بدأ النازحون في شرق رفح الفلسطينية رحلة جديدة "محفوفة بالمخاطر" من النزوح القسري، الذي يفرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي، على سكان غزة، منذ بدء العدوان على القطاع 7 أكتوبر الماضي.
وفي وقتٍ سابقٍ أمس الاثنين، دعا جيش الاحتلال ما يقدر بنحو 100 ألف فلسطيني يعيشون في شرق رفح إلى "الإجلاء الفوري"، وطلب منهم الانتقال إلى المواصي، وهي بلدة ساحلية بالقرب من مدينة خان يونس، والتي تقول جماعات الإغاثة إنها غير مناسبة للسكن.
وأسقط جيش الاحتلال منشورات على منطقة شرق رفح، يطالب السكان هناك بالنزوح إلى ما يسميها "المنطقة الآمنة" في المواصي، وعليه انطلق الآلاف في رحلة متوقفة عبر شوارع مزدحمة ومليئة بالركام ومخيمات مترامية الأطراف، وفق وصف صحيفة "الجارديان" البريطانية.
مشاهد النزوح المأساوية
ورصدت الصحيفة في تقرير لها، مشاهد النزوح المأساوية من شرق رفح، عشرات المئات يسيرون على الأقدام، عبر الحفر المليئة بالأمطار أو جلسوا على ممتلكاتهم المجمعة على عربات متهالكة، وكانت وجهتهم هي المنطقة الساحلية على بعد حوالي ثلاثة أميال والتي تم تحديدها، وفقًا للمنشورات التي أسقطها جيش الاحتلال، كمنطقة آمنة.
ووصف النازحون خوفهم ويأسهم من اقتلاعهم من منازلهم وملاجئهم، ومنهم محمد غانم، أحد سكان شرق رفح، الذي قال لمراسل شبكة "سى. إن. إن" الإخبارية الأمريكية: "لقد غادرنا لأنهم وزعوا منشورات، يقصد جيش الاحتلال، هم يضربون في كل مكان دون التفريق بين أطفال أو بالغين أو متشددين أو غير متشددين". وأضاف: "لقد تركت منزلي الذي كنت أبنيه منذ 17 عامًا".
وكان غانم وزوجته يدفعان عربات الأطفال المكدسة بالأمتعة، وقال: "لم يعد لدينا منزل. نحن نتجه إلى المواصي؛ لأنه لا يوجد أمان مع الإسرائيليين. إنهم يقتلون النساء والأطفال".
وقالت امرأة أخرى من شرق رفح: "أرسل لنا الإسرائيليون رسائل تأمرنا بالمغادرة. لا يمكننا البقاء."
وأظهرت مقاطع فيديو وصور من شرق رفح شاحنات مليئة بممتلكات الأشخاص وهي تسير في الشوارع، وشوهد الأطفال يجلسون بين خزانات الوقود والأكياس البلاستيكية المملوءة بالمقتنيات.
ونقلت "سي إن إن" عن فيصل بربخ، الذي فرّ على دراجته، إنه يترك خلفه ذكريات العمر، وأضاف: "سأغادر إلى المجهول".
وكان العديد ممن يغادرون شرق رفح قد نزحوا في السابق عدة مرات، بناءً على أوامر إجلاء سابقة أصدرها جيش الاحتلال.
وقال أحد النازحين من شرق رفح: "هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها تهجيري، من النصيرات إلى خان يونس، ثم إلى رفح، والآن واحدة أخرى. لا أعرف إلى أين أتجه".
ومنذ بدء العدوان على غزة، استشهد أكثر من 34600 شخص، ودفع جيش الاحتلال أكثر من مليون فلسطيني إلى البحث عن ملجأ في رفح الفلسطينية.
وفي الأشهر الأخيرة، أدت الضربات الإسرائيلية إلى زيادة تدهور أوضاع أولئك الذين يعيشون ويأوون إلى المدينة، بما في ذلك ما يقدر بنحو 600,000 طفل. وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن سوء التغذية ينتشر بسرعة، وأصبحت المرافق الطبية "غير فعالة بسبب الحصار الإسرائيلي".
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" إن "رفح أصبحت الآن مدينة للأطفال الذين ليس لديهم مكان أمن يذهبون إليه في غزة". وأضافت أن التوغل البري الإسرائيلي "سيشكل مخاطر كارثية" على الأشخاص المصابين والمرضى وسوء التغذية والمصابين بصدمات نفسية والذين ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه.
وكان الصبيان، مالك ويوسف، يشقان طريقهما الخاص في رفح على دراجات هوائية أمس الاثنين، متشبثين بحقائبهما. وقال أحدهما: "نحن نهرب من الإسرائيليين. لقد حذرونا وأمرونا بإجلاء المنطقة الشرقية. لدي ملابسي وطعامي في الحقيبة".
المواصي غير مناسبة للسكن
وقام جيش الاحتلال بتوجيه سكان شرق رفح بالنزوح إلى المواصي، المكتظة بالفعل بالنازحين، حيث بدا بعض الوافدين الجدد مرتبكين ومشوشين. وكانت الشوارع مكتظة بالشاحنات والعربات التي تجرها الحمير، وتحيط بها أكوام ضخمة من القمامة.
وحذرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أن المواصي غير مناسبة للسكن. وقال سكوت أندرسون، مدير شؤون الأونروا في غزة: "إن هذا المكان ليس مناسبًا تمامًا للناس لإقامة الخيام أو الجلوس ومحاولة العيش وتلبية احتياجاتهم الأساسية كل يوم".
وقال يان إيجلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، في بيانٍ، إن "أمر الإجلاء غير قانوني"، وأن "المواصي تتحمل بالفعل فوق طاقتها وتخلو من الخدمات الحيوية". وأضاف: "إنها تفتقر إلى القدرة على إيواء عدد الأشخاص الذين يبحثون حاليًا عن ملجأ في رفح، مع عدم وجود ضمانات بالسلامة أو السكن المناسب أو العودة بمجرد انتهاء الأعمال العدائية لأولئك الذين أجبروا على الانتقال".
قصف مُكثف
وكثف جيش الاحتلال القصف على رفح الفلسطينية، لإجبار السكان على النزوح، وأدت الغارات الجوية الإسرائيلية، خلال الليل، إلى استشهاد 15 شخصًا، من بينهم طفل، وفقًا لمسؤولين في مستشفى في جنوب غزة، اليوم الثلاثاء.
وأسفرت الغارات التي وقعت في رفح الفلسطينية، في وقت متأخر من ليلة الأحد وحتى الساعات الأولى من صباح الاثنين، عن استشهاد 26 شخصًا على الأقل، وفقًا للدفاع المدني الفلسطيني.
وقال أبو صلاح، أحد سكان رفح، إنه غادر المدينة تحت نيران إسرائيلية كثيفة، وأضاف: "لا يوجد أمان. الأمان هو أن أكون في منزلي. هل يتنقل الأمان من مكان إلى آخر كالقطة مع أطفالها تستجدي قليلًا من الماء وقسيمة؟".
وقالت واحدة من النازحين: "إن المدنيين الفلسطينيين يقعون تحت رحمة جيش الاحتلال. يمكنهم أن يطلبوا منك أن تذهب إلى هنا ويقتلونك هنا، أو يقولون لك أن تذهب إلى هناك فيقتلونك هناك. إنهم لا يريدون الأمان لنا".
وقالت رقية يحيى بابا، 18 عامًا، التي نزحت مع أسرتها من بيت لاهيا إلى شرق رفح: "إن الليلة السابقة كانت مروعة ومخيفة. كان حيّنا يُمطر بالقنابل من الغسق حتى الفجر".
وقال عبدالله أبو هيش (45 عامًا) الذي كان يفر مع أسرته إلى منزل أحد أقاربه في الحي الغربي لرفح: "حذرنا جيش الاحتلال بضرورة إجلاء منطقتنا. سنحاول أخذ الأمتعة في أقرب وقت ممكن".
وقالت هناء صالح، 40 عامًا، التي نزحت بالفعل من تل الزعتر شمال غزة إلى رفح: "نحن خائفون جدًا لأنه ليس من السهل الانتقال من مكان إلى آخر، من نزوح إلى نزوح".
وكان العديد من السكان مترددين في الانتقال إلى منطقة المواصي المخصصة للمساعدات الإنسانية. وقال عبدالرحمن أبو جزر (36 عامًا) إنه وصل مع 12 من أفراد أسرته إلى المواصي ليجدوها مكتظة بالفعل.
ولا يستطيع الكثيرون في رفح نقل أقاربهم المسنين أو المرضى للغاية الذين قد لا يتمكنون من النجاة من الظروف القاسية في المواصي، وهي منطقة رملية لا تحتوي سوى على القليل من وسائل الراحة وتعرضت للقصف الإسرائيلي المتكرر، وفق "سي. إن. إن".