حلم الفنان المصري الراحل محمود ياسين ابن مدينة بورسعيد منذ الصغر أن يصبح نجمًا وأن يسير في طريق عكس ما وجد عليه والده كالالتحاق بوظيفة روتينية لا تشبع شغفه أو تحقق حلمه، فقرر أن يذهب إلى أضواء القاهرة واستكمال حلمه هناك.
رحبت الأسرة بالفكرة، لكن ظل والده مُصممًا على أن يُكمل مسيرته الأكاديمية ليلتحق هذا الشاب بكلية الحقوق جامعة عين شمس تنفيذًا لرغبة والده، وعلى الجانب الآخر تبع شغفه بالتحاقه بالمسرح القومي، لتكون تلك الخطوة ركيزة ليصنع اسمًا يُحفر في التاريخ.
شغف بالمسرح
شغف "ياسين" المولود عام 1941 بالتمثيل جعله يرفض التعيين في بورسعيد بعد تخرجه من كلية الحقوق، وقرر أن يُكمل رحلته لتحقيق حلمه، إذ عشق المسرح وقرأ وتشبع بسيرة نجومه، حتى تم تعيينه في المسرح القومي - أحد أعرق المسارح في مصر - تميز هذا الشاب الحالم بالنجومية بقدرات تمثيلية وصوت رخيم أضفى عمقًا على أدائه المسرحي، ليصبح واحدًا من الرواد، ويقدم العديد من الأعمال المسرحية المميزة، أبرزها "الحلم" من إخراج يوسف وهبي، "ليلى والمجنون" التي كتبها صلاح عبدالصبور وأخرجها كرم مطاوع، "عودة الغائب"، "الزيارة انتهت" من إخراج سمير العصفوري، و"وطني عكا" التي كتبها عبدالرحمن الشرقاوي.
لم يُعجب محمود ياسين بالأوضاع التي وصل إليها المسرح قبل رحيله، وقال في لقاء تلفزيوني: "هذه الخشبة هي نافذتنا على العالم، فيجب أن نهتم بها أكثر من ذلك ولا نركز على التسلية في القنوات الفضائية، ومتأكد من عودة المسرح المصري لعصره الذهبي مرة أخرى".
السينما
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه ياسين في المسرح، إلا أنه كان لديه تحفظ على السينما ويرى أنه لا يصلح أن يكون نجمًا سينمائيًا لعدم توافر مؤهلاتها فيه من وجهة نظره، وانتقد بشدة وقتها السينما التجارية قائلًا: "لا تزيد من رفع الوعي عند الجمهور".
وعلى الرغم من تحفظات الراحل، إلا أنه أدرك أن تلك الشاشة وسيلة لنشر الفن والتأثير في المشاهدين، ليشارك في عدد من الأعمال التي تركت بصمة في تاريخ السينما المصرية، إذ قدم أكثر من 150 فيلمًا سينمائيًا، أشهرها "الرصاصة لا تزال في جيبي، أين عقلي، ثالثهم الشيطان، نحن لا نزرع الشوك، شيء من الخوف، أفواه وأرانب، جدو حبيبي، الصعود إلى الهاوية، اذكريني، الجزيرة"، وغيرها.
العمل للأفضل
بحث محمود ياسين طوال مشواره الفني عن الجودة والعمق والرسالة الهادفة، وهذه الرسائل جعلته مهمومًا دائمًا ولا ينام مرتاح البال، وقال في لقاء متلفز: "إذا اعتقد الممثل أنه هرم خوفو ووصل إلى القمة فسيتحول لمدرجات مُكسرة، لأنه سيسحب من رصيده، لذلك يجب علينا أن نعمل دائمًا للأفضل".
حياته الأسرية
الأسرة كانت جزءًا مهمًا من حياة محمود ياسين، فقد تزوج من الفنانة القديرة "شهيرة"، ودام زواجهما لأكثر من 40 عامًا، أثمر عن إنجاب ابنين، هما رانيا وعمرو، يحكي الراحل عن أهمية تلك الأسرة الصغيرة في حياته، فيقول: "العائلة ترابط ومحبة، وأحرص رغم انشغالي على تخصيص وقت لأسرتي، وأن أكون جزءًا من حياة أبنائي ودعمهم في مسيرتهم الفنية".
برنامج للهواة
مشوار محمود ياسين من بورسعيد إلى القاهرة جعله مهمومًا بالموهوبين في محافظات مصر المختلفة، وحلم أن يساعدهم بأي شكل، إذ قال: "لو أتيحت لي فرصة سأقوم بعمل برنامج للهواة على امتداد أقاليم مصر لاكتشاف المواهب المدفونة. أنا أشعر بهم، فحينما كنت في بورسعيد رأيت أن القاهرة وأضواءها حلم بعيد".
لم يقتصر إسهام محمود ياسين على التمثيل فقط، فقد سجل القرآن الكريم بصوته دون أن يتقاضى أجرًا رغبة منه في نشر الخير.
الرحيل
في 14 أكتوبر 2020، استيقظ محبو محمود ياسين على خبر رحيله المؤلم عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد معاناة مع المرض، لكن هذا العملاق ترك إرثًا سيذكره التاريخ دائمًا، وأسرة فنية تحمل سيرته وتبرزها في كل ربوع الأرض.