في مشهدٍ مألوفٍ يكشف حجم الخداع والكذب الذي يمارسه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشكل عام في سياسته العامة، وبالأخص تجاه المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، سادت حالة من الشك لدى هؤلاء المستوطنين المتطرفين تجاه سياسة الحكومة الإسرائيلية، بعد أن كشف تقرير لموقع "واللا" العبري عن مجموعة جديدة من الأكاذيب التي أطلقها نتنياهو، حول مصير مستوطناتهم في شمال الضفة الغربية المحتلة.
وبعد سنوات من الخداع والالتفاف على تطلعاتهم بشأن التوسع الاستيطاني، أدرك المستوطنون حقيقة أن أرواحهم لا تساوي شيئًا أمام مصالح نتنياهو السياسية، وأنه لا يكترث إلا بقدر ما يخدم أهدافه الانتخابية قصيرة النظر.
نتنياهو يعد بإدارة جديدة
في محاولة جديدة لإرضاء جماعات المستوطنين وكسب ودهم قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، ادعى نتنياهو في مؤتمر صحفي أنه سيؤسس إدارة جديدة لمعالجة احتياجات المستوطنين في الشمال، ومساعدتهم على العودة إلى مستوطناتهم التي تم إخلاؤها أخيرًا.
وقال نتنياهو في تصريحات نقلتها صحيفة "جلوب" العبرية: "بعد التشاور مع رؤساء المستوطنات في الشمال، سوف نؤسس إدارة توازي ما فعلناه في الجنوب، وسوف نعالج احتياجاتهم المدنية، وبكل تأكيد عودتهم إلى منازلهم".
وعود مخادعة
هذه ليست المرة الأولى التي يُطلق فيها نتنياهو وعودًا واهية للمستوطنين في محاولة لاستمالتهم وكسب تأييدهم السياسي، فقبل ثلاثة أشهر فقط، تعهد نتنياهو بتخصيص ميزانية ضخمة بلغت 3.5 مليار شيكل لإصلاح وتجديد البنية التحتية في المنطقة الشمالية من الضفة الغربية، مؤكدًا أن هذا المبلغ الطائل سيتم تحويله خلال أيام قليلة فقط.
وكشف تقرير موقع "واللا" العبري، فإن تلك الوعود لم تكن سوى مجرد هباء تُضاف إلى سلسلة طويلة من الأكاذيب والخدع التي اعتاد نتنياهو ممارستها على المستوطنين على مر السنين، فقد تبين أن الميزانية المزعومة البالغة 3.5 مليار شيكل لم يتم تخصيصها أصلًا في موازنة العام الحالي 2024، وأنه حتى هذه اللحظة لا توجد أي ميزانية محددة لبرنامج إعادة إعمار وتجديد المنطقة الشمالية، حسب ما أكده الموقع بعد إجراء اتصالات متكررة مع إدارة الموازنة في الحكومة الإسرائيلية.
"يوم الدخان الأبيض" بلا حلول حقيقية
بدلًا من ذلك، كشف التقرير أن مكتب نتنياهو سيعقد اجتماعا أُطلق عليه اسم "يوم الدخان الأبيض" لمناقشة ما يسمى "خطة الشمال" التي من المفترض أن تطرح حلولًا للأوضاع الراهنة في المنطقة الشمالية والتحديات المستقبلية هناك، في حين أشار التقرير إلى أن هذه الخطة تفتقر للتمويل المناسب، إذ من المتوقع أن تحاول وزارة الشؤون الخارجية الحصول على ميزانية الخطة من وزارات حكومية أخرى "حسب رغبتها" فقط.
ويحذر التقرير من أن أقرب الافتراضات، هي أن تكون المبالغ التي ستحول لتنفيذ "خطة الشمال" أقل بكثير مما تعهد به نتنياهو، وذلك في حال تم تحويل هذه المبالغ من الأساس، مما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية لا تولي أهمية حقيقية لمعالجة مشاكل المستوطنين، وأن وعود نتنياهو لم تكن سوى محاولة لخداعهم مرة أخرى.
ردود فعل غاضبة للمستوطنين
أثارت هذه التطورات المثيرة للقلق واستمرار تكرار أكاذيب نتنياهو، غضب قادة المستوطنات الذين اتهموه مرة أخرى بالكذب والخداع والتنصل من وعوده. فقد قال ديفيد أزولاي، عمدة مستوطنة "المطلة" شمال فلسطين المحتلة في مقابلة مع إذاعة "راديو الشمال"، معبرًا عن غضبه الشديد: "ليس هناك مدير على الإطلاق.. طلبنا مقابلة رئيس الوزراء، وهو لا يرانا على الإطلاق، قال إنه تحدث إلينا عن تأسيس الإدارة، وسوف أقول بلطف إنه لا يقول الحقيقة".
ووصف "أزولاي" حديث نتنياهو حول إنشاء إدارة جديدة للمستوطنات الشمالية بأنه "كذبة فادحة"، مُضيفًا أن رئيس الوزراء لم يتحدث مع أي من رؤساء السُلطات الثماني التي أُجليت مناطقها في الشمال. وقال: "سألنا المجموعة الداخلية، الأحد، إذا كان رئيس الوزراء تحدث إلى أي من رؤساء السُلطات الثماني التي أُجليت مناطقها، وهو لم يتحدث إلى أي منهم. فتلك كذبة فادحة".
من جانبه، أبدى موشيه دافيدوفيتش، رئيس مجلس ميتا آشر الإقليمي، ورئيس منتدى خط الصراع، غضبه هو الآخر من تصريحات نتنياهو الكاذبة. وقال دافيدوفيتش بحسب ما نقلت صحيفة "جلوب" العبرية: "لا أعرف أية إدارة كان يتحدث عنها رئيس الوزراء أمس. قبل 24 ساعة فقط، أبلغني مكتب رئيس الوزراء أنه ليست هناك أية نية" لإنشاء مثل هذه الإدارة.