الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مارسيل خليفة.. عازف انتمى للصمت وعبرت عنه الموسيقى

  • مشاركة :
post-title
العازف اللبناني مارسيل خليفة

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

"مغنٍ له صوت دافئ وحميم، وشاعر بالفطرة يتذوق الشعر ويحوله إلى موسيقى".. هكذا وصف الشاعر الراحل محمود درويش صديقه العازف اللبناني مارسيل خليفة، هذا المبدع الذي استطاع أن يكون أحد أهم عازفي العود في العالم، انتمى إلى الصمت وحرص منذ صغره أن يجلس ويتأمل كل الأصوات حوله، ويستمتع بنسمة الهواء والعصافير والطبيعة والكون، وقرر أن تكون هذه الإيقاعات حوله هي المُعبّرة عن الحياة داخله، إذ قال: "الحياة مثل الموسيقى، تبدأ من الصمت وتذهب إلى الصمت".

مارسيل خليفة، ابن قرية عمشيت اللبنانية الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1950، كان بداخله منذ الصغر شيئًا يبحث عن الموسيقى التي ينتمى لها، يداعب بأنامله الصغيرة كل شيء حوله ليُخرَج منه صوتًا، يذهب إلى الكنيسة يستمع إلى التراتيل وينبهر بها، يذهب إلى البيت وفي ذاكرته الكثير، يريد أن يخرج إلى العالم حتى لاحظت والدته -التي رحلت عنه مبكرًا نتيجة إصابتها بالسرطان- أن بداخل طفلها موهبة يجب أن تنمو، ويحكي مارسيل عن ذلك قائلًا: "ذهبت والدتي إلى والدي وأخبرته أننا يجب أن نأت بآلة عزف لهذا الصبي، وبالفعل اشتروا لي عودًا، وقضيت الليل أعزف وهم مستمتعون ويشجعاني على ما أقدم".

العازف اللبناني مارسيل خليفة والشاعر الفلسطيني محمود درويش

لم يتوقف دعم والدة "مارسيل" التي بقيت نقطة نور في قلبه طوال مشواره، إذ قررت أن تأخذ ابنها إلى أحد الأشخاص في القرية ليعلمه الموسيقى، ومن هنا بدأت رحلته للتعبير عن إيقاعات العالم داخله، درس الموسيقى في معهد بيروت الوطني، وتخرج فيه ليجوب العالم بفنه، وكان يحرص على أن يلتقي بكل من يقابلهم إنسانيًا قبل أن تندمج موسيقاه داخلهم.

ومن تلك النقطة نتعرف على طقوس هذا العازف "الفريد"، الذي يحكي ويقول: "أحب أن أذهب إلى المسرح الذي أحيي به الحفل قبلها بثلاث ساعات، أدخل لاستنشق رائحة المكان، أنظر إلى المقاعد الفارغة، أراقب العمال وهم يعلّقون الإضاءة ويهتمون بتفاصيل المسرح، أتواصل معهم إنسانيًا نجلس ونأكل سويًا، وأُشرِف على كل التفاصيل الخاصة بالمسرح وطريقة خروج الصوت قبل أن أجلس أمام الجمهور، الذي يأتي من كل مكان ليستمع إلى موسيقاي".

مارسيل خليفة مع عوده

مارسيل خليفة الذي شغل منصب مدرس في المعهد الموسيقى بالعاصمة اللبنانية بيروت، وعمل في العديد من المؤسّسات المحلية، وحصل على جوائز كثيرة خلال مشواره، صنع موسيقى خاصة به، ونجح في إدخال عناصر من الموسيقى الشعبية إلى الموسيقى الكلاسيكية العالمية، ويؤكد أن "موسيقاه وصلت إلى العالم لأنه غرق في محليته وأحبها"، وعن سبب تعلق العالم بموسيقاه، يقول: "الشغف هو السر وراء إبداعي، فأنا شغوف بالجمال والطبيعة والكون هو المحرك الداخلي لي، فكل صوت وريح ونسمة وكل الأشياء حولي تتحول لإيقاع، فحياتنا مبنية عليه". 

تعلُّق "مارسيل" ببلده ووالدته وموسيقاه الشعبية جعله واثقًا من نفسه ولا يخشى الوقوف على المسرح، يقول في لقاء متلفز: "وصلت للعالمية وعزفت وغنيّت على كل المسارح، ودخلت الأوبرات المختلفة ولكن لم أشعر برهبة، فأنا أقف بين الجمهور كأني في بيروت التي أحلم أن تعود من كسرتها ويكون بها مسرح كبير نغني منه للعالم".

قدّم "مارسيل" خلال مشواره الممتد إلى الآن العديد من الألبومات الموسيقية، منها "عود من العاصفة"، "أغاني المطر"، "أعراس"، و"عالحدود"، كما سجّل الموسيقى التصويرية لمجموعة من الأفلام الشهيرة منها The Half Meter Incident عام 1981، وThe Box of the World، ولا يزال اسمه يتردد في كل مكان بالعالم.

مارسيل خليفة في حفلة غنائية

مارسيل المتزوج من يولا خليفة ولديه منها ولدان هما رامي و بشار، ارتبط اسمه في مشواره الفني بالشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ويحكي عن بداية تلك العلاقة قائًلا: "محمود درويش صداقة من نوع خاص، وحينما كنت شابًا مراهقًا وتخرجت قامت الحرب بلبنان، فتركت القرية وانعزلت على البحر ، ولم يكن معي سوى صوت محمود درويش، وقررت أن ألحن تلك الكلمات التي تواصلت مع روحي ولحنتها قبل أن نتقابل".

ويشاء القدر أن يجمع الثنائي ليصنعا مجدًا سويًا، فبعد سنوات تعرّف مارسيل على "درويش" الذي داعبه حينما عرف أنه لحّن قصائده، قائلًا له: "ألا تعرف أن تلك القصائد لها شاعر"، وانطلقا سويًا يجوبان الأرض بألحانهما وأشعارهما، وعاشا سويا في باريس 10 سنوات، لحن خلالها مارسيل كل ما يحلو له من أشعار "درويش". 

"أمي" و"ريتا والبندقية" و"جواز السفر" وغيرها، حتى رحل صديق حياته لكنه لم يرحل من داخله، وأهداه ألبوم "سقوط القمر".

مارسيل خليفة ومحمود درويش