بنظرات ثاقبة وملامح حادة، وقدرة رهيبة على تقمص أدوار الشر، سجل الفنان الراحل محمود المليجي حضورًا في ذاكرة الجمهور المصري والعربي، ليحصد لقب "شرير السينما المصرية" ويحقق جماهيرية طاغية فلا يزال يخلد أثره بأعماله الفنية حتى الآن.
خدع "المليجي" – الذي تمر ذكرى وفاته في مثل هذا اليوم 6 يونيو عام 1983- الكثيرون بأدوار الشر التي جسدها على الشاشة، إذ كان يخشاه الكثيرون حتى أن المخرج يوسف شاهين أكد أنه كان يتفادى النظر في عينيه لخوفه من نظراته، إلا أنه كان وراء ملامحه الحادة، حنانًا وقلبا طيبًا شهد به الكثيرون.
بزغت موهبته في عمر مبكر، وكان شغفه بالفن وراء عمله بهذا المجال، فالتحق بفريق التمثيل بالمدرسة وكان من حسن حظه تعلمه على يد كبار الفنانين مثل جورج أبيض وعزيز عيد، الذين استعان بهم مدير المدرسة لتدريب الطلاب على التمثيل.
اتسم الراحل بالذكاء الشديد، وموهبته الكبيرة دفعت الفنان عزيز عيد ليعطيه درسًا مهما في حياته، ترك أثره طول حياته، فيسرد المليجي الواقعة قائلًا: "في السنة الرابعة جاء عزيز عيـد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقـف بجانبه كالطفل الذي يحب دائمًا أن يقلد أباه، وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومـع ذلك لم يُعطنِي دورًا أمثله، وكـان يقول لي دائمـًا "إنت مش ممثل، روح دوّر على شـغلـة ثانية غير التمثيل"، وفي كـل مـرة يقول لي فيـها هذه العبـارة كنـت أحـس وكأن خنجرًا غـرس في صـدري، وكثـيرًا ما كنت أتـوارى بجـوار شجـرة عجـوز بفـناء المـدرسة وأترك لعيني عنان الـدموع، إلى أن جـاء لي ذات يـوم صـديق قـال لي "إن عزيز عـيد يحـترمـك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل"، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه، وعرفت فيما بعد أن هذا الفنـان الكبـير كان يقول لي هـذه الكلـمات من فمه فقط وليس من قلبه، وإنه تعمَّـد أن يقولـها حتى لا يصيبني الغرور، وكان درسًا لا يُنسى من العملاق عزيز عيد".
رغم أن المشوار الطويل الذي قضاه المليجي في خدمة الفن والعطاء للجمهور، إلا أن الكثير لا يعلمون أن هناك واقعة كانت ستودي بحياته ليلقى حتفه في عمر الشباب، ولكن العناية الإلهية أنقذته، فسرد لمجلة "الكواكب" في عددها الصادر بتاريخ 20 يناير 1959، تفاصيل هذه الواقعة الطويلة التي لخصها بأن الكثيرين يعتقدون أنه أصلع بالفطرة ولكن السبب وجبة جمبري مسمومة، تناولها مع أصدقائه الثلاثة الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لها، ولكن ما أنقذه هو تناوله حبات من الليمون، ولكنها أفقدته شعره.
آمنت الفنانة فاطمة رشدي بموهبة المليجي وساعدته كثيرًا ورشحته للأعمال، حيث شارك معها مسرحيات "زيتون، مجنون ليلى"، وكانت هي أيضًا بوابة عبوره إلى السينما من خلال عمله معها في فيلم "الزواج" مطلع الثلاثينيات، كما حظى بالوقوف أمام كوكب الشرق أم كلثوم في فيلمها الأول "وداد"، ليقدم بعدها الكثير من الأفلام والتي تجاوزت أكثر من 150 عملًا فنيًا.
ظل المليجي يعطي للفن حتى آخر نفس في حياته، فرغم مشاركته القليلة في التلفزيون مثل عمله في مسلسل "الأيام، على باب المدينة، صيام صيام، مارد الجبل"، ولكن أسدل مسلسل "عمرو بن العاص" الستار على مشوار حياته، والذي لم يسعفه القدر لمشاهدته حتى رحل عن الحياة قبل عرضه بفترة قصيرة، ليكون رصيده الفني الكبير شفيعًا له بعد الغياب.