بعد أكثر من عقد من الزمن، قد تنتهي في المملكة المتحدة، اليوم الاثنين، واحدة من أكبر قضايا تسريب المعلومات في التاريخ الحديث، حيث يُواجه مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج، ما قد يكون آخر جلسة استماع له في محكمة إنجليزية، والتي ستقضي بشأن ما إذا كان ينبغي تسليمه إلى الولايات المتحدة لمواجهة اتهامات بالتجسس.
ويُواجه "أسانج" جلسة استماع في المحكمة العليا في لندن، قد تنتهي بإرساله إلى الولايات المتحدة لمواجهة تهم التجسس، أو منحه فرصة أخرى لاستئناف تسليمه.
وستعتمد النتيجة على مدى الثقل الذي يعطيه القضاة للتطمينات التي قدمها المسؤولون الأمريكيون بأن حقوق أسانج لن تمس إذا تمت محاكمته.
تسريبات "ويكيليكس"
كانت الولايات المتحدة قد وجهت لأسانج -52 عامًا- وهو خبير كمبيوتر أسترالي، 18 تهمة تتعلق بنشر موقعه "ويكيليكس" لمئات الآلاف من الوثائق السرية في عام 2010.
وقال ممثلو الادعاء إنه تآمر مع محللة استخبارات الجيش الأمريكي تشيلسي مانينج، لاختراق جهاز كمبيوتر في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، حيث قام بنشر برقيات دبلوماسية سرية، وملفات عسكرية حول الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
ويواجه أسانج 17 تهمة تجسس وتهمة واحدة تتعلق بإساءة استخدام الكمبيوتر.
ويقول محاموه إنه في حالة إدانته قد يحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى 175 عامًا، على الرغم من أن السلطات الأمريكية قالت إن أي عقوبة من المرجح أن تكون أقل من ذلك بكثير. كما أشارت شبكة ABC الأمريكية.
ويقول أسانج وأنصاره إنه "تصرف كصحفي" لفضح الأخطاء العسكرية الأمريكية، وأنه يُعد محميًا بموجب حرية الصحافة، التي يكفلها التعديل الأول للدستور الأمريكي.
ومن بين الملفات التي نشرها "ويكيليكس" مقطع فيديو لهجوم بطائرة هليكوبتر من طراز "أباتشي" عام 2007 شنته القوات الأمريكية في بغداد، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا، من بينهم صحفيان من "رويترز".
ودفاعًا عن زوجها، قالت ستيلا أسانج: "تم اتهام جوليان بتلقي وحيازة ونقل معلومات إلى الجمهور حول أدلة على جرائم حرب ارتكبتها الحكومة الأمريكية. إن الإبلاغ عن جريمة ليس جريمة على الإطلاق."
فيما أشار قانونيون أمريكيون إلى أن أسانج أذنب بمحاولة اختراق كمبيوتر البنتاجون، وإن منشورات ويكيليكس "خلقت خطرًا جسيمًا ووشيكًا" على مصادر المخابرات الأمريكية في أفغانستان والعراق.
معركة التسليم
في حين لم يتم الكشف عن القضية الجنائية الأمريكية ضد أسانج إلا في عام 2019، إلا أن حريته مقيدة منذ اثنتي عشرة سنة.
فقد لجأ مؤسس "ويكيليكس" إلى سفارة الإكوادور في لندن عام 2012، وحصل هناك على حق اللجوء السياسي، بعد أن قضت محاكم في إنجلترا بوجوب تسليمه إلى السويد، كجزء من التحقيق في قضية اغتصاب.
واعتقلته الشرطة البريطانية، بعد أن سحبت حكومة الإكوادور وضع اللجوء الخاص به في عام 2019، ثم سُجن بسبب "تخطي الكفالة"، عندما لجأ لأول مرة داخل السفارة.
وعلى الرغم من أن السويد أسقطت تحقيقاتها في نهاية المطاف؛ بسبب انقضاء وقت طويل، إلا أن أسانج بقي في سجن "بيلمارش" شديد الحراسة في لندن، بينما تواصلت معركة تسليمه مع الولايات المتحدة.
في البداية، منع قاضٍ في لندن نقل أسانج إلى الولايات المتحدة في عام 2021، على أساس أنه من المحتمل أن يقتل نفسه إذا احتُجز في ظروف سجن أمريكية قاسية.
لكن قضاة آخرين مهدوا الطريق لهذه الخطوة، بعد أن قدمت السُلطات الأمريكية تأكيدات بأنه لن يتعرض للمعاملة القاسية التي قال محاموه إنها ستعرض صحته الجسدية والعقلية للخطر.
محاولات أخيرة
عندما سمحت الحكومة البريطانية بتسليم أسانج لواشنطن في عام 2022، قدم محاموه تسعة أسباب للاستئناف في جلسة استماع، بما في ذلك الادعاء بأن محاكمته سياسية.
وبالفعل، قبلت المحكمة ثلاثًا من حججه، وأصدرت حكمًا مؤقتًا ينص على أن أسانج يمكنه رفع قضيته إلى محكمة الاستئناف، ما لم تضمن الولايات المتحدة أنه لن يواجه عقوبة الإعدام إذا تم تسليمه، وأنه سيحصل على نفس حماية حرية التعبير التي يتمتع بها مواطنو الولايات المتحدة.
وقدمت الولايات المتحدة تلك التطمينات بعد ثلاثة أسابيع، على الرغم من تشكيك مؤيديه. بينما قالت ستيلا أسانج إن ما يسمى بالضمانات هي في الحقيقة "كلمات مراوغة".
نقلت ABC عن رئيسة تحرير "ويكيليكس" كريستين هرافنسون إن القضاة سألوا عمّا إذا كان بإمكان أسانج الاعتماد على حماية التعديل الأول.
وقالت: "القرار العقلاني الوحيد يوم الاثنين، هو أن يخرج القضاة ويقولون: هذا ليس جيدًا بما فيه الكفاية. وإلا فهي فضيحة قضائية".
وأشارت الشبكة الأمريكية إلى أنه "إذا فاز أسانج فإن ذلك سيمهد الطريق أمام عملية استئناف من المرجح أن تطيل أمد القضية". وإذا تم رفض الاستئناف، يخطط فريقه القانوني لمطالبة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالتدخل.
وإذا خسر في المحكمة، فلا تزال أمامه فرصة أخرى للحصول على الحرية، حيث قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الشهر الماضي، إنه يدرس طلبًا من أستراليا لإسقاط القضية، والسماح لأسانج بالعودة إلى وطنه.