قبل أشهر قليلة من الموعد النهائي المقرر لإجراء الانتخابات البرلمانية، 4 يوليو 2024، وفي خطوة مفاجئة للنواب المحافظين، دعا ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، 22 مايو 2024، إلى إجراء انتخابات عامة، مع إعلانه تعطيل عمل البرلمان، 24 مايو الماضي، وحله يوم 30 من الشهر ذاته، إذ أصبح حزب المحافظين الذى يقوده "سوناك" أمام مفترق طرق ما بين البقاء في السلطة أو الإطاحة به، وبدأت الحملات الانتخابية للحزبين الأكثر تنافسًا، هما "المحافظين" و "العمال" مع تقديم وعود حول القضايا المختلفة من أجل استقطاب عدد أكبر من الناخبين.
بُناءً على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: هل ينجح "المحافظون" في اختبار انتخابات بريطانيا المبكرة؟.
انتكاسات بارزة
يتعرض حزب المحافظين البريطاني لانتكاسات متعددة تُعد مقياسًا لكيفية الأداء في الانتخابات البرلمانية المقبلة، واختبارًا حقيقيًا لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وتتمثل أبرزها في:
(*) هزيمته في انتخابات بريطانيا المحلية الأخيرة: أُجريت الانتخابات المحلية البريطانية، 2 مايو 2024، وأظهرت النتائج خسارة المحافظين، إذ حصل الحزب على المركز الثالث بإجمالي 6 مجالس و515 مقعدًا بعد خسارته 474 مقعدًا. وفي الأثناء حقق حزب العمال انتصارًا ساحقًا بحصوله على المركز الأول بإجمالي 51 مجلسًا و1158 مقعدًا، وتبعه الحزب الليبرالي الديمقراطي بحصوله على 12 مجلسًا و522 مقعدًا، ويبدو أن المحافظين يعانون انشقاقات داخلية وقيادة سياسية عاجزة عن احتواء الموقف للحفاظ على سلطتهم، وفسر الكثيرون التراجع الكبير في الانتخابات المحلية بأن المحافظين يواجهون أزمة سياسية تؤثر بالفعل على مستقبلهم في انتخابات يوليو المبكرة، إذ كانت الانتخابات الفرعية الأخيرة شاهدة على التقلبات القياسية من حزب المحافظين إلى حزب العمال. فبالنسبة لحزب العمال تمكنت الانتخابات المحلية من طمأنته بتأكيد سيره في الاتجاه الصائب، أما حزب المحافظين فلمحت هزيمته إلى ما سيناله يوليو المقبل، لكن ما زالت هناك عوامل تُعطي بعض الأمل للحفاظ على سلطته، تتمثل في متوسط عمر ناخبيه بالمقارنة بغيره من الأحزاب الأخرى، ودعم وسائل الإعلام، والتمويل.
(*) التحديات الاقتصادية: لم تأتِ دعوة سوناك لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة من فراغ، بل يؤثر الوضع الاقتصادي على شعبية الحزب، إذ أدرك سوناك أن الخطة التي يطرحها المحافظون في سبيل التعافي الاقتصادي تتضاءل نتائجها، وتقف تحديات اقتصادية جمة أمام المحافظين مع ارتفاع معدلات البطالة واستمرار الانهيار الاقتصادي. ويعتبر الاقتصاد قضية المحافظين الكبرى، فكان من المقرر تحقيق نمو اقتصادي يصل 1%، لكن أفادت المؤشرات بأن الحزب حقق 0.6% فقط من النمو الاقتصادي، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. ناهيك عن أزمات عانت منها البلاد في الآونة الأخيرة خلال حكم سوناك، تتمثل أبرزها في أزمة مكتب البريد التي تسببت في سجن المئات من مديري المكتب وإلحاقهم قضائيًا.
نتائج واردة
من المحتمل أن تنعكس انتكاسات المحافظين على سلوك الناخبين، أبرزها:
(*) اتباع استراتيجية التصويت التكتيكي: من المرجح أن يتجه الناخبون إلى اعتماد التصويت التكتيكي في الانتخابات البرلمانية المقبلة في بريطانيا، إذ أسهم التصويت التكتيكي في نجاح توني بلير من قبل، وعودته إلى الظهور مرة أخرى، إذ يضع بعض الناخبين حزبهم السياسي المفضل جانبًا، ويدعمون من يعتقدون أنه الأكثر احتمالًا (حزب العمال وفق استطلاعات الرأي)؛ لهزيمة مرشح المحافظين، لذلك لا نستبعد هذا السلوك من الناخبين، تحديدًا الناخبين المتعاطفين مع حزب العمال في جنوب غرب إنجلترا، بدعم الديمقراطيين الليبراليين لإعارة الأصوات لحزب العمال في ميدلاند وشمال إنجلترا، لكن استخدام الناخبين للتصويت التكتيكي، سيصيب المحافظين بالقلق إزاء مقاعدهم الآمنة.
(*) إقبال الناخبين على انتخاب حزب العمال دون المحافظين: أشارت هزيمة المحافظين في الانتخابات المحلية، مايو الماضي، إلى ضعف إقبال الناخبين على انتخابه بل المضي قدمًا لانتخاب حزب العمال، وتشير استطلاعات الرأي التي أُجريت عقب الانتخابات المحلية إلى أن حزب المحافظين يتخلف كثيرًا عن حزب العمال المُعارض، كما أن سوناك يستقطب فئة كبار السن، لكن يبدو أن الناخبين يحبذون حزب العمال آملين الخلاص من الوضع البريطاني المضطرب.
يتضح من الرسم البياني أعلاه، مدى تراجع الدعم لحزب المحافظين، في مقابل ارتفاعه لحزب العمال منذ يناير 2020، إذ حصل حزب العمال على 44.2%، وحزب المحافظين على 23.7%، وحزب الإصلاح 11.2%، والديمقراطيون الليبراليون 9.4%، والخضر 6.0%، والحزب الوطني الأسكتلندي على 2.8%. وبالتالي فإن سوناك يلقى تراجعًا شعبيًا كبيرًا وحصة تصويت منخفضة لحزبه بفارق 12 نقطة مقابل حزب العمال.
إجمالًا، يمكن القول إن ما يواجهه حزب المحافظين من تراجع ملحوظ سيؤثر على نتاجه في الانتخابات المقبلة. وعلى ما سبق يمكن التأكيد على مسارين أحدهما فوز حزب العمال بأغلبية ساحقة، والآخر فوز حزب العمال أيضًا لكن بفارق ضئيل ما يجعل الحزب في حاجة إلى ائتلاف مع الديمقراطيين الليبراليين.