دخل الصراع الأمريكي الصيني مرحلة جديدة ومختلفة هذه المرة، فبعد الحرب الاقتصادية، والأزمات السياسية المتوالية اتجه الصراع بين واشنطن وبكين ناحية وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت البداية مع تطبيق "تيك توك" للفيديوهات القصيرة.
وعلى مدار أسبوعين اتخذ الكونجرس الأمريكي خطوات جادة لحظر هذا التطبيق داخل الولايات المتحدة، وخاصة على أجهزة العاملين في الحكومة الفيدرالية.
وأمس الاثنين، أقرت ولايتا لويزيانا ووست فيرجينيا فرض حظر شامل على الأجهزة التابعة لأعضاء حكومتيهما باستخدام تطبيق "تيك توك" بسبب مخاوف من إمكانية أن تستغل الحكومة الصينية هذا البرنامج لتتبع الأمريكيين ومراقبة محتويات أجهزة هواتفهم النقالة.
وقال وزير خارجية ولاية لويزيانا، كايل أردونين، إنه حظر منصة تيك توك على جميع الأجهزة التي تمتلكها هيئته، بداعي وجود تهديدات أمنية محتملة، لكن دون تحديد أي مخاطر حالية. وقال مراقب ولاية وست فرجينيا، جيه.بي ماكوسكي، إنه فعل الشيء نفسه في ولايته.
19 ولاية تطبق الحظر
وبذلك أصبحت نحو 19 ولاية أمريكية تطبق هذا الحظر بشكل جزئي، على الأقل، على الأجهزة التي تستخدمها حكومات تلك الولايات على منصة تيك توك، المملوكة لشركة "بايت دانس ليمتد" الصينية ومقرها بكين، رغم تكرار الشركة بأنها تقوم بتطبيق الشروط والأحكام العالمية بعدم إمكانية تسريب خصوصية المشتركين للحكومة الصينية، إلا أن هذا الأمر، وفق أعضاء الكونجرس الأمريكي، لا يعتبر كافيًا لضمان أمن الشعب الأمريكي.
وجاء هذا القرار بعد اقتراح عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي الأسبوع الماضي بفرض حظر شامل على المنصة الإلكترونية على مستوى البلاد، مما سيجعل الولايات المتحدة تتبع نفس نهج حكومات أخرى مثل الهند التي فعلت حظر هذا التطبيق بالفعل داخل البلاد بصورة كاملة.
من جانبها، أكدت إدارة منصة "تيك توك"، في بيان، أن الشركة "منزعجة من أن الكثير من الولايات تسارع بالانضمام إلى دعاية سياسية لتفعيل سياسات مبنية على مزاعم لا أساس لها حول تيك توك ولن تفيد الأمن القومي للولايات المتحدة".
وينخرط مسؤولون أمريكيون وآخرون من تيك توك في محادثات منذ شهور حول اتفاق يتعلق بالأمن القومي سيعالج المخاوف من وصول الصين إلى بيانات أكثر من مئة مليون مشترك أمريكي على المنصة التي أصبحت من أكثر مواقع السوشيال ميديا شهرة في العالم.
خطوات الحظر
بدأت حرب مواقع السوشيال ميديا بين بكين وواشنطن منذ أشهر لكن على مدار الأسابيع الماضية قدم عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ تشريعات جديدة تهدف إلى حظره داخل البلاد، في خضم تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وخبراء أمن سيبراني بشأن إمكانية استخدام بكين المنصة لأغراض "التجسس".
ويرعى هذا التوجه السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من ولاية فلوريدا، بالتزامن مع مشروعات مماثلة في مجلس النواب للنائبين الجمهوري مايك جالاجر والديمقراطي راجا كريشنامورتي.
وقال المشرعون في بيان أوردته شبكة NBC الأمريكية، إن "مشروع القانون يهدف إلى "حماية الأمريكيين من الخصوم الذين قد يستخدمون بعض وسائل التواصل الاجتماعي لمراقبتهم ومعرفة بيانات حساسة عنهم، ونشر حملات التأثير أو الدعاية".
تبعات التشريع الأمريكي
بموجب خطوات أعضاء الكونجرس لإقرار قانون بفرض الحظر في أنحاء جميع الولايات، فإنه في حالة موافقة كل أعضاء الشيوخ والنواب يمكن للرئيس الأمريكي جو بايدن أن يفرض عقوبات على "تيك توك" وشركات التواصل الاجتماعي الأخرى، لحظر التشغيل التجاري في الولايات المتحدة.
وسبق أن أوضحت المنصة الإلكترونية"تيك توك" أنها لا تشارك أي معلومات مع الحكومة الصينية، وأن فريقًا أمنيًا مقره الولايات المتحدة يقرر من يمكنه الوصول إلى بيانات المستخدم الأمريكي.
وأوضح المتحدث باسم المنصة، هيلاري ماكوايد، قائلًا: "سنستمر في إطلاع أعضاء الكونجرس على الخطط التي طورت تحت إشراف أعلى وكالات الأمن القومي في بلادنا، لزيادة تأمين منصتنا في الولايات المتحدة".
يذكر أنه عقب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي نوفمبر الماضي، حذر مدير الـ"إف بي آي" كريستوفر راي، أعضاء بالكونجرس الجديد من أن الحكومة الصينية يمكن أن تستخدم "تيك توك" للتحكم في أجهزة المستخدمين لأغراض التأثير أو التجسس.
حرب الاقتصاد البارد
يرى محللون أن تحرك المشرعين الأمريكيين ضد "تيك توك" يأتي في إطار "الحرب الاقتصادية الباردة بين واشنطن وبكين، حيث تحاول الأولى بشكل مستمر فرض عقوبات على الثانية لتحجيم توسعها.
ولم تكن منصة "تيك توك" هي الخطوة الأمريكية الوحيدة تجاه التطبيقات أو الصناعات الإلكترونية الصينية بشكل عام، بل سبق لواشنطن أن نفذت هذا التوجه مع شركة هاواوي الصينية، ورغم أهمية السوق الأمريكية لجميع الشركات، فإن الصين فتحت لنفسها أسواقًا كبيرة أخرى خارج الولايات المتحدة.
وخلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حاول أن يتم التضييق على المنصات الأمريكية وفي مقدمتها ويشات وتيك توك، وفرضت إدارة ترامب قيودًا على عدد من الشركات الصينية والروسية. التي تتهمها بأن لها علاقات بالمؤسسات العسكرية في هذه البلدان. لمنعها من شراء السلع والتكنولوجيا الأمريكية الحساسة.
وفي أغسطس 2021، أمرت الولايات المتحدة شركة بايت دانس، مالكة تطبيق تيك توك، بإغلاق أو بيع أصولها الأمريكية، لترد الصين على الأمر. وتنفي ما وصفته بمزاعم أن شركات التكنولوجيا تشارك بياناتها مع الحكومة الصينية.
الصين ترد بقيود
ولم تكتف الإدارة الصينية بنفي الاتهامات الأمريكية فقط، بل ردت هي الأخرى بفرض قوانين التصدير الخاصة بها التي تقيد نقل التكنولوجيا العسكرية إلى الخارج، كما قالت الخارجية الصينية، إنه إذا تم حظر تطبيق ويشات في أمريكا فلن يكون هناك سبب يدعو الصينيين إلى الاحتفاظ بأجهزة آيفون ومنتجات أبل الأمريكية في الصين.
ومع قدوم بايدن لرئاسة البيت الأبيض ألغى ما أصدره سلفه دونالد ترامب. بحظر تطبيقي تيك توك وويشات الصينيين في الولايات المتحدة. وقال بايدن إنه على الوزارة استخدام "نهج قائم على الأدلة" لمعرفة ما إذا كانت مثل هذه التطبيقات تشكل خطرًا على الأمن القومي للولايات المتحدة.
وبرغم الملاحقة والتضييق، فشركة "بايت دانس" المالكة لتطبيق تيك توك، تحقق أرباحًا سنوية بصورة تخطت موقعي فيس بوك وتويتر، وفي عام 2021 بلغت أرباح تيك توك نحو 19 مليار دولار. كما سجلت "بايت دانس" نشاط أكثر من 1.9 مليار مستخدم لمنصاتها بداية من شهر ديسمبر 2021 فقط.
ووفقًا لتقرير نشرته شبكة "بلومبرج"، فإن أرباح الشركة، حققت نموًا في 2019 بنسبة 130% عن العام 2018، والشركة تمتلك مليار ونصف المليار مستخدم نشط.