أشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن روسيا كثفت جهودها عبر الإنترنت لعرقلة التمويل العسكري لأوكرانيا في الولايات المتحدة وأوروبا، عن طريق استخدام تقنيات يصعب تتبعها، لتضخيم الحجج المؤيدة للانعزالية قبل الانتخابات الأمريكية، وفقًا لخبراء التضليل وتقييمات الاستخبارات.
وفي الأيام الأخيرة، حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية من أن روسيا "وجدت طرقًا أفضل لإخفاء عمليات نفوذها"؛ بينما أصدرت وزارة الخزانة، الأسبوع الماضي، عقوبات ضد شركتين روسيتين، زعمتا إنهما تدعمان حملة الكرملين.
ويلفت التقرير إلى أن العمليات المتصاعدة، التي زعمت أن من يديرها مساعدون للرئيس فلاديمير بوتين ووكالات الاستخبارات العسكرية الروسية، تأتي في لحظة حرجة وسط النقاش الدائر في الولايات المتحدة حول دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وأضاف أنه "في حين أن معارضة المساعدات الإضافية -لأوكرانيا- ربما بدأت من دون النفوذ الروسي، فإن الكرملين يرى الآن فرصة".
تزييف الأخبار
نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين وباحثين مستقلين قولهم إن العملاء الروس "يضعون الأساس لما يمكن أن يكون دفعة أقوى لدعم المرشحين الذين يعارضون مساعدة أوكرانيا، أو الذين يدعون إلى انسحاب الولايات المتحدة من الناتو والتحالفات الأخرى".
ويقول المحققون إن الشركات العاملة في شبكة"Doppelgänger" ووكالات الاستخبارات الروسية، تستخدم التقنيات لـ "تكرار وتشويه المواقع الإخبارية المشروعة"، من أجل تقويض المساعدات المستمرة لأوكرانيا.
يقول التقرير: "هذه التقنيات خفية، وأكثر مهارة بكثير مما حاولت روسيا فعله في عام 2016، عندما اختلقت منشورات أو تغريدات على فيسبوك بأسماء أمريكيين غير موجودين، واستخدمتها لتأجيج الاحتجاجات حول الهجرة أو غيرها من القضايا الساخنة".
وأشار التقرير إلى أن موقع "Doppelgänger" -المزعوم ارتباطه بشكل فضفاض بموسكو- يقوم بإنشاء نسخ مزيفة من مواقع إخبارية حقيقية في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، من بين دول أخرى.
وأضاف أنه "غالبًا ما يتم الترويج لمواقع الويب المرتبطة بوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU)".
كما زعم التقرير أن الرئيس بوتين أعطى المسؤولية عن عدد متزايد من عمليات التأثير إلى ضابط رئيسي، هو سيرجي كيرينكو، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين.
لذا، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، الأربعاء الماضي، عقوبات على الأشخاص المرتبطين بعمليات كيرينكو.
كما حدد الباحثون في شركة Alethea، وهي شركة لمكافحة التضليل، مجموعة تابعة لـ GRU تستخدم تقنيات يصعب اكتشافها، لنشر رسائل مماثلة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أكد تقرير صادر عن الشركة التقييم الأخير لوكالات الاستخبارات الأمريكية، الذي قال إن روسيا "ستواصل إخفاء أيديها بشكل أفضل أثناء قيامها بعمليات التأثير".
ومع ذلك، يشير المسؤولون الأمريكيون إلى أن هذه الأساليب تجعل تحديد العمليات الروسية أمرًا صعبًا.
العمليات الروسية
في انتخابات عام 2016، نشرت "وكالة أبحاث الإنترنت"، وهي مزرعة متصيدين روسية شنت حرب معلومات ضد الولايات المتحدة، آلاف المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، متظاهرة أنها من أمريكيين.
وبحلول انتخابات عام 2020، تعلمت وكالة الأمن القومي الأمريكي كيفية تعطيل العمليات داخل روسيا.
وبينما تحركت موسكو لإغلاق وكالة أبحاث الإنترنت بعد أن قام مؤسسها وقائد مجموعة "فاجنر" الراحل، يفجيني بريجوجين، بتمرد ضد الجيش الروسي العام الماضي، يظل المنتسبون إلى المجموعة نشطين.
لكن المسؤولين والخبراء الأمريكيين يقولون إن هذه الوكالة لم تعد تمثل جهد النفوذ الروسي الرئيسي، حيث تخضع الجهود الأخيرة لسيطرة الكرملين بشكل مباشر.
وحتى الآن، لا تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أن الكرملين قد بدأ جهوده الكاملة للتأثير.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه "من المحتمل أن يتحول بوتين، في مرحلة ما، من الرسائل المناهضة لأوكرانيا، إلى التأثير على العمليات التي تدعم بشكل مباشر ترشيح الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب".
وقال مسؤولون وخبراء إنه "من غير المرجح أن يأمر بوتين ببذل جهد كبير في الانتخابات الرئاسية -الأمريكية- إلا بعد انتهاء مؤتمرات الحزب الجمهوري هذا الصيف".
دعم ترامب
بعد انتخابات عام 2016، ناقش الديمقراطيون والجمهوريون ما إذا كان الرئيس الروسي بوتين يريد خلق الفوضى بين الناخبين الأمريكيين، أو دعم الرئيس السابق دونالد ترامب بقوة.
وخلصت وكالات الاستخبارات الأمريكية في تلك الانتخابات، وفي عام 2020، إلى أن روسيا سعت إلى دعم ترامب.
وتعتقد الاستخبارات الأمريكية أن الحكومة الروسية تؤيد مرة أخرى انتخاب ترامب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى شكوكه بشأن المساعدات المقدمة لأوكرانيا.
لكن من غير المعروف إلى أي مدى ستدعم عمليات النفوذ الروسية بشكل واضح ترامب، أو تشوه سمعة بايدن، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.
وفي تقييمها السنوي للتهديدات، قالت وكالات الاستخبارات الأمريكية إن روسيا تحاول زرع بذور الشقاق بين الناخبين في الولايات المتحدة وحلفائها في مختلف أنحاء العالم، وإن الحرب في أوكرانيا "سوف تستمر في الظهور بشكل كبير في رسائلها".
وجاء في التقرير أن "موسكو تنظر إلى الانتخابات الأمريكية على أنها فرصة، وقامت بعمليات لبسط النفوذ على مدى عقود".
أيضًا، لفت إلى أن "روسيا تفكر في كيفية تأثير نتائج الانتخابات الأمريكية في عام 2024 على الدعم الغربي لأوكرانيا، وربما ستحاول التأثير على الانتخابات بطرق تدعم مصالحها وأهدافها على أفضل وجه".
لذلك من المرجح أن تكون روسيا القوة الأجنبية الأكثر نشاطًا التي تسعى للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على الرغم من أن الصين وإيران كثفتا جهودهما أيضًا، حسب مزاعم الاستخبارات الأمريكية.