صوت لا تخطئه أذن، وخفة ظل لا يختلف عليها أحد، وموهبة لا يقبل فيها النزاع، وأداء متفرد ليس له شبيه، وتلقائية أدخلته القلوب، وأفلام حملت اسمه، ليكون الفنان المصري الراحل إسماعيل ياسين، واحدًا من بين القلائل التي حملت الأعمال اسمه، ورغم كثرة الألقاب التي التصقت به منها "أبو ضحكة جنان" وملك الكوميديا، ولكن لم يستطع لقب أن يصف حجم موهبته التي كانت تميمة حظه لعالم الشهرة والنجومية.
التقطت أذن الطفل إسماعيل ياسين في صغره صوت المطرب محمد عبد الوهاب فعشق الطرب من خلاله، وحلم بأن يصبح مطربًا كبيرًا مثله يومًا ما، ولكنه لم ينجح في هذا الهدف في البداية، إلا أنه حقق مراده من خلال عالم التمثيل ليصبح أشهر كوميديان ومونولوجيست بالوطن العربي، ويغني ويبدع في أعماله فيجمع بين الغناء والتمثيل.
ساهمت الظروف الصعبة التي عاشها إسماعيل ياسين - الذي تحل اليوم ذكرى وفاته 24 مايو عام 1972- في دفعه بقوة في تحطيم واقعه المؤلم والركض وراء النجاح، فوالده الذي كان من أشهر الصائغين في مدينة السويس أصبح خلف القضبان بعد تراكم الديون عليه، فدخل الصبي الصغير عالم الكبار سريعًا وتحمل المسؤولية مبكرًا وامتهن الكثير من الأعمال التي تناسبه مثل العمل في بيع الأقمشة ومناديًا في موقف للسيارات وغيرها، ثم جاء للقاهرة للبحث عن فرص تناسبه، وبعد رحلة من البحث قادته قدماه إلى فرقة بديعة مصابني، ليلتقي شخصًا أصبح رفيق دربه وهو المؤلف الراحل أبو السعود الإبياري الذي كون معه ثنائية ناجحة، وقدما معًا أشهر الأعمال، وبالفعل عمل بالفرقة وقتها وبدأ يذيع صيته.
كان فن المونولوج بوابته للشهرة إذ قدمه لمدة 10 سنوات، ودخل منه للإذاعة المصرية حيث كان يلقيه فيها مقابل جنيهات قليلة، وهو ما فتح له نافذة العمل بالسينما والمسرح، وشهد فيلم "خلف الحبايب" الشرارة الأولى التي انطلق منها للسينما في نهاية الثلاثينيات.
وصلت شهرة إسماعيل ياسين إلى أن يكون نجم الشباك وتُباع الأعمال باسمه، وقدم سلسلة من الأفلام مثل "إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين في متحف الشمع، إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، إسماعيل ياسين في البوليس الحربي، إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين في البحرية، إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين، وغيرها من الأعمال التي نجحت بمجرد وضع اسمه عليها.
كسر إسماعيل ياسين قاعدة البطل الوسيم، فكانت خفة ظله هي مدخله لقلوب الجمهور، وشكّل تميمة نجاح لكل من يعمل معه وهو ما دفع الكثير من الفنانين لتكرار التعاون معه، فقدمت الفنانة شادية معه نحو 28 فيلمًا سينمائيا، وأيضًا شهدت أعماله تكرار العمل مع الفنانة زينات صدقي وماري منيب، وعبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري وغيرهم الكثير.
محطات طويلة قطعها إسماعيل ياسين في مشوار ودرب الفن، فقدم للمسرح الكثير من المسرحيات، وكون فرقة تحمل اسمه بالتعاون مع صديقه أبو السعود الإبياري وتعاون معه السيد بدير وتوفيق الدقن ونور الدمرداش في عدد كبير من المسرحيات.
رغم النجاح الكبير الذي ذاق طعمه ولكن الحزن ملأ قلبه في آخر أيام حياته، حيث دخل في نوبة اكتئاب لقلة الأعمال فبعد أن كان يقدم أكثر من 10 أعمال في العام، أصبح يقدم فيلمًا أو فيلمين على الأكثر، فضلًا عن أزمات صحية ألمت به، ليكون رحيله حزنًا لا يتناسب مع عطائه الكبير في إسعاد الملايين على مستوى الوطن العربي.