الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

إبادة البراءة.. كيف أثر العدوان على أطفال غزة في 200 يوم؟

  • مشاركة :
post-title
أطفال غزة يعانون أوضاعًا إنسانية صعبة جراء العدوان على غزة - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في قطاع غزة المُحاصر، حيث خيم الدمار والحصار على أهله لأشهر طويلة، تنبعث صرخات الأطفال المدوية بعد 200 يوم من العدوان الإسرائيلي الغاشم، مُذكرة العالم بواحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في عصرنا الحالي، إذ في ظل القصف المُستمر وانهيار البنية التحتية ونقص الإمدادات الأساسية، يُواجه الأطفال الفلسطينيون كابوسًا مرعبًا من الجوع والمرض والموت اليومي؛ مما أثار صرخات استغاثة عالمية وحشدًا دوليًا لجهود الإغاثة.

وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدًا و77 ألفًا و143 إصابة، منذ 7 أكتوبر الماضي، و72% من ضحايا العدوان هم من الأطفال والنساء، وفق أحدث إحصائية للسُلطات الصحية في القطاع.

أوضاع مروعة للأطفال

حذّرت الأمم المتحدة من أن قطاع غزة، تحول إلى "مكان الموت الأخطر للطفل في العالم"، حيث يُقتل أو يُجرح طفل كل عشر دقائق؛ بسبب القصف الإسرائيلي المُستمر، إذ تشير المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، إلى مشاهد مروعة عن أطفال محرومين من الغذاء والماء والرعاية الطبية الأساسية، وآخرين يعانون من إصابات خطيرة بفعل الشظايا والرصاص.

وتصف "باشليه" حالة الطفل يوسف، البالغ من العمر 14 عامًا، الذي أصيب برصاصة إسرائيلية في حوضه بينما كان عاريًا تمامًا، ما تسبب في إصابات داخلية وخارجية خطيرة.

ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد أصيب أكثر من 17 ألف طفل، لكن منظمة اليونيسيف تعتقد أن هذا الرقم أقل بكثير من الواقع المروع.

في الأسابيع الأخيرة فقط، تم تسجيل أكثر من 150 ألف حالة إسهال بين الأطفال، وأكثر من 180 ألف حالة من التهابات الجهاز

تأثير الحرب على نفسية الأطفال

في غضون ذلك، حذّر فاضل أبو هين، طبيب نفسي في غزة، من التبعات الخطيرة التي تخلفها الحرب على صحة الأطفال النفسية.

وقال أبو هين في تصريحات لصحيفة "الجارديان" البريطانية إن الأطفال "بدأوا يطورون أعراضًا تتعلق بالصدمات النفسية الشديدة، مثل التشنجات، والتبول اللاإرادي، والخوف، والسلوك العدواني، والعصبية، وعدم ترك والديهم أبدًا". وأضاف أن عدم وجود أي مكان آمن في غزة خلق "شعورًا عامًا بالخوف والرعب بين جميع السكان، والأطفال هم الأكثر تضررًا".

تابع "أبو هين" حديثه قائلاً: "بعض الأطفال أعربوا عن مخاوفهم علنًا، وعلى الرغم من أنهم قد يحتاجون إلى تدخل فوري من قبل الأطباء والخبراء النفسيين، فإنهم قد يكونون في حالة أفضل من الأطفال الآخرين الذين احتفظوا بالرعب والصدمة بداخلهم".

ويشكل الأطفال نحو نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وعاش هؤلاء الأطفال تحت قصف شبه مستمر منذ 7 أكتوبر الماضي، مع عدم توفر سوى القليل من الطعام والمياه النظيفة لهم.

أظهرت دراسات أجريت بعد الصراعات السابقة في غزة، أن غالبية أطفال القطاع تظهر عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فبعد العدوان الذي شنه الجيش الإسرائيلي على غزة في عام 2012 والذي استمر لمدة 8 أيام، وجدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 82% من الأطفال عانوا خوفًا مستمرًا من الموت الوشيك. 

وأشارت اليونيسيف إلى أن 91 % من الأطفال أبلغوا عن اضطرابات في النوم، و85% أبلغوا عن تغييرات في الشهية، و82% شعروا بغضب شديد، و97% شعروا بعدم الأمان، و47% طوّروا عادة قضم الأظافر؛ بسبب الخوف والتوتر، و76% أبلغوا عن شعورهم الدائم بالمرض.

الواقع المأساوي في المستشفيات

في مستشفيات غزة المنهارة، يكافح الأطفال من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، إذ تقول وزارة الصحة في غزة أن 16 مستشفى من أصل 35 في القطاع قد خرجت عن الخدمة، بسبب الأضرار أو نقص الطاقة، في حين تم تدمير مستشفى الشفاء الرئيسي بالكامل بفعل القصف، وفي المستشفيات المتبقية، تُجرى عمليات البتر والولادات القيصرية دون تخدير كافٍ، وسط أكوام من الجثث والجرحى، بحسب الصحيفة البريطانية. 

في الملاجئ المكتظة والمناطق "الآمنة" المزعومة، يعاني المهجرون من ظروف غير إنسانية، حيث يفتقرون إلى المياه النظيفة والغذاء والصرف الصحي الأساسي، ووصف نائب المديرة التنفيذية لليونيسيف، تيد شيبان، المشاهد المروعة التي رآها، حيث تنتشر النفايات في شوارع مكتظة بالبشر، ويضطر الناس للتغوط في العراء؛ بسبب نقص المراحيض، كما يحذر من ارتفاع حالات الإسهال بنسبة 4000% منذ بدء الحرب، ما يهدد حياة الآلاف من الأطفال.

الأطفال هم الفئة الأضعف

في ظل الحصار الخانق، يكافح سكان غزة من أجل الحصول على لقمة العيش اليومية، ويبقى الأطفال هم الفئة الأضعف، إذ تشير اليونيسيف إلى أن الأطفال المهجرون في جنوب محافظة رفح الفلسيطنية لا يحصلون إلا على ما بين 1.5 و2 لتر من المياه يوميًا فقط، في حين أن الحد الأدنى اللازم للبقاء هو 3 لترات.

النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب، أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض، ففي الشهور الأخيرة فقط، تم تسجيل ما يقرب من 20 ضعف المتوسط الشهري لحالات الإسهال المبلغ عنها بين الأطفال دون سن الخامسة، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في حالات الجرب والقمل وجدري الماء والطفح الجلدي وأكثر من 160 ألف حالة من التهابات الجهاز التنفسي الحادة.

جهود إغاثية غير كافية

في محاولة يائسة لإنقاذ الأطفال، تكافح وكالات الإغاثة الدولية لإيصال المساعدات، عبر ممرات إنسانية ضيقة، إذ يقول ممثل برنامج الأغذية العالمي، سامر عبد الجابر، إن فتح ممرات جديدة سيساعد في "تأمين المزيد من الإمدادات وتوفير المزيد من الشاحنات"، لكنه يحذر من أن الوضع لا يزال كارثيًا، حيث يواجه الملايين خطر الموت جوعًا.

لكن هذه الجهود لا تكفي، حيث يحذر الخبراء من أن أكثر من 130 ألف طفل أقل من عامين في غزة لا يحصلون على الرضاعة الطبيعية والتغذية التكميلية المناسبة، بما في ذلك مكملات المغذيات الدقيقة الحيوية، مما يعرضهم لخطر سوء التغذية الحاد.

علاوة على ذلك، تعرضت ما لا يقل عن 50% من مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية للأضرار أو التدمير في غزة. هذا الوضع جعل المنطقة معرضة لانتشار الأوبئة، حيث يوجد في المتوسط مرحاض واحد فقط لكل 700 طفل وعائلة.