الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المهاجر جورج أبيض.. رائد تمصير المسرح

  • مشاركة :
post-title
جورج أبيض

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

لا يملك الشاب القادم من بيروت ثمن تذكرته، لكنه قرر الصعود إلى السفينة المتجهة لمصر حاملًا معه أحلامه، وترك وراءه وطنه وأهله وقرر أن يهاجر، إذ فاق على ربان السفينة يمسك به بعد أن خرجت من لبنان، وبمشاعر مرتبكة بين الحزن والأمل، يحكي له الشاب قصته ويخبره بأنه متعلّق بالفن ويبحث عن بصيص نور يعبر منه إلى أضواء الشهرة والمجد، يتعاطف معه "الربان"، ومقابل أن يعبر إلى الحياة التي تمناها طلب منه أن يمارس ما يحب ويسعد ركاب السفينة بعروض حتى يصلوا إلى الأرض المنشودة، فيستجيب الشاب وينطلق في رحلته التي صنع خلالها اسم "جورج أبيض" ودونه في كتب التاريخ والمسرح.

جورج أبيض المولود في مثل هذا اليوم عام 1880، لم تكن حياته مفروشة بالورود بل عانى كثيرًا هذا الشاب الذي لا يملك سوى دبلوم "التلغراف" - يتم الحصول عليه بعد دراسة مدتها من 15 إلى 18 شهرًا مسبوقة بالثانوية العامة - فبعد أن وضع قدمه في القاهرة فكر في كيفية توفير أموال من أجل السير وراء حلمه، منحته الشهادة أن يكون موظفًا في هيئة السكة الحديد، وبعد فترة استطاع أن يلتحق بنادي "سان مارك" ومن هنا كانت انطلاقته، بدأ في تقديم عروض مسرحية بالنادي وصادف أن القنصل الفرنسي تواجد في أحد العروض وأُعجب كثيرًا بما يقدمه، وهذا ما شجع "جورج" على الاستمرار في طريقة وتأكد أنه على الطريق الصحيح وأن مصر ستكون النور الذي يبحث عنه.

بعد نجاحات متعددة في الإسكندرية وخروجه بعيدًا عن جدران النادي لتقديم عرضه، انتقل إلى مدينة القاهرة، وبدأ يقدم ما يحب واستطاع في فترة وجيزة أن يستقطب مجموعة من الأسماء البارزة في المجتمع، حتى أصبح اسمه يتردد في الأوساط الثقافية، فحلم الشاب أن يحلق بطموحاته إلى السماء فدعا الخديوي عباس لمشاهدة أحد عروضه، والمفاجأة التي صادفته هي الموافقة، وإعجاب الخديوي بالعرض فيطلب منه أن يسافر للدراسة في فرنسا.

جورج أبيض

سافر "جورج" ليثقل موهبته الكبيرة بالعلم والثقافة والتحق بالكونسرفتوار ودرس التمثيل والإخراج والموسيقى، وحكت ابنته الوحيدة عن شدة ولع والدها بالمسرح من خلال مذكرات، قائلة: "كان هناك امتحان لقبول الطلاب في المعهد وصادف أن والدي حينما تقدم وبدأ بالحديث رفضه المخرج وأخبره أن صوته صعب لا يصلح للتمثيل"، لكن هل تلك الحجة ستضعف من عزم الشاب الذي ترك كل شيء وراءه من أجل حلمه؟، الإجابة كانت لا.. إذ ظل يراقب أداء الممثلين في المسرحية التي من المقرر أن يؤديها وذهب في العام التالي ونجح في الاختبارات.

وبعد 7 سنوات عاد "أبيض" إلى الأرض التي احتضنت موهبته لينقل ما تعلمه ويستمتع ويمتع أهلها بالمسرح الذي عشقه، وبدأ في تقديم عروض مسرحية على مسارح الإسكندرية والأوبرا بالقاهرة، وكان المبهر إتقانه للغة الفرنسية وتقديمه مسرحيات بنصوص صعبة، لكن كان عليه الانتشار لذلك قرر أن يقوم بتعريب المسرح ونشر الثقافة بين المشاهدين.

"فرقة جورج أبيض" 1912، هي التي انطلق من خلالها لتقديم المسرحيات المعربة بصحبة مجموعة من أصدقائه عزيز عيد وعبدالرحمن رشدي وأحمد فهيم ومحمد بهجت وخليل مطران، وقدموا مسرحيات شكسبير، وبعد أن ذاع صيت الفرقة انضم إليها الملحن سيد درويش، واستمر نجاحهم طويلًا وقدموا 130 مسرحيّة مترجمة ومؤلفة طوال 20 عامًا.

أسس "جورج أبيض" فرقة قومية في تونس، وأيضًا في مصر، وأصبح أحد أبرز نجومها، وانضم إليها حسين رياض ودولت أبيض التي تزوج منها، وزكي رستم ومحمود المليجي، وأصبح جورج أبيض رائد المسرح والتجديد، وأيضًا رائدًا في التمثيل السينمائي فهو أول من قدم فيلمًا عربيًا غنائيًا ناطقًا يحمل اسم "أنشودة الفؤاد".

وبعد مرور سنوات أُحيل للتقاعد عام 1942، لكن هذا لم يمنعه من ممارسة ما يحب ونقل خبراته إلى الأجيال الجديدة، وبعد عام من تقاعده انتخب أول نقيب للممثلين، وظل يدرس في معهد الفنون المسرحية إلى أن رحل في 25 مايو عام 1959، لكن ستظل سيرته وأعماله ومشواره درسًا لمن يبحث عن الأمل ويحب المسرح.

بعد رحيله أقيم تمثال باسمه في بهو المعهد، وتمثال آخر بالمسرح القومي، وسمي مسرح الأزبكية باسمه، وتم وضع صورته على طابع بريدي.