يومٌ بعد يومٍ، يضيق الخناق حول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أصبح محاصرًا باتهامات الفساد والفشل السياسي داخل إسرائيل، وارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق ما جاء في إعلان مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، والذي طلب إصدار أوامر اعتقال بحقه ووزير الدفاع، يوآف جالانت.
7 جرائم حرب
وسرد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، سبع جرائم محددة منسوبة إلى نتنياهو وجالانت، هي "تجويع المدنيين كوسيلة للحرب كجريمة حرب؛ والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة بالجسم أو الصحة أو المعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب، والقتل غير العمد أو القتل باعتباره جريمة حرب".
وشملت الجرائم التي سردها خان "تعمد توجيه الهجمات ضد السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب؛ والإبادة والقتل، بما في ذلك في ظروف الوفاة الناجمة عن المجاعة، كجريمة ضد الإنسانية؛ الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية؛ وغيرها من الأعمال اللاإنسانية".
وسيحال طلب "خان" إلى المحكمة التمهيدية التي ستقرر ما إذا كان هناك أساس كافٍ لإصدار أوامر الاعتقال، وبعد ذلك يمكن أيضًا الوصول إلى محكمة الاستئناف، وإذا وافق القضاة على أوامر الاعتقال، فيجب على جميع الدول الأعضاء في اتفاقية روما الـ124 دولة أن يتعاونوا مع أوامر الاعتقال.
ضغوط أهالي المحتجزين
ويأتي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بإصدار أمر اعتقال لنتنياهو، في وقت يتعرض رئيس حكومة الاحتلال لضغوط من أهالي المحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية في غزة، لوقف العدوان على القطاع، واستئناف مفاوضات الهدنة والتبادل.
ويواجه نتنياهو اتهامات من أهالي المحتجزين الإسرائيليين بعرقلة جهود إطلاق سراح ذويهم؛ لكي يظل متربعًا على كرسي الحكم. كما يواجه رئيس حكومة الاحتلال اتهامات من أعضاء مجلس الحرب، بسبب فشله في وضع "خطة اليوم التالي" بعد انتهاء الحرب على غزة. ويخضع نتنياهو لرغبة أعضاء اليمين المتطرف في حكومته، بمواصلة العدوان على غزة، واحتلال القطاع وبناء المستوطنات هناك بالمخالفة للقانون الدولي.
رهانات نتنياهو
ويلفت خبراء إلى أن نتنياهو في مواجهة طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بإصدار أمر اعتقال ضده، سيراهن على تيار اليمين المتطرف الذين يعتبرونه ضحية داخلية في إسرائيل، وأنه ملاحق من قبل النخب الإسرائيلية، والآن ملاحق أيضًا من العالم.
وسوف يستعمل رئيس حكومة الاحتلال الخطاب بأن "من يريد أن يسكت نتنياهو فكأنه يتماهى مع مذكرات الاعتقال"، وسيربط بين محاولة إسقاطه في إسرائيل والإطاحة به وبين مذكرات الاعتقال.
ويبرز تصعيد الحرب على غزة، والمضي قدمًا في اجتياح مدينة رفح الفلسطينية، رغم التحذيرات الدولية، خيارًا مفضلًا لنتنياهو، بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بإصدار أمر اعتقال ضده، وذلك من أجل التأكيد على أنه لا يخاف، وأنه مستعد أن يواجه أي ضغط دولي، وأي مذكرة اعتقال. ويعتقد مراقبون أن السبيل الوحيد أمام نتنياهو للبقاء هو استمرار الحرب على غزة، والوصول إلى قادة حماس الكبار وإعادة المحتجزين؛ لرسم صورة تُوحي بالنصر، أو نقل تلك الحرب إلى جبهة أخرى، رغم الفاتورة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الباهظة، وإلا ستسقط حكومته بفعل انسحاب اليمين المتطرف منها.
وتواجه الحكومة الإسرائيلية في المجمل اتهامات داخلية لا تتوقف بفشلها في تحقيق أهداف الحرب على غزة، وعجزها عن إعادة المحتجزين، وحرصها على إطالة أَمَد الحرب لإنقاذ مستقبل نتنياهو. تلك الحكومة تصطدم بموجة احتجاجات لا تتوقف من قِبل عائلات المحتجزين ومتضامنين، وتعجز عن حل أزمة عشرات الآلاف من النازحين من المستوطنات الشمالية والجنوبية، ولا يكف المراقبون عن اتهامها بالفشل والعجز أو جلب الخراب على إسرائيل وتدمير اقتصادها وصورتها أمام المجتمع الدولي وعلاقاتها مع واشنطن. وعكست العديد من استطلاعات الرأي التي أُجريت في إسرائيل في الشهور والأسابيع الأخيرة استمرار تدني شعبية نتنياهو وحزب "الليكود"، لصالح منافسه الأقرب، بيني جانتس.
اتهامات الفساد
ويسعى نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب على غزة، لتعطيل محاكمته في تهم تتعلق بالفساد، ويمكن أن تزج به في السجن. ويُتهم نتنياهو، بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وتشمل المحاكمة ثلاث قضايا، أولاها قضية "بيزك" أو الملف "4000" التي تقول المحكمة فيها إنه حاول الحصول على تغطية إيجابية في الموقع الإلكتروني "والا". وفي المقابل، يشتبه بأنه وفّر امتيازات حكومية درت ملايين الدولارات على شاؤول ايلوفيتش، رئيس مجموعة "بيزك للاتصالات" وموقع "والا" المقرب منه.
أما القضية الثانية، "ميدياجيت أو الملف "2000"، فيقول المحققون إن نتنياهو حاول التوصل إلى اتفاق مع الناشر أرنون موزيس مالك صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكثر الصحف انتشارًا في الدولة العبرية، للحصول على تغطية إيجابية له.
والقضية الثالثة المعروفة بـ"الملف 1000"، فتتعلق بأنواع فاخرة من السيجار وزجاجات شمبانيا ومجوهرات. ويريد المحققون أن يعرفوا ما إذا كان نتنياهو وأفراد من عائلته تلقوا هدايا تتجاوز قيمتها 700 ألف شيكل (240 ألف دولار)، من أثرياء، بينهم المنتج الإسرائيلي في هوليوود أرنون ميلتشان، والملياردير الأسترالي جيمس باكر، لقاء امتيازات مالية شخصية.