنسية.

صفقة الغواصات.. جرح لم يندمل

شكلت صفقة الغواصات "أوكوس" عام 2021، والتي بموجبها ألغت استراليا صفقة شراء غواصات فرنسية بقيمة 65 مليار دولار لصالح ترتيب جديد مع بريطانيا والولايات المتحدة، ضربة قاسية للعلاقات الأمريكية الفرنسية.

وندد وزير الخارجية الفرنسي آنذاك بالاتفاق "السري"، واصفًا إياه بـ"الطعنة في الظهر" من قبل الحلفاء، ومعتبرًا أن "القرار الوحشي والأحادي" للإدارة الأمريكية "يشبه كثيرًا ما كان يفعله ترامب".

ووفقًا لـ"بوليتيكو"، ظل الجانب الفرنسي متمسكًا بالأمر لفترة طويلة، حتى إن مسؤولًا أمريكيًا وصف الموقف بـ"الوقت الرهيب" و"النقطة شديدة الانخفاض" في العلاقات بين البلدين.

لكن بايدن سارع إلى احتواء الغضب الفرنسي، معترفًا بأن الصفقة كانت "خرقاء" و"افتقرت للكثير من اللياقة".

مستقبل العلاقات.. تحديات وفرص

يدرك الرئيسان بايدن وماكرون أهمية الحفاظ على متانة العلاقات بين بلديهما في مواجهة التحديات الدولية المشتركة، خاصة مع تنامي الدور الروسي والصيني، وتزايد المخاطر الأمنية في الشرق الأوسط وإفريقيا.

ورغم الخلافات الجوهرية في الرؤى والأولويات، يثق البيت الأبيض بالتزام ماكرون بالقيم الديمقراطية وحلف شمال الأطلسي، ويدرك أن أي "عمل منفرد" من جانب باريس سيُؤخذ بحذر، في ظل الدور العسكري الأمريكي الأكبر والمكانة العالمية الفريدة لواشنطن.

لكن على المدى البعيد، ستظل فرنسا حليفًا أساسيًا وشريكًا لا غنى عنه للولايات المتحدة، خاصة مع إمكانية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2024.

وهنا تكمن أهمية الاستثمار في بناء علاقة شخصية قوية ووثيقة بين بايدن وماكرون، رغم فجوة الأجيال والاختلافات الثقافية والسياسية بينهما.