يعمل البنك المركزي الأوروبي على تشديد الخناق على الوجود المصرفي للبنوك الأوروبية في روسيا، كأحد عناصر استراتيجية متعددة الأوجه -وإن تم تطبيقها بشكل غير متساوٍ- لسحب رأس المال والخبرة الغربية من خدمة موسكو.
لكن في الوقت نفسه، فإن إجبار العمليات المصرفية للمؤسسات المصرفية والشركات على تقليص حجم أعمالها في موسكو، سيجعل من الصعب على الصناعة الأوروبية الاستمرار في أي نوع من العمل في روسيا؛ وفق تقرير للنسخة الأوروبية من "بوليتيكو".
ففي الأشهر التي أعقبت العملية العسكرية الروسية الشاملة في فبراير 2022، لم يتحدث البنك المركزي الأوروبي، علنًا، إلا قليلًا عما يتوقعه من البنوك العاملة هناك.
وتشير الرسائل الموجهة إلى أعضاء البرلمان الأوروبي منذ يونيو الماضي إلى توقعات بتقليص حجم البنوك في روسيا بشكل حاد، مع تحذير من "مخاطر السمعة" بالنسبة لأولئك الذين استمروا في العمل.
ونقلت "بوليتيكو" عن نيكولاس فيرون، زميل معهد بيترسون، أن هذه الخطوة "تعكس حقيقة أن مجرد البقاء في روسيا بأي شكل من الأشكال الآن يمثل تهديدًا لامتياز البنك ونزاهة إدارته"؛ مع مزاعم بأن خطوة البنك المركزي الأوروبي غير مرتبطة بالمساومات الأوسع الجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول أفضل السبل لدعم أوكرانيا.
وفي اجتماع لوزراء المالية والبنوك المركزية لمجموعة السبع في واشنطن، الأسبوع الماضي، اضطرت الوحدة المالية الأوروبية إلى الرد بقوة على الاقتراحات القائلة بأن الأصول الروسية المجمدة في أوروبا يمكن مصادرتها للمساعدة في تمويل المجهود الحربي في كييف.
تخارج سريع
في الأسبوع الماضي، قال بنك "رايفايزن الدولي" النمساوي، وهو أكبر بنك أوروبي لا يزال يعمل في روسيا، إنه يتوقع الحصول على شرط ملزم من البنك المركزي الأوروبي لتسريع تقليص أعماله هناك، في حين ذكرت "رويترز" أن بنك "أونيكريديت"، ومقره إيطاليا، يستعد لخفض أعماله هناك.
ووفقًا لشروط البنك المركزي الأوروبي، سيتعين على "رايفايزن"، بحلول عام 2026، خفض ميزانيته العمومية بنسبة 65% عن مستواها في نهاية الربع الثالث من العام الماضي؛ وقد انخفض هذا الرقم، بالفعل، بمقدار النصف عن بداية الحرب الأوكرانية.
وفي سياق مماثل، خفّضت شركة "يونيكريديت" الإيطالية أعمالها في روسيا بنسبة 90% بالفعل منذ بدء الحرب، كما قام بنك "آي إن جي"، ومقره هولندا، الذي ازدهرت وحدته المصرفية للشركات المحلية عندما رافق شركات صناعية مثل "هاينكن" و"شل" إلى الاتحاد السوفيتي السابق، بخفض عملياته عبر الحدود بنسبة تزيد على 80% لتصل إلى 1.3 مليار يورو فقط، اعتبارًا من فبراير الماضي.
تعثر مصرفي
يلفت تقرير "بوليتيكو" إلى أن هناك محاولات للامتثال لرغبة البنك المركزي الأوروبي، مع الحفاظ على التعاملات الجارية بشكل ما.
وحاول بنك "رايفايزن" الخروج من روسيا، عبر مبادلة الأسهم في فرعه المحلي بحصة قابضة في شركة البناء "ستراباج"، التي يوجد مقرها في النمسا -المملوكة لقطب المعادن الروسي أوليج ديريباسكا- وتركز على أوروبا الوسطى والشرقية، ومع ذلك، تم تأجيل الصفقة.
هكذا، تظل "ستراباج"، مثل أي شركة أوروبية جمع فيها الروس مصالح بشكل قانوني قبل الحرب، متعثرة إلى أجل غير مسمى؛ لكن بطء عملية البيع أحبط المنظمين على جانبي المحيط الأطلسي.
وفي وقت سابق من هذا العام، حذرت القائم بأعمال مساعد وزير الخزانة الأمريكية، آنا موريس -المسؤولة عن تطبيق العقوبات- بنك "رايفايزن" من المخاطرة بالتعرض لعقوبات جديدة يفرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في نهاية العام الماضي، من أجل الضغط على روسيا.
ويتناقض مصير "رايفايزن" بشكل حاد مع مصير بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، الذي وافق في غضون أربعة أشهر من الحرب على بيع واجهة عملياته المحلية "روسبانك"، إلى شركة "إنترروس" القابضة المملوكة لقطب معادن روسي آخر هو فلاديمير بوتانين، ومن عوامل تسهيل الصفقة حقيقة أن بنك "سوسيتيه جنرال" و"بوتانين" كانا يديران بشكل مشترك "روسبانك" لسنوات قبل عام 2022، في حين بنى "رايفايزن" أعماله من الصفر.
وعلى النقيض من ديريباسكا، لم يكن بوتانين مدرجًا على قائمة العقوبات في ذلك الوقت.