في صباح يوم الأحد الـ14 من أبريل 2024، هاجمت إيران أهدافًا إسرائيلية، بعدد من المُسيّرات والصواريخ، اعتبرها الحرس الثوري الإيراني، "جزءًا من العقاب" على الجرائم الإسرائيلية. فوفقًا للقناة 12 الإسرائيلية، أطلقت إيران نحو 100 طائرة مُسيّرة وصواريخ كروز باتجاه إسرائيل. وتأتي هذه الضربة الإيرانية ردًا على هجوم إسرائيل على قنصليتها في سوريا مطلع هذا الشهر، وأسفر عنها سقوط 7 مسؤولين، أبرزهم محمد رضا زاهدي، قائد فيلق القدس الإيراني في سوريا ولبنان، إضافة إلى ستة مسؤولين آخرين.
وبعد أن أصبح هذا الرد الإيراني واقعًا، يُطرَح السؤال التالي: ما أهم سيناريوهات رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني؟ وهل سيؤدي هذا الهجوم إلى شنّ إسرائيل حرب واسعة ضد إيران أم سيقتصر رد فعلها على شن ضربة انتقامية مباشرة خاطفة على طهران؟ وما أهم محددات رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الحالي على إسرائيل؟
محددات واضحة:
يرتبط رد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الآني على إسرائيل، بعدة عوامل أو محددات؛ يأتي في مقدمتها ما يلي:
(*) طبيعة الضربة الانتقامية الإيرانية الأولى: توقعت الولايات المتحدة، أن تنفذ إيران ضربات ضد أهداف متعددة داخل إسرائيل، وفي جميع أنحاء المنطقة، إضافة إلى مشاركة وكلاء إيران. وفي هذا الصدد، قالت "وول ستريت جورنال"، إن حسابات مرتبطة بالحرس الثوري على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت صورًا حول الهجوم المحتمل على إسرائيل. وتضمنت المنشورات التي تمت مشاركتها على نطاق واسع، صورًا عبر الأقمار الاصطناعية لمواقع بارزة في إسرائيل، مثل مطار بن جوريون، المحاط بطائرات بدون طيار هجومية إيرانية. وجاء في إحدى المنشورات، التي نشرتها العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية باللغة العبرية: "ما هو المكان الذي تفضله؟ الخيار بين أيديكم"، وتضمن منشور آخر مقطع فيديو يُظهِر صاروخًا إيرانيًا تفوق سرعته سرعة الصوت مع تعليق: "5 دقائق إلى حيفا وتل أبيب".
فقد ذكرت "سي إن إن" أن الولايات المتحدة لاحظت أن إيران تجهز ما يصل إلى 100 صاروخ كروز، حيث تتوقع الولايات المتحدة أن تنفذ إيران ضربات ضد عدة أهداف داخل إسرائيل، وأن يشارك وكلاء إيران في المنطقة أيضًا في تنفيذ الهجمات. فالإيرانيون يريدون أن تكون الضربة الانتقامية لإسرائيل ردًا على الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق كبيرة، لكنهم يريدون أيضًا تجنب التورط في حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، فالقادة في إيران يريدون الوصول لمعادلة لإقناع الجميع بأن طهران ليست عاجزة عن الرد، ولكنه لن يكون كبيرًا إلى الحد الذي قد يدفع بالمنطقة إلى حرب شاملة أو مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
(*) التحركات الأمريكية الداعمة لإسرائيل: سارعت الولايات المتحدة إلى تحريك سفنها الحربية إلى مواقعها لحماية إسرائيل وقواتها في المنطقة، على أمل تجنب هجوم إيراني في غضون نهاية الأسبوع (السبت والأحد) من إيران. وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن التحركات التي اتخذتها واشنطن، تعد جزءًا من محاولة تجنب صراع أوسع في الشرق الأوسط، فقد شملت هذه التحركات إعادة تموضع مدمرتين، إحداهما كانت موجودة بالفعل في المنطقة والأخرى تم إعادة توجيهها إلى هناك، وأن واحدة على الأقل من السفن، تحمل نظام الدفاع الصاروخي "إيجيس". وصرح مسؤولان أمريكيان لشبكة CNN، أن الولايات المتحدة ستحاول اعتراض أي أسلحة يتم إطلاقها على إسرائيل، إذا كان ذلك ممكنًا، في إشارة إلى مستوى التعاون المستمر بين الجيشين قبل الهجوم المتوقع.
وسبق أن اعترضت البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، صواريخ بعيدة المدى أطلقها الحوثيون في اليمن باتجاه إسرائيل، ومن الممكن أيضًا أن تعترض المسيرات والصواريخ التي قد تطلق من العراق وسوريا والتي تستهدف شمال إسرائيل، وذلك اعتمادًا على الموقع الذي يتم إطلاقها منه. وفي هذا الإطار، ناقش رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، الهجوم الإيراني المحتمل مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت في إسرائيل، الجمعة.
ما يجب التأكيد عليه هنا، أنه رغم هذه التحركات الأمريكية بل ورغم التحذيرات الأمريكية لإيران لمنعها من شن هجومها على إسرائيل، فقد شنت إيران الليلة هجومها المباشر على إسرائيل انطلاقًا من أراضيها. فمن شأن هذا التطور تغيير قواعد اللعبة في الصراع الإيراني–الإسرائيلي مستقبلًا، ليتم عبر المواجهة المباشرة وليس فقط عبر أذرع إيران في المنطقة.
(*) الاستعدادات الإسرائيلية: زادت إسرائيل بالفعل عدد الأفراد والعتاد في منظومة الدفاع الجوي الخاصة بها، والتي تتضمن القبة الحديدية لإسقاط الصواريخ منخفضة المدى، وأنظمة مثل David’s Sling وArrow، المصممة للحماية من الصواريخ الباليستية طويلة المدى، فيما تم إلغاء الإجازات الممنوحة لجميع القوات القتالية الإسرائيلية. ففي هذا السياق، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، بحسب ما نقلت عنه وزارة الدفاع الإسرائيلية: "مستعدون للدفاع عن أنفسنا على الأرض وفي الجو، بالتعاون الوثيق مع شركائنا، وسنعرف كيف نرد".
سيناريوهات محتملة:
قال الجيش الإسرائيلي، إن الهجوم الذي تشنه إيران على إسرائيل الآن "تصعيد خطير"، وقد سبق ذلك إعلان هذا الجيش التأهب لهجوم إيران، بعد إقرار خطط لشنّ هجوم مضاد على إيران حال تعرض إسرائيل لهجوم من الأراضي الإيرانية. في ضوء ذلك، تتجلى أهمية تحديد السيناريوهات المحتملة لرد الفعل الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الحالي على الأراضي الإسرائيلية، وذلك على النحو التالي:
(*) توجيه إسرائيل ضربة خاطفة مباشرة ضد إيران: ينطلق هذا السيناريو من الحرص الإسرائيلي على عدم الاستمرار في التصعيد مع إيران، خاصة مع تعرض حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لضغوط دولية متزايدة لإنهاء حملتها العسكرية على قطاع غزة، التي أودت بحياة أكثر من 33 ألف فلسطيني. وهو الأمر الذي يدعمه طلب واشنطن من إسرائيل أن تدرس بعناية ردها على أي هجوم إيراني، وأن تضع في اعتبارها احتمال أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التصعيد.
ويدعم هذا السيناريو، إعلان طهران إن ردها على إسرائيل يتم تصميمه لتجنب تصعيد الصراع. فمن المحتمل أن يكون الهجوم الإيراني المباشر على الأراضي الإسرائيلية، مدروسًا بطريقة تظهر ردًا قويًا، دون إثارة انتقام إسرائيلي يؤدي إلى تدمير الأصول الإيرانية في لبنان وسوريا. وبحسب تقديرات الاستخبارات الأمريكية، فإن "الإيرانيين يريدون تجنب التورط في حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة"، وأن طهران ستستخدم قواتها بالوكالة لشن الهجوم الأول".
ويعزز هذا السيناريو كذلك، موجة من الدعوات الدبلوماسية للتهدئة، فقد أوضحت إيران لحلفائها والدول الغربية، بأنها سترد على الغارة إسرائيلية على قنصليتها في دمشق بطريقة محسوبة، لإبعاد احتمالات صراع إقليمي شامل. ونقلت "فايننشيال تايمز" عن مصادر مطلعة قولها، إن المكالمات الدبلوماسية التي جرت بين إيران وبعض الأطراف الإقليمية والعواصم الأوروبية هذا الأسبوع، دفعت بعض المسؤولين الغربيين على الأقل إلى استنتاج أن إيران تستعد لرد "يهدف إلى إظهار قوة الردع وضبط النفس". وقال مسؤول غربي مطلع على اتصالات إيران مع حلفائها الإقليميين، إنه "من الممكن أن تنشر إيران قدرة صاروخية جديدة لأول مرة، ما يدل على براعة تقنية وقدرة على معاقبة إسرائيل".
فقد اتصل وزيرا خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك، وبريطانيا ديفيد كاميرون، بنظيرهما الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ليطلبا من طهران عدم مهاجمة إسرائيل. وأعرب وزير الخارجية الإيراني في اتصال هاتفي مع نظيرته الألمانية عن عزم إيران الرد على القصف الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق بـ"طريقة ملائمة ومحدودة".
(*) شن إسرائيل حرب واسعة ضد إيران: ينطلق هذا السيناريو من أنه إذا كانت إسرائيل قادرة على تقبل أي هجوم إيراني عليها لا يلحق سوى بعض الأضرار المادية بالمنشآت العسكرية، ولكنها لن تكون كذلك إذا قُتل مدنيون أو عسكريون، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل إسرائيلي أوسع. ويعزز هذا السيناريو تهديد بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن الرد الإسرائيلي على إيران، ليس دفاعيًا فحسب، بل بشكل هجومي ويشمل ذلك ضرب إيران مباشرة، إذا تم استهداف إسرائيل من الأراضي الإيرانية. فسوف يترتب على الضربة الإيرانية المحتملة خاصة في حالة قوتها إشعال المنطقة، وزيادة التوترات وتحويل "حرب الظل" المستمرة منذ فترة طويلة بين الأعداء الإقليميين إلى مواجهة مباشرة.
ويعزز هذا السيناريو، تهديدات المسؤولين الإيرانيين بردّ فعل عسكرية في العمق الإسرائيلي. فمن شأن ذلك تزيد المخاوف من توسيع دائرة الصراع، ونقله إلى مستويات غير مسبوقة، سواء زيادة وتيرة الحروب بالوكالة التي تديرها طهران ضد تل أبيب، أو انزلاق الأمور إلى حرب مباشرة بين الجانبين، وربما انجرار أطراف إقليمية ودولية أخرى، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي النهاية؛ يمكن القول إن السيناريو الأكثر احتمالًا في أفضل الأحوال من جانب إسرائيل لردها على الهجوم الإيراني الحالي عليها هو: توجيه إسرائيل ضربة خاطفة مباشرة ضد إيران وأذرعها في المنطقة بما يحفظ لإسرائيل قدرتها على ردع الهجوم الإيراني عليها. مع أهمية الأخذ في الاعتبار أن هذا التوقع مرهون بآثار الهجوم الإيراني الحالي على إسرائيل، وكذلك موافقة واشنطن على هذه الضربة الإسرائيلية خاصة أن الولايات المتحدة حريصة على عدم التصعيد في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بالفعل منذ فترة طويلة بما يجنب واشنطن نفسها التورط في حرب جديدة واسعة وممتدة.
وبصفة عامة ورغم السيناريوهين السابقين، قد تسود حالة من عدم اليقين إزاء الانتقام المتبادل بين إسرائيل وإيران خلال الفترة المقبلة. فمن شأن انطلاق الهجوم الإيراني الآني من الأراضي الإيرانية، تغيير قواعد اللعبة في الصراع الإيراني–الإسرائيلي مستقبلًا ليتم عبر المزيد من المواجهة المباشرة وليس فقط عبر أذرع إيران في المنطقة كالمعتاد. فإيران تسعى إلى إنهاك إسرائيل، سواءً من خلال خلق حالة من عدم اليقين النفسي وإجبارها على البقاء في حالة تأهب قصوى، وهو الأمر الذي سيترتب عليه المزيد من حالة الترقب والقلق بالداخل الإسرائيلي على المستويين العسكري والمدني.