تُواجه أوروبا مخاطر جديدة في مسعاها للتخلص من اعتمادها على الغاز الروسي، إذ أصبحت الآن أكثر اعتمادًا على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، وفي خضم هذا التحول، تثير القرارات الأخيرة للإدارة الأمريكية المزيد من المخاوف، حول أمن إمدادات الطاقة في القارة العجوز، مما يهدد بزعزعة التوازن الهش الذي تم تحقيقه.
في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، سارعت دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى البحث عن بدائل لاستبدال الغاز الروسي الذي كان يصلها عبر خطوط الأنابيب العابرة للقارة، وتُشير صحيفة بوليتيكو الأمريكية إلى أن أوروبا وجدت الحل في الغاز الطبيعي المسال الأمريكي المنقول بحرًا، إذ ارتفعت حصة الولايات المتحدة من إجمالي واردات القارة العجوز من الغاز الطبيعي المسال إلى حوالي 50% حاليًا، مقارنة بحوالي ربع الواردات قبل الحرب، وقد منع هذا التحول كارثة محتملة بعد أن أوقفت روسيا ضخ الغاز إلى أوروبا.
تجميد الإنتاج الأمريكي
في خطوة مفاجئة، أمر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتجميد الموافقات على مشاريع جديدة للغاز الطبيعي المسال، محددًا بذلك توسع البنية التحتية للتصدير في إشارة إلى الناخبين المهتمين بقضايا المناخ قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى الرغم من ترحيب الجماعات البيئية بقرار بايدن، إلا أن أوروبا تشعر بالقلق المتزايد إزاء احتمال نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار، خاصة أنها راهنت بشكل كبير على الغاز الأمريكي في 2022.
وخلال محاولة للتعافي من الصدمة التي تسبب بها قطع روسيا لإمدادات الغاز، وبحسب ما أشارت بوليتيكو، فقد أنفقت دول الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات على البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك إنشاء محطات إعادة تحويل الغاز المسال إلى غاز قابل للاستخدام، كما وقعت الشركات الأوروبية عددًا كبيرًا من العقود قصيرة الأجل مع شركات الغاز الأمريكية، مما منحها مرونة أكبر في ظل انتشار مصادر الطاقة المتجددة، لكنه أيضًا جعل من الصعب ضمان أسعار منخفضة ومعرفة مصدر الطاقة على المدى البعيد.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، يُحذر خبراء الصناعة الآن من أن أوروبا قد تجد نفسها في وضع حرج إذا استمر تجميد إنتاج الغاز الأمريكي، مشيرين إلى أنه سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وعودة "الأسعار القياسية المرتفعة" التي سببها انخفاض الإمدادات الروسية.
المخاوف من الاعتماد المفرط على مصدر واحد
تثير هذه التطورات تساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا قد تخلصت فقط من اعتمادها غير المبرر على روسيا؛ لتقع في براثن الاعتماد قصير الأجل على الولايات المتحدة الأمريكية.
وحذرت المحللة آنا ماريا جالر-ماكاريويتش من معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، من أن "على أوروبا تجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة، بعد أن شهدت مخاطر المساس بأمن إمدادات الطاقة؛ بسبب الاعتماد الزائد على مصدر واحد."
وأضافت أن الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال لا يزال في ازدياد، مما يعني أن المخاطر المرتبطة باعتمادها على الولايات المتحدة لا تزال قائمة.
احتجاجات محلية مُتصاعدة
عبر المحيط الأطلسي، تحولت مناطق مثل بورت آرثر في ولاية تكساس إلى مصدر لتدفئة منازل أوروبا والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، بدلًا من اعتمادها على مناطق مثل سيبيريا في روسيا.
ويشير جون بيرد، أحد سكان بورت آرثر وعامل سابق في صناعة الوقود الأحفوري في حديثه مع بوليتيكو، إلى أن هذا التحول جلب معه مشاكل بيئية واجتماعية خطيرة.
فمن منزله، يمكن لبيرد رؤية اللهب المشتعل في السماء المظلمة، والذي ينبعث من المصانع البعيدة التي كان يعمل بها سابقًا، ويعتبر هذا التفريغ المستمر للغاز الزائد تذكيرًا دائمًا بالصناعة التي تهيمن على حياة بيرد وجيرانه، حيث يعيش واحد من كل أربعة أشخاص تحت خط الفقر، ومعدلات الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والرئة والأمراض المرتبطة بالصناعات الاستخراجية.
البحث عن بدائل طويلة الأمد
في محاولة للتخفيف من المخاوف الأوروبية، حث ممثلو الصناعات النفطية والغازية أوروبا على ضمان إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي المسال، لا سيما في ظل الضغوط لتقليص الاعتماد على الصادرات الروسية.
ويشير ناريك تيرزيان، المُتحدث باسم رابطة منتجي النفط والغاز الدولية لبوليتيكو، إلى وجود "فجوة بين الطلب المتوقع" بموجب توقعات الاتحاد الأوروبي الحالية "والإمدادات الفعلية التي نعرفها، إذا تم استبعاد روسيا."
ويجادل تيرزيان بأن "هذه هي الفجوة في الإمدادات التي يجب سدها، لذلك من المهم للغاية أن تتمكن أوروبا من ضمان الحصول على الكميات اللازمة من الولايات المتحدة."
ومع ذلك، يرى البعض أن التركيز الحصري على الغاز الطبيعي المسال ليس حلًا طويل الأمد، فقد حذّر جون أرديل، نائب رئيس شركة إكسون موبيل، من أن "إعادة توجيه الغاز الطبيعي المسال وبناء محطات إعادة الغاز ليست حلولًا طويلة الأجل".
وبدلًا من ذلك، يدعو خبراء المناخ إلى التركيز على تطوير مصادر الطاقة المتجددة كبدائل طويلة الأمد للغاز الطبيعي. وتقول استر بولندورف، خبيرة سياسات الغاز في شبكة العمل المناخي الأوروبية: "نرى احتجاجات الصناعة، لكننا نعتقد أنها مبالغ فيها كثيرًا"، مُشيرة إلى أن استهلاك أوروبا للغاز انخفض بنسبة 20% منذ الحرب الروسية الأوكرانية، في حين تواصل القارة زيادة قدراتها من الطاقة المتجددة.