وسط تقاليد مجتمعية صارمة لا تعطي المرأة حقها، ومتغيرات عالمية في أواسط العقد العشرين من القرن الماضي، ظهرت الفنانة عزيزة أمير، التي تعد أول امرأة عربية تعمل في الإخراج والإنتاج ولها الفضل مع جيل من الرائدات في ترسيخ قواعد السينما المصرية وازدهارها، رغم أن صناعة السينما وحدها لم تكن تمثل ذلك الطريق إلى الشهرة والأضواء كما هو الحال الآن، وإنما فقط تجتذب إليها من يملكون شغفًا صادقًا وتتعلق قلوبهم بالفن.
ولدت عزيزة أمير في مثل هذا اليوم عام 1901، لتعيش بداية فترة ظهور صناعة الصور المتحركة التي أخذت عالميًا شوطًا لا بأس به، ونفس الحال في مصر، لتتابع في فترة مراهقتها بذهول الأشرطة السينمائية الصامتة التي تصور مظاهر صامتة من الحياة اليومية دون سياق درامي، ويزيد شغفها مع سفرها إلى فرنسا وإتاحة الفرصة أكثر أمامها للاطلاع على مختلف الفنون والآداب.
تقرر الفتاة أن تخوض ذلك المجال وتذهب إلى الفنان المصري يوسف وهبي، الذي كان يكبرها بـ3 سنوات فقط، لكنه سبقها إلى العمل بالمسرح وتأسيس فرقة "رمسيس المسرحية"، وتطلب منه العمل معه، ليوافق على طلب السيدة الحسناء ويضمها إلى فرقته، لكن ذلك لم يكن طموحها الوحيد.
أول فيلم روائي طويل مصري
الفتاة العشرينية وقتها كانت تُركز أكثر في السينما، لتخوض بجرأة تجربة إنتاج فيلم صامت قصير بعنوان "نداء الله" مع مخرج تركي، عام 1926، لكن التجربة الأولى لها باءت بالفشل، إلا أن هذا الأمر لم يوقفها لتواصل التحدي، لكن هذه المرة من باب الأفلام الروائية، التي لم يكن تطرق إليها أحد وقتئذ في مصر بينما عالميًا كانت هناك إنتاجات ظهرت، وتعود عزيزة أمير إلى نفس قصة فيلمها الأول وتطوره وتزيد فصولًا عليه ليخرج فيلم "ليلى" عام 1927 أول فيلم روائي طويل صامت، لتسبق كل الرجال والمهتمين بصناعة السينما والفن وقتئذ، وتسجل اسمها كأول امرأة عربية تمتلك شركة إنتاج، والرائدة في مجال الإخراج، إذ شاركت في إخراج الفيلم مع استيفان روستي، كما أنها عملت في مونتاج العمل.
بفيلمها "ليلى" لم تسجل الممثلة المصرية اسمها فقط كرائدة في صناعة السينما المصرية خاصة والعربية بشكل عام، بل جسّدت نموذجًا لجهود الحركة الوطنية في إصلاح وضع المرأة، لذا عبّر الزعيم السياسي وقتها سعد زغلول عن إعجابه بعزيزة أمير، ويذكر المؤرخون مقولته الشهيرة عنها ووصفه لها بأنها فعلت ما عجز عنه الرجال تعبيرًا عن إعجابه بإنجازها الإبداعي.
أم السينما المصرية
واصلت الفنانة الشهيرة بلقب "أم السينما المصرية" مشوارها الفني لتنتج العديد من الأفلام وتشارك في بطولتها، منها "بنت النيل" مع عباس فارس، و"بمبة كشر" الصادر عام 1929، وتتبعه بعد 4 سنوات بفيلم ثالث جاء ملصقه الدعائي حاملًا عبارة "مؤسسة التمثيل السينمائي في مصر عزيزة أمير تقدم إلى الشعب المصري المحترم روايتها الثالثة كفري عن خطيئتك" وشارك في بطولة الفيلم زكي رستم وزينب صدقي.
وعلى مدار نحو 34 عامًا استمرت عزيزة أمير في صناعة العديد من الأفلام، لتختتم مُنجزها الفني بفيلم "آمنت بالله" عام 1952 من إخراج زوجها محمود ذو الفقار، لكن القدر لم يمهلها لمشاهدة الفيلم، إذ توفت قبل أسبوعين من عرضه، لترحل صاحبة شركة "إيزيس" للإنتاج عن عالمنا تاركة بصمة سينمائية حقيقية ويعزى لها الفضل في تأسيس صناعة سينما مصرية وعربية رائدة.