هاجم وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، أمس الخميس، العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما قد يؤدي إليها من تصعيد بين روسيا والدول الأوروبية، قائلًا إن الحرب بين "روسيا بوتين" وحلف شمال الأطلسي ستنتهي بـ "هزيمة حتمية" لموسكو.
وقال سيكورسكي، خلال كلمة ألقاها أمام مجلس النواب في البرلمان البولندي: "لسنا نحن، الغرب، من ينبغي أن نخشى الصدام مع بوتين، ولكن العكس هو الصحيح"؛ كما نقلت عنه النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو".
وأضاف: "يجدر التذكير بهذا، وليس إن الهدف من ذلك هو زيادة الشعور بالتهديد لدى الروس، لأن حلف شمال الأطلسي عبارة عن ميثاق دفاعي، ولكن إظهار أن أي هجوم من جانب روسيا على أي من أعضاء الحلف سيؤدي إلى هزيمتها الحتمية".
وقال سيكورسكي، الذي كان يعرض رؤية رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك للسياسة الخارجية للحكومة الجديدة، إن الإمكانات العسكرية والاقتصادية لروسيا "تتضاءل مقارنة بإمكانات الغرب"، حيث إن الناتو لديه ثلاثة أضعاف عدد العسكريين، وثلاثة أضعاف القوة الجوية، وأربعة أضعاف السفن الموجودة لدى روسيا.
وحذّر من أن "أمل بوتين الوحيد هو افتقارنا إلى التصميم".
بولندا النووية
مؤخرًا، أشار رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك من أن أوروبا "تمر بعصر ما قبل الحرب"، ولكن "لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه" قبل أن تصبح مستعدة لمواجهة التهديد الذي ينتظرها.
لذا، تتحول بولندا بسرعة إلى قوة دفاعية ثقيلة، بعد أن صارت تحتل المرتبة 14 من حيث الإنفاق العسكري في العالم، بعد أن رفعت إنفاقها بنسبة هائلة بلغت 75% بين عامي 2022 و2023 إلى 31.6 مليار دولار، وفقًا للبيانات الصادرة هذا الأسبوع عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
ومؤخرًا، قال الرئيس البولندي أندريه دودا، إن بلاده "مستعدة لاستضافة أسلحة نووية على أراضيها"، إذا قرر الناتو تعزيز جناحه الشرقي.
وأكد دودا لصحيفة Fakt البولندية -في مقابلة نُشرت يوم الاثنين- أن بلاده والولايات المتحدة تجريان مناقشات حول استضافة الأسلحة النووية "لبعض الوقت".
وقال: "إذا قرر حلفاؤنا نشر أسلحة نووية، كجزء من المشاركة النووية على أراضينا لتعزيز أمن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، فنحن مستعدون لذلك".
موسكو تهدد.. ووارسو تستنكر
وفي مقابل كلمات السياسيين البولنديين، هددت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، الخميس أيضًا، بأن منشآت الأسلحة النووية الأمريكية في بولندا ستكون من بين "الأهداف المشروعة" الأولى للجيش الروسي في حالة قيام "الناتو" بمواجهة عسكرية مباشرة.
وأشارت زاخاروفا، خلال مؤتمر صحفي، تعليقًا على تصريحات الرئيس البولندي، أن استضافة وارسو لأسلحة الحلفاء النووية يمكن أن ينظر إليه على أنه خط أحمر، مما يؤدي إلى تصعيد الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى صراع عالمي أكثر خطورة.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن زاخاروفا قولها إن "السلطات البولندية لم تخف طموحاتها فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الأسلحة النووية الأمريكية المنتشرة في أوروبا، لقد تحدثوا عن هذا الأمر منذ فترة طويلة".
وقالت: "إنهم -البولنديون- ما زالوا يعلقون على هذا الأمر، ويربطونه بسياستهم العدائية تجاه روسيا. والانطباع هو أن وارسو تسعى بشكل جنوني إلى جذب المزيد من الاهتمام من المخططين العسكريين في هيئة الأركان العامة الروسية".
وتابعت: "كما يمكن الافتراض أنه في حالة ظهور أسلحة نووية أمريكية على الأراضي البولندية، ستتم إضافة المنشآت ذات الصلة على الفور إلى قائمة الأهداف المشروعة التي سيتم ضربها في سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة مع الناتو".
وردًا على المتحدثة الروسية، قال متحدث باسم وزارة الدفاع البولندية لمجلة "نيوزويك" الأمريكية: "إن وزارة الدفاع الوطني لا تعلق على تصريحات السياسيين الروس. هذا النوع من التصريحات هو جزء من الأنشطة النفسية التي تهدف إلى تخويف الرأي العام".
وقال المتحدث إن برنامج "التقاسم النووي" للناتو يعد أمرًا محوريًا للحفاظ على مصداقية الردع النووي للحلف وتعزيز حلف شمال الأطلسي بشكل أكثر اتحادًا وتماسكًا بشكل عام.
وأضاف: "من العناصر الثابتة في موقفنا بشأن السياسة النووية للحلف دعم الإجراءات والمبادرات الرامية إلى تعزيز مصداقية وفعالية الردع النووي للحلف، بما في ذلك الآليات والإجراءات الحالية لمشاركة الدول في السياسة النووية للحلف".
الانتشار النووي
تعكس تعليقات زاخاروفا ما قاله المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، يوم الاثنين، محذرًا من أن الأسلحة النووية الأمريكية في بولندا قد تدفع روسيا إلى "اتخاذ جميع الخطوات الانتقامية اللازمة لضمان أمننا"، وفقًا لوكالة الإعلام الروسية "نوفوستي".
ويأتي القلق الروسي بشأن الأسلحة النووية الأمريكية في بولندا، بعد أسابيع قليلة من إعلان بوتين أن أحد أقوى حلفائه، بيلاروسيا، سيستضيف أسلحة نووية.
وتتم استضافة الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية في ست قواعد في خمس دول أعضاء في الناتو، هي بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية.
ولم تعد الولايات المتحدة تستضيف أسلحة نووية في المملكة المتحدة أو فرنسا، اللتين تمتلكان أسلحة نووية خاصة بهما.
ونقلت "نيوزويك" عن العقيد المتقاعد من مشاة البحرية الأمريكية مارك كانسيان، وهو مستشار لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إنه يتوقع أن يستمر الرئيس الروسي في مساره العسكري الحالي.
وقال: "من وجهة نظره -بوتين- فإن المساعدات الغربية لأوكرانيا تتأرجح وستتوقف في نهاية المطاف أو على الأقل تنضب، وهذا سيمنحه فرصة لتحقيق أفضلية في ساحة المعركة".
وقال نيكولاي سوكوف، الزميل في مركز فيينا لنزع السلاح وعدم الانتشار، إنه لا توجد ضرورة ملحة لموقف الناتو، ولا تزال المواجهة المباشرة بين روسيا والغرب غير محتملة.
ولفت إلى أن "الجيش الروسي طور تكتيكات جديدة، وتكيف مع الحرب الحديثة مع خصم نظير بشكل أسرع وأفضل من الناتو، لكنه بالتأكيد أضعف من الناتو وسيحتاج إلى سنوات لاستعادة قدرته القتالية بعد انتهاء الحرب الحالية".
ولفت إلى أن الناتو لديه الوقت "وطالما أنه يحافظ على سياسة حكيمة بعدم الدخول في حرب مباشرة مع روسيا، فإن لديه الوقت لوضع الخطط وتنفيذها".