مع تكثيف الهجمات المتبادلة، وبعيدًا عن سقوط عشرات الضحايا يوميًا بالأسلحة التقليدية، تشهد ساحة الحرب الروسية الأوكرانية منافسة عالية التقنية في السماء؛ حيث تحلق الطائرات المسيّرة ذاتية التحكم نحو خط المواجهة، بينما تراقب الدول الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمر.
وبين المتنافسين، ظهرت شركة تقنيات أوكرانية تدعى "سوارمر"، التي أعلنت عن نجاحات أولية في اختبار الطائرات المسيّرة وغيرها من المركبات القادرة على تنفيذ أجزاء من مهمتها بمفردها في ساحة المعركة.
ومن خلال السماح لطيار واحد بالتحكم في عدة طائرات مسيّرة، تهدف الشركة إلى تخفيف النقص في القدرات البشرية، الذي وضع القوات المسلحة الأوكرانية في موقف دفاعي خلال الأسابيع الأخيرة.
وباستخدام الذكاء الاصطناعي، تتفاعل المسيّرات الجديدة مع الظروف المتغيرة، وتتواصل مع بعضها البعض لتنسيق طلعة جوية. وفق ما ذكرت صحيفة "بوليتيكو".
ونقلت الصحيفة عن مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي قوله: "يمكن للطائرات المسيّرة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تفعل في ثوانٍ ما قد يستغرقه الإنسان عدة ساعات، وذلك ببساطة لأننا بطيئون في معالجة كمية كبيرة من المعلومات".
وأضاف أن فكرة إطلاق سرب فعالة للغاية "لأن طيارًا واحدًا من ذوي الخبرة يمكنه العمل بفعالية مع عشرات الطائرات المسيّرة في الوقت نفسه"؛ لافتًا إلى أن "قرار مهاجمة الهدف سيتخذه الإنسان دائمًا".
مسيّرات الذكاء الاصطناعي
يشير التقرير إلى أن أوكرانيا تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي للحفاظ على تفوقها في الطائرات المسيّرة، باعتبار التكنولوجيا هي العمود الفقري لرد كييف منذ اللحظة الأولى التي عبّرت فيها الدبابات الروسية حدودها في فبراير 2022.
وتم الاعتراف رسميًا بالدور المحوري للتقنيات الجديدة في فبراير الماضي، عندما أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فرعًا جديدًا من الجيش، وهو قوات الأنظمة غير المأهولة، المخصصة بالكامل للعمل مع الطائرات المسيّرة الجوية والبرية والبحرية.
وبعد أيام، أعلنت حكومته أن "أوكرانيا تسير على الطريق الصحيح لتصنيع أكثر من مليون طائرة المسيّرة بحلول نهاية عام 2024".
وتقوم الطائرات المسيّرة بمسح الأرض لتحديد الأهداف بدقة وتوفير الذخيرة، وإسقاط القنابل اليدوية، أو مهاجمة المركبات والعتاد والقوات الروسية بأسلوب التفجيرات الانتحارية. وفي المقابل، اعتمدت روسيا أيضًا بشكل كبير على الطائرات المسيّرة، سواء المستوردة من الحلفاء أو المنتجة محليًا.
وقال نائب وزير التحول الرقمي الأوكراني أليكس بورنياكوف لصحيفة "بوليتيكو" إن الطائرات المسيّرة وسعت المنطقة العازلة بين المقاتلين الأوكرانيين والروس من بضعة كيلومترات إلى ما يصل إلى 20 كيلومترًا.
وقال: "أي شيء تضعه في هذه المنطقة الرمادية يمكن تدميره بطائرات المسيّرة".
وقال تورستن ريل، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "هيلسينج" الأوروبية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، التي تعمل مع الحكومة الأوكرانية، إنه حتى لو كان تدفق الذخيرة الأمريكية -المعلن عنه أخيرًا- يساعد أوكرانيا على تنويع نهجها، فإن الطائرات المسيّرة لن تختفي.
وقال: "بمجرد توفر مدفعية إضافية مرة أخرى، سيستخدم الأوكرانيون المسيّرات بشكل أقل. لكن رغم هذا، سنشهد تطويرًا للمسيّرات من شأنها أن تكمل عمل المدفعية".
التحدي الروسي
التحدي الذي يواجه أوكرانيا هو أن روسيا أدركت القوة التدميرية لهذه التكنولوجيا وتحولت إلى الحرب الإلكترونية، حيث نشرت مركبات مغطاة بهوائيات الأطباق للتشويش على ترددات الراديو التي يعتمد عليها طيارو الطائرات المسيّرة الأوكرانيون.
وقال ريل: "تمتلك روسيا محطات تشويش كل 10 كيلومترات على خط المواجهة. لذا، فإن النهج الأوكراني الناجح سابقًا القائم على الطائرات المسيّرة لم يعد يعمل كما كان من قبل".
هكذا، إضافة إلى عزل الطائرات المسيّرة عن طياريها، يمكن أن يتداخل التشويش مع أنظمة الملاحة مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
والأسوأ بالنسبة لكييف، أن التكنولوجيا الروسية يمكنها تحديد موقع طياري الطائرات المسيّرة -الذين يحتاجون في كثير من الحالات إلى البقاء على مرمى البصر من مركباتهم- ووضع علامات عليها لتوجيه ضربات المدفعية.
وقد ساهمت المخاوف بشأن التشويش وأنواع أخرى من الحرب الإلكترونية في إحجام واشنطن عن تزويد كييف بطائرات تجسس المسيّرة أمريكية الصنع من طراز "ريبر".
وفي محاولة للحفاظ على تفوقها، أطلقت أوكرانيا جهدًا لإعادة تصميم نفسها كمسرع تكنولوجي في مجال حرب الطائرات المسيّرة، والعمل مع الشركات المحلية والغربية لتطوير التدابير المضادة واختبارها ونشرها في ساحة المعركة.
وهناك برنامج حكومي أوكراني يسمى Brave1، وهو مشروع مشترك يضم ست وزارات، على غرار وحدة الابتكار الدفاعي الأمريكية.
وبعد مرور عام تقريبًا على إطلاقه، تمت الموافقة على استخدام نحو 700 اختراع من خلال برنامج Brave1 من قِبل القوات المسلحة الأوكرانية، منها نحو 40 نجحت بالفعل.
أمّا الأولوية القصوى للبرنامج فهي الأنظمة غير المأهولة. ونظرًا للتشويش الروسي، فإن تحقيق هذا الهدف غالبًا ما يتلخص في شيء واحد: الذكاء الاصطناعي، واستخدام كميات هائلة من البيانات -الصور والنصوص والصوت والفيديو وإشارات الراديو- لتعليم الطائرات المسيّرة التصرف بمفردها.
وتستخدم طائرات الاستطلاع المسيّرة تقنية التعرف على الصور للتخلص من نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أو تحديد الأهداف العسكرية المموهة وتحديدها.
أيضًا، يمكن تدريب مسيّرات الكاميكازي المتفجرة على المضي قدمًا حتى لو فقدت الاتصال مع طياريها.