لفت تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية إلى أنه في السنوات الأربع التي تلت اندلاع الاحتجاجات الحاشدة في الولايات المتحدة على مقتل المواطن ذي الأصل الإفريقي جورج فلويد، قامت المدن في جميع أنحاء البلاد بتسوية أكثر من 130 دعوى قضائية تتعلق بسوء سلوك الشرطة.
وأشار التقرير إلى أن الشرطة قامت بدفع تعويضات بلغ مجموعها نحو 150 مليون دولار للمتظاهرين، والصحفيين، والمراقبين القانونيين، وفقًا لتحليل الدعاوى القضائية الذي نُشر هذا الأسبوع.
كما فرضت التسويات الباهظة عددًا كبيرًا من الإصلاحات، بما في ذلك القيود على استخدام ما يسمى بالأسلحة "الأقل فتكًا".
ويشير التقرير إلى أن نتائج الدعاوى القضائية مجتمعة، تدحض بشكل أساسي الرواية القائلة إن الاحتجاجات كانت عنيفة، وتؤكد أن رد فعل الشرطة هو الذي خرق القوانين وانتهك الحقوق.
ونقلت الصحيفة عن سو أودري، المديرة التنفيذية لمجموعة الدفاع عن الحقوق والمعارضة، وكاتبة التحليل: "بعد مراجعة العديد من الدعاوى القضائية، ظهرت قصة متسقة: لم يكن لدى رجال الشرطة أي اهتمام باحترام حقوق المتظاهرين بموجب التعديل الأول".
وأضافت: "لقد فازت الدعاوى القضائية الأكثر نجاحًا بتعويض الأفراد وفرض قيود جديدة كبيرة على الشرطة، لكنها مجزأة، ولا تشكل بديلًا للتغيير المنهجي".
تعويضات مليونية
في 25 مايو 2020، تم تصوير مقتل فلويد على يد أفراد الشرطة في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، ما دفع ملايين الأشخاص إلى النزول للشوارع في جميع أنحاء البلاد، في احتجاجات أدت إلى اعتقال نحو 17 ألف شخص في الأسبوعين الأولين فقط.
كما أدت الواقعة، أيضًا، إلى محاكمة جنائية نادرة لضابط شرطة يقضي حكمًا بالسجن لمدة 21 عامًا في سجن فيدرالي، إلى جانب عقوبة متزامنة في الولاية.
وبينما كانت الغالبية العظمى من الاحتجاجات سلمية، ردت الشرطة الأمريكية باستخدام معدات مكافحة الشغب، وقمع المتظاهرين، وإجراء اعتقالات جماعية بسبب جرائم غير عنيفة مثل انتهاكات حظر التجول.
وفي كثير من الأحيان، أطلق الشرطيون أسلحة أقل فتكًا على الحشود، ما أدى في عدة مواقف إلى إصابات دائمة.
ويتتبع التحليل نتائج الدعاوى القضائية المرفوعة ردًا على إجراءات الشرطة في 40 مدينة و25 ولاية، لكنه لا يشمل العديد من القضايا التي لا تزال معلقة.
وتتعارض التسويات، إضافة إلى عدد قليل من أحكام هيئة المحلفين في القضايا النادرة التي تم عرضها على المحاكمة، مع الرواية التي روّجت لها إدارة ترامب في ذلك الوقت، التي وصفت المظاهرات بـ"أعمال الشغب" والمتظاهرين بـ"الإرهابيين".
وبدلًا من ذلك، يظهر التحليل أن الشرطة -في كثير من الأحيان- هي التي صعّدت التوترات، وانتهكت حقوق المتظاهرين.
وأدت هذه الانتهاكات إلى بعض أكبر التسويات النقدية بشأن سوء سلوك الشرطة، بما في ذلك ملايين الدولارات لمئات ممن تعرضوا للاعتقالات العشوائية والعنف في احتجاجات مختلفة في مدينة نيويورك، إضافة إلى دفع 9.25 مليون دولار للمتظاهرين المحاصرين على الطريق السريع في فيلادلفيا.
وفي دنفر، منحت هيئة محلفين فيدرالية مبلغ 14 مليون دولار لـ12 شخصًا أطلقت الشرطة عليهم مقذوفات من مسافة قريبة.
وفي سياتل، حصل 48 متظاهرًا، من بينهم امرأة أصيبت بسكتة قلبية بعد أن ضربتها الشرطة بـ"كرة متفجرة"، على تسوية بقيمة 10 ملايين دولار.
كانت القوة المفرطة واستخدام الأسلحة الأقل فتكًا من بين الادعاءات الأكثر شيوعًا في الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الشرطة، وفقًا لمؤلفي التحليل، تليها اتهامات بالاعتقال الباطل، واستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات والغلايات.
كما تمت تسوية أكثر من اثنتي عشرة دعوى قضائية أدت إلى دفع مبالغ مالية تتعلق بسوء سلوك الشرطة ضد الصحفيين، بما في ذلك ثلاث قضايا اتهمتهم بكسر أو مصادرة المعدات.
ندرة العواقب
مع بعض الاستثناءات، مثل حالة أحد المتظاهرين في لوس أنجلوس الذي نجح في الحصول على تعويضات من الضابط الذي أطلق عليه رصاصة مطاطية في وجهه، فإن العواقب المترتبة على الضباط الأفراد نادرة، حيث إنهم عادة ما يكونون محميين من المسؤولية بموجب الحصانة.
ويشير التقرير إلى أنه بالإضافة إلى المطالبة بتعويض الضحايا، كانت العديد من التسويات بمثابة حافز للإصلاحات.
كما أجبرت بعض المدن على فرض تدابير الشفافية، مثل مطالبة الشرطة بتشغيل الكاميرات المثبتة على ملابسهم، وعرض أرقام شاراتهم، والقيود على استخدام الأسلحة الأقل فتكًا، وتغييرات في القواعد المحلية التي قيدت الحق في الاحتجاج بشكل غير مبرر.
وفي بعض الأحيان، طلب المتظاهرون إجراءات رمزية وحصلوا عليها، مثل اعتذار علني من ضابط شرطة بورتلاند المتهم بالاعتداء على مصور، أو طلب بأن تتراجع مدينة ريتشموند عن مزاعمها بأن المتظاهرين كانوا عنيفين.
وفي مدينة نيويورك، أدت مجموعة من الدعاوى القضائية المرفوعة ردًا على احتجاجات فلويد إلى إجراء إصلاحات مهمة، بما في ذلك نظام استجابة جديد يهدف إلى نشر عدد أقل من الضباط في الاحتجاجات وإعطاء الأولوية لخفض التصعيد.
لكن مع موجة جديدة من الاحتجاجات، هذه المرة بسبب الحرب الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على غزة، التي قوبلت مرة أخرى بقمع الشرطة، يخشى المؤيدون أن تلجأ الشرطة إلى أساليبها القديمة.