أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، منذ 6 أشهر، إلى استشهاد عشرات الآلاف من سكان القطاع، ومحاصرة الأحياء بين الجوع والموت بنيران الاحتلال.
ومع استشهاد أكثر من 33 ألف مدني في غزة جراء العدوان الإسرائيلي، وتزايد المجاعة، نقلت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، روايات بعض العالقين في الحرب، عن كفاحهم اليومي من أجل البقاء فقط.
جوع كارثي
وسلطت الصحيفة الضوء على المجاعة الكارثية التي تهدد غزة، مشيرة إلى نقص خطير في الغذاء، إذ مع عرقلة إسرائيل تسليم المساعدات الإنسانية لعدة أشهر، أصبح العثور على لقمة العيش في القطاع المحاصر، مسألة حياة أو موت.
ونقلت الصحيفة عن لجنة الأمن الغذائي العالمي، وهي آلية مراقبة الجوع التي تدعمها الأمم المتحدة، أنه من المتوقع أن يعيش 1.1 مليون شخص، أي نصف سكان غزة، في ظل جوع كارثي في غضون ثلاثة أشهر.
ونقلت الصحيفة ما قالته إحدى الأمهات مؤخرًا لمنظمة "أوكسفام"، التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها: "قبل الحرب كنا بصحة جيدة وكانت أجسامنا قوية.. والآن، عندما أنظر إلى أطفالي ونفسي، أجد أننا فقدنا الكثير من الوزن.. نحاول أن نأكل كل ما نجده، نباتات أو أعشاب صالحة للأكل، فقط من أجل البقاء".
وكررت أم أخرى لستة أطفال هذه الرواية لمنظمة الصحة العالمية، موضحة أن "النباتات البرية متوفرة في الأسواق بأسعار مرتفعة بشكل أساسي، ولا توجد خضروات ولا فواكه ولا عصير ولا عدس ولا أرز ولا بطاطس أو باذنجان، لا شيء"، وأن الكثيرين يبقون على قيد الحياة عن طريق تناول الملوخية.
ويقول محمد مرتجى، وهو واحد من مئات الآلاف الذين نزحوا إلى مدينة رفح الفلسطينية، جنوبي القطاع، المهددة باجتياح إسرائيلي: "لا أعرف إذا كنت لا أزال أشعر بأي شيء سوى الخوف والحزن والإحباط".
وأضاف: "كل صباح تشرق الشمس وأنت على قيد الحياة.. رحلتك اليومية هي البقاء على قيد الحياة، بين البحث عن الماء والغذاء والهروب من القصف والاحتلال".
ويشير مرتجى إلى أنه يركز بشكل كامل على البقاء ولم يعد يهتم بالأخبار، قائلًا: "بعد ستة أشهر طويلة، تم تنحية الأمل جانبًا أيضًا، وحل محله شعور مخدر بالاضطراب.. لم تعد تغريني كلمات مثل الهدنة أو وقف إطلاق النار.. لا يهمني أي شيء، أنا فقط أبحث عما يشبع جوعي وعطشي وأنتظر موتي بفارغ الصبر".
غزة مدمرة
وتقول "ذا جارديان" إن غزة التي كانت قبل العدوان نابضة بالحياة، أصبحت بعد نصف عام من الحرب "مدمرة"، إذ سُويّت مبانٍ سكنية وأحياءٌ بأكملها بالأرض. وتحولت المستشفيات إلى أنقاض، وأصبحت الآن تجوبها الكلاب وتفوح منها رائحة الصرف الصحي، وتم تفجير الجامعات وتدمير الزراعة، وتعطلت الكهرباء ومعها القدرة على معالجة مياه الشرب ومياه الصرف الصحي بشكل مميت، مما ساهم في انتشار الأمراض.
والشهر الماضي، خلصت صور الأقمار الصناعية التي حللها مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية إلى أن 35٪ من المباني في قطاع غزة دمرت أو تضررت جراء العدوان الإسرائيلي.
ودفع جيش الاحتلال أكثر من 80% من سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى ترك منازلهم بحثًا عن مأوى، خاصة في جنوب القطاع، مكدسين في ظروف غير صحية.
وإلى جانب التهديد بالمجاعة، فإن السؤال الأكبر هو ماذا سيحدث لرفح الفلسطينية، التي يسكنها 1.5 مليون نسمة، والتي يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يخطط لمهاجمتها على الرغم من اعتراضات واشنطن وحلفاء آخرين، وفق "ذا جارديان".
ونقلت الصحيفة عن أحمد مسعود، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان من غزة ويعيش الآن في رفح الفلسطينية، بعد تهجيره ست مرات خلال الأشهر الستة الماضية، إنه فقد 40 من أصدقائه ومنزله وعمله، والآن يخشى فقدان صحته العقلية.
وقال "مسعود": "كل ما نفكر فيه هو كيفية البقاء على قيد الحياة ونكافح من أجل الحصول على الماء والغذاء.. وعندما يأتي الليل، نفكر أكثر في القتل، خاصة أننا نسمع أصوات الطائرات الحربية الإسرائيلية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وخاصة الطائرات بدون طيار".