في رحلة دبلوماسية مهمة، يصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى البرازيل اليوم الثلاثاء، حاملًا معه أجندة اقتصادية واعدة ورغبة في إعادة إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد فترة من الجمود، خلال حكم الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، إذ على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية بين ماكرون ونظيره اليساري لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، إلا أن الزعيمين يشتركان في رؤية مشتركة لإحياء التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بين باريس وريو دي جانيرو.
عهد الجديد في العلاقات الفرنسية البرازيلية
تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للبرازيل في توقيت مهم، إذ تشير صحيفة بوليتيكو الأمريكية إلى أن باريس تسعى لإعادة إحياء علاقاتها مع ريو دي جانيرو بعد فترة جمود خلال حقبة الرئيس السابق جايير بولسونارو. ففي أول زيارة رسمية له إلى دولة في أمريكا الجنوبية، يرغب ماكرون في تعويض الوقت الضائع والمضي قدمًا نحو آفاق جديدة للتعاون الثنائي بين البلدين.
يحمل ماكرون في جعبته أجندة اقتصادية طموحة، حيث سيرافقه حوالي 120 ممثلًا عن شركات فرنسية كبرى وشركات ناشئة في مجال التكنولوجيا الخضراء.
ويأمل الرئيس الفرنسي، الذي كان في السابق بنكيرًا ومستثمرًا، في دفع عجلة الاستثمارات الفرنسية في البرازيل، خاصة في القطاعات الخضراء والمستدامة التي تتماشى مع أولويات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.
تحالف بيئي في بيلِم الخضراء
وأوضحت الصحيفة أن المحطة الأولى في جدول أعمال ماكرون ستكون هي مدينة بيلِم الاستوائية، والتي تعتبر رمزًا لطموحات البرازيل في أن تصبح قوة خضراء عالمية وهناك، سيلتقي ماكرون ولولا لبحث سبل تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، كما ستستضيف بيلِم مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 30" العام المقبل، في خطوة تعكس التزام البرازيل بالتحول الأخضر.
لكن لن يكون من السهل على ماكرون ولولا تحقيق تقدم ملموس في جهودهما للتحول نحو اقتصاد أكثر اخضرارًا، فالبرازيل تواجه تحديات هائلة في الحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري والحفاظ على غاباتها الاستوائية، في حين أن فرنسا تكافح من أجل تنفيذ أجندتها للانتقال إلى الطاقة النظيفة في وجه معارضة من قطاع الصناعة والمزارعين.
عقبات في الطريق
على الرغم من ذلك، لا تزال هناك بعض العقبات التي تعترض طريق الزعيمين نحو تحقيق تعاون أوثق، فعلى الصعيد الدولي، تختلف مواقفهما بشكل كبير حيال قضايا مثل الحرب في أوكرانيا والأزمة الإنسانية في غزة.
فبينما تدعم فرنسا كييف بقوة وتنتقد سياسات إسرائيل، أعلن لولا حيادية البرازيل في الصراع الأوكراني، كما وصف الأوضاع في غزة بأنها "إبادة جماعية".
اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي
كذلك، لا تزال اتفاقية التجارة الحرة المثيرة للجدل بين الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة مِركوسور (التي تضم البرازيل) عالقة، حيث عارضها ماكرون بشدة في السابق تحت ضغط المزارعين الفرنسيين.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الفرنسيين أشاروا إلى أن الاتفاقية لن تكون موضوعًا للنقاش خلال الزيارة، إلا أن دبلوماسيين من دول مِركوسور يتوقعون أن تكون أمرًا لا يمكن تجاهله.
توسيع آفاق التعاون الدفاعي
إلى جانب الأجندة الاقتصادية، ستوفر الزيارة أيضًا فرصة لماكرون ولولا لعرض التعاون الدفاعي بين البلدين، إذ بنت البرازيل بالفعل غواصتين عسكريتين لأسطولها البحري باستخدام التكنولوجيا المنقولة من شركة النافال الفرنسية.
وسيزور الزعيمان يوم الأربعاء الغواصة الثالثة في قاعدة إيتاجواي البحرية بالقرب من ريو دي جانيرو.
دور فرنسا في المحافل الدولية
بالإضافة إلى ذلك، يسعى ماكرون إلى تقديم فرنسا كحليف نافذ في المفاوضات الاقتصادية الدولية الرئيسية، مثل الضرائب العالمية العادلة وإصلاح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تشعر البلدان النامية كالبرازيل بأنها ممثلة تمثيلًا ناقصًا.
ومن المتوقع أن يحاول الزعيم الفرنسي كسب دعم لولا لرؤيته قبل عودته إلى البرازيل في نوفمبر؛ لحضور قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، والتي تترأسها البرازيل هذا العام.
محاربة عدم المساواة على رأس الأولويات
وتعد محاربة عدم المساواة وفرض ضرائب على الأثرياء من أولويات لولا، الذي يتزامن تولّيه الرئاسة مع رئاسة البرازيل لمجموعة العشرين هذا العام.
وقد أرسل ماكرون بالفعل إشارات إيجابية في هذا الاتجاه، حيث أيّد وزير ماليته برونو لومَير اقتراح البرازيل بفرض ضريبة عالمية موحدة على الأثرياء في اجتماع لوزراء مالية مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو الشهر الماضي.
تقارب المواقف رغم الخلافات
على الرغم من الخلافات بين الزعيمين حول عدد من الملفات الدولية، إلا أن الخبير في شؤون أمريكا اللاتينية، جاسبار استرادا، يرى أن "لدى ماكرون ولولا رؤية للعالم ليست بالضرورة متطابقة، لكنهما يقومان في الوقت نفسه بخطوات نحو بعضهما البعض".
ويشير إلى الرغبة المشتركة للبلدين في تعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي كعامل أساسي قد يقرب وجهات النظر في النهاية.