يأتي انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني في دورته العاشرة في 30 مايو 2024 بمشاركة الرئيس الصيني، شي جين بينج، وعدد من القادة العرب، في مقدمتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس التونسي قيس سعيد، ليعكس الرغبة المُشتركة لمناقشة أوجه العلاقات العربية الصينية وسُبل تعزيزها، وتعميق التوافق بين الصين والدول العربية، وهو ما يثير التساؤلات حول موقع غزة في المناقشات العربية الصينية، وحدود الدور الصيني للمساعدة في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ودعم العودة إلى مسار التسوية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولًا إلى حل الدولتين الذي تدعمه القوى الكبرى وفي مقدمتها الصين.
مرتكزات التعاون العربي الصيني
تتمثل مرتكزات التعاون العربي الصيني، خاصة على الصعيد الاستراتيجي فيما يلي:
(*) الشراكة الاستراتيجية: تمثل الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين إحدى ركائز تعزيز العلاقات ما بين الجانبين، فهناك ما يقرب من 14 دولة عربية تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الصين، وهو ما انعكس على حجم الاستثمارات الصينية في الدول العربية التي وصلت إلى ما يقرب من 250 مليار دولار، كما وصل حجم التجارة الصينية مع الدول العربية لما يقرب من نصف تريليون دولار.
(*) الانخراط الصيني في الشرق الأوسط: يشكل الانخراط الصيني في تفاعلات الشرق الأوسط أحد الدوافع الداعمة للتعاون العربي الصيني لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد نجحت جهود الوساطة الصينية في توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في مارس 2023 لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وبذل جميع الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
ويمثل التوجه الصيني نحو التفاعل مع قضايا الشرق الأوسط إحدى ركائز تصاعد الدور الصيني على المستوى العالمي، وهو التوجه الذي تزامن مع رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للحد من ارتباطاتها بتفاعلات الشرق الأوسط، نظرًا لارتفاع تكلفتها والتوجه شرقًا لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في آسيا.
(*) الانحياز لقضايا الجنوب: تمثل قيم الجنوب المشتركة ما بين الدول العربية والصين دافعًا لتعزيز التعاون الصيني العربي لمواجهة الانحياز الغربي المطلق، وفي مقدمته الانحياز الأمريكي الداعم لإسرائيل في عدوانها الغاشم على غزة، فبعد أن زار أركان ورموز الإدارة الأمريكية إسرائيل، عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 لإظهار الدعم والمساندة للحليف الاستراتيجي، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية حجر عثرة أمام كل مشروعات القرارات بمجلس الأمن المؤيدة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، وذلك من خلال استخدام حق النقض "الفيتو".
كما انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية طلب المدعى العام للمحكمة للجنائية الدولية من قضاة الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة أن يصدروا أوامر بالقبض على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الاسرائيلي يوآف جالانت، حيث أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن في 23 مايو 2024 إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
(*) مساندة الصين للقضية الفلسطينية: تتبنى الصين دعم جهود الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المشروعة، وذلك من خلال إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فضلًا عن تأييد عملية السلام، وفقًا لمرجعيات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية. وقد عبر الرئيس الصيني شي جين بينج، عن ذلك الموقف خلال القمة العربية الصينية الأولى التي انعقدت بالمملكة العربية السعودية في 9 ديسمبر 2022 قائلًا إنه لا "يمكن أن يستمر الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني إلى أجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، كما أن التطلعات لإقامة دولة مستقلة لا تقبل الرفض"، وأن بلاده "تدعم بكل ثبات إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتدعم نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وستواصل تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني".
مسارات مُحتملة
في ظل المرتكزات السابقة، فإن المسارات المحتملة للتعاون العربي الصيني حول غزة يمكن أن تتعدد مسالكها، وهو ما يمكن الإشارة إليه في التالي:
(&) عقد مؤتمر دولي للسلام: تبنى مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في المنامة 16 مايو 2024 ضرورة الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام، يُسهم في إعادة المسار التفاوضي، وهي الدعوة التي تتقاطع مع إعادة الرئيس الصيني، شي جبن بينج، الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام خلال منتدى التعاون العربي الصيني، حيث أكد في كلمته أمام المنتدى في 30 مايو 2024 أن بكين ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية لتكون نموذجًا للاستقرار العالمي، داعيًا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، يهدف لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، مشيرًا إلى أن بكين مستعدة للعمل مع الدول العربية لحل القضايا ذات الصلة بالبؤر الساخنة بطرق تفضي إلى دعم مبادئ الإنصاف والعدل وتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل، وأكد "شي" أن الحرب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، ولا يمكن للعدالة أن تظل غائبة للأبد، ولا يمكن الإطاحة بحل الدولتين بشكل تعسفي.
ولا شك أن ترجمة الدعوة لعقد مؤتمر دولي تحتاج إلى تضافر دولي من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الصين وروسيا على أن تكون هناك ضمانات دولية من الولايات المتحدة لتطبيق مخرجات المؤتمر المقترح على أرض الواقع، والتزام إسرائيل بما يقره المؤتمر، وذلك من خلال ضمانات دولية تقدمها تلك القوى لتعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
(&) تعزيز جهود الوساطة الصينية: تمتلك الصين مقومات القطب الدولي القادر على طرح مبادرات عالمية لتسوية الصراعات المعقدة، في ظل سعي بكين نحو تعزيز مكانتها على مسرح السياسة الدولية، فقد تقدمت الصين بمبادرة سلام لتسوية الصراع الروسي الأوكراني إلا أن الدول الأوروبية انتقدتها واعتبرتها أقرب لمبادئ القانون الدولي.
وفي سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من المهم أن تعزز الصين من جهودها للوساطة بين الجانبين؛ لوقف الحرب في ظل ما تمتلكه من علاقات بناءة مع إسرائيل، وربما يشكل استضافة بكين في نوفمبر 2023 اجتماعًا لوزراء خارجية السلطة الوطنية الفلسطينية، وإندونيسيا، ومصر، والسعودية، والأردن لإجراء محادثات تهدف إلى تخفيف التصعيد في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر، خطوة نحو تلك الوساطة التي تحتاج إلى مزيد من الجهد الصيني، على اعتبار أن بكين تسعى لإعادة التموضع كوسيط في الملف الفلسطيني، وكذلك في محاولة التوسط بين حركتي "فتح" و"حماس".
(&) مساندة الصين حصول فلسطين على العضوية الدائمة في الأمم المتحدة: تتبنى الصين في توجهها إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أهمية حصول فلسطين على العضوية الدائمة في الأمم المتحدة، وهو التوجه الذي عكسه بيان وزارة الخارجية في 11 فبراير 2024 بأن بكين تدعم منح فلسطين عضوية كاملة في هيئة الأمم المتحدة، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الجاري والأزمة الإنسانية الحادة الناجمة عن الصراع، يمثلان تذكيرًا آخر بأن السبيل الوحيد لإنهاء الدائرة المفرغة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو التنفيذ الكامل لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وتصحيح الظلم التاريخي الذي عاناه الفلسطينيون.
ولا شك أن هذا الموقف الذي يتماشى مع موقف العديد من دول العالم، واتجاه عدد من الدول الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وأحدثها اعتراف كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية، مبررين ذلك الموقف بأنه يساعد الفلسطينيين والإسرائيليين على تحقيق السلام ويشكل اتجاهًا عالميًا يساند ويدعم قيام الدولة الفلسطينية والتي يحب أن يسبقها الاعتراف بالعضوية الدائمة لها في الأمم المتحدة، وهي المسؤولية الملقاة على عاتق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والحيلولة دون استخدام حق النقض "الفيتو".
(&) مساندة إعادة إعمار غزة: يشكل إعلان الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني عن استعداد بكين للمشاركة في إعادة إعمار غزة، توجهًا يحتاج لترجمته على أرض الواقع، بعد أن تهدأ المدافع في ظل ما سببه العدوان الإسرائيلي من هدم للمناطق السكنية بالقطاع واستهداف مرافق البنية الأساسية من محطات للكهرباء والمياه واستهداف المستشفيات والجامعات، بما حول قطاع غزة بمناطقه المختلفة إلى ساحة حرب تحتاج لإعادة التأهيل والإعمار بعد أن تم تقدير تلك التكلفة بما يتجاوز 90 مليار دولار، وهو ما يتطلب "خطة مارشال" جديدة تُسهم في التعافي من تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم.
مجمل القول؛إن ركائز التعاون العربي الصيني لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة تتعدد منطلقاته من مساندة مبادرات التسوية السلمية للصراع، ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية داخل القطاع والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعضويتها الدائمة في الأمم المتحدة، وعقد مؤتمر دولي لمساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والمساهمة في إعادة إعمار غزة، وصولًا لحل الدولتين، وهو ما يحتاج لتوافر إرادة دولية ضامنة لوضع جدول زمني لإحلال السلام وحلحلة الصراع المعقد والممتد لعقود دون حل جذري.