في قلب الصراع الدائر بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، كشفت تقارير صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن كوارث إنسانية فظيعة ألحقت أضرارًا جسيمة بالمدنيين الأبرياء، لتتحول مخيمات اللاجئين إلى ساحات للموت والدمار، فيما يسرد الناجون مآسي ما عاشوه من فقدان لأحبائهم ودمار لأحلامهم في لحظات مرعبة لا يمكن تصورها.
في ليلة أحد ظلماء، اهتزت أرض مخيم السلام الكويتي في مدينة رفح الفلسطينية بانفجارات هائلة، حسبما ذكرت الصحيفة البريطانية، حيث انتشرت النيران بسرعة خاطفة في الخيام المؤقتة التي تؤوي النازحين.
ووصف زهير، المحامي ذو الـ36 عامًا، لحظات الرعب قائلًا: "شاهدت جثثًا في كل مكان، وأطفالًا محترقين، ورؤوسًا منفصلة عن الأجساد، والجرحى يركضون مصابين بآلام فظيعة".
محاولات يائسة
في غمرة هذا الدمار، حاول السكان المحليون إنقاذ ما يمكن إنقاذه بأيديهم العارية، وفقًا لما نقلته الجارديان، حيث قام شريف آغا بتقديم الإسعافات الأولية للجرحى ونقلهم في سيارات صغيرة متجهًا نحو المستشفيات القريبة.
وقال آغا للصحيفة البريطانية: "سمعت امرأة تستغيث طالبة النجدة لإنقاذ أختها، وعندما اقتربت من خيمتهم، وجدتها مصابة بجروح خطيرة في قدمها، بينما كانت والدتهما ملقاة جثة هامدة بجانبهما".
هرع آغا لمساعدة الجرحى، دون أن يدرك أن زوجة أخيه استُشهدت في خيمتهم، التي كانت على بعد 70 مترًا فقط من مكان سقوط الصواريخ، بعد أن اخترقت شظية رئتيها وقلبها، مما أدى إلى استشهادها على الفور.
وأضاف: "إنها (زوجة أخيه) لم تؤذ أحدًا قط".
وكان "آغا" مشغولاً بابن أخيه الذي أصيب في العدوان أيضًا، ولم يحص عدد القتلى، لكنه يعتقد أنه رأى ما يقرب من 20 جثة، كثير منهم من النساء والأطفال.
ويزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه كان يستهدف المسلحين، لكن هذا ليس ذريعة لضرب منطقة مليئة بالخيام والنازحين، حسبما أكدت الصحيفة البريطانية.
وكان الاستهداف على حافة صفوف من الخيام التي أقامتها الكويت في وقت سابق من هذا العام لإيواء النازحين، وكان المخيم خارج "المنطقة الإنسانية" التي أعلنت عنها إسرائيل في أوائل مايو، عندما شنّت العملية في رفح.
ولم تكن هذه المنطقة مشمولة بأوامر إخلاء محددة أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمكالمات الهاتفية والمنشورات مع دخول القوات، وهو ما يفسر اعتقاد النازحين بأنهم يعيشون في "منطقة آمنة".
وقال آغا: "سقط الصاروخ بالقرب من نقطة طبية محاطة بالكثير من الخيام، في منطقة يسكنها أكثر من 4000 شخص".
من المحتمل أن تكون الهجمات ناجمة عن صواريخ GBU-39 أمريكية الصنع، والتي تبلغ حمولتها المتفجرة نحو 17 كيلوجرامًا، حسبما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في التحقيقات التي نظرت في بقايا الصواريخ التي تم تصويرها في الموقع.
ويتطابق هذا مع ادعاءات الجيش الإسرائيلي بشأن كمية المتفجرات التي تم استخدامها، يبلغ وزن قنابل GBU بشكل عام 110 كيلوجرامات، بما في ذلك الغلاف المعدني الذي يمكن أن يتحول جزئيًا إلى شظايا ليخترق 3 أمتار من الخرسانة.
عائلات مُشتتة
وفي هذا الجحيم، تكبدت عائلة فدا الدين أبو جراد، البالغ من العمر 40 عامًا، خسائر فادحة لا يمكن تعويضها، كما ذكرت صحيفة "ذا جارديان"، إذ فقد ابنته البالغة 18 عامًا نويرة، إضافة إلى شقيقيه أبو إسماعيل، الذين لقوا حتفهم جراء القصف العنيف الذي استهدفهم.
يقول أبو جراد باكيًا لـ"ذا جارديان": "لم أستوعب بعد ما حدث لي، فعندما أزلت الخيمة، تذكرت بداية العملية العسكرية في رفح الفلسطينية، وفي ذلك الوقت اقترحت على إخوتي الانتقال لكنهم رفضوا متسائلين عما كنت أخشاه.. أخبرتهم أنني لا أخاف على نفسي فحسب، بل أخشى فقدان أي من أفراد عائلتي، والآن حدث ما كنت أخشاه فقدت الكثير منهم".
صراع لا ينتهي
على الرغم من الانتقادات الدولية الشديدة الموجهة لإسرائيل، أكد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي، أن القتال سيستمر على الأقل حتى نهاية عام 2024، في إشارة واضحة إلى أن بلاده ستتجاهل الضغوط الدولية وتواصل عملياتها العسكرية، بحسب "ذا جارديان".
يأتي هذا فيما عبّر الفلسطينيون الناجون من الهجمات الأخيرة عن يأسهم الشديد، قائلين: "لقد سلبونا كل شيء، ماذا يريدون منا بعد ذلك؟"
دعوات لوقف الحرب
أمام هذه الكارثة الإنسانية المستمرة، تتصاعد الدعوات الدولية من أجل وقف فوري للعمليات العسكرية وإنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وحثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الأطراف المتحاربة على احترام القانون الدولي الإنساني، وضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات العاجلة لهم، كما طلبت منظمات حقوق الإنسان من إسرائيل التوقف عن استهدافها للمناطق المأهولة بالسكان، وإجراء تحقيق شامل في الهجمات الأخيرة التي أودت بأرواح المدنيين.