تأتي جولة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى منطقة الشرق الأوسط 20-22 مارس 2024، التي زار خلالها كل من السعودية ومصر وإسرائيل، إذ تُعد السادسة له منذ عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، في إطار المساعي الأمريكية إلى وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الأمريكية قبيل الجولة فإن بلينكن يتطرق للجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق فوري لوقف إطلاق النار في غزة، بما يضمن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، كما يناقش كيفية إنهاء هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، كما أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، إلى أن بلينكن سيتطرق في جدة والقاهرة لجهود الوساطة المصرية التي تجريها مصر وقطر بين حركة حماس وإسرائيل، فضلًا عن الجهود المبذولة لتوصيل المساعدات إلى غزة.
فعاليات الجولة
شكلت السعودية المحطة الأولى في جولة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إذ التقى الأمير محمد بن سلمان، 20 مارس 2024، بمدينة جدة، ووفقًا لوكالة الأنباء السعودية (واس)، جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية، ومجالات التعاون المشترك، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها التطورات بغزة ومحيطها، والجهود المبذولة لوقف العمليات العسكرية والتعامل مع تداعياتها الأمنية والإنسانية، وجاءت مصر المحطة الثانية في الجولة، إذ التقى بلينكن الرئيس عبدالفتاح السيسي، 21 مارس 2023، ووفقًا للمتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، فإن اللقاء تناول الأوضاع الراهنة في قطاع غزة، وشدد الرئيس على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، مُشيرًا إلى ما يتعرض له القطاع وسكانه من كارثة إنسانية ومجاعة تهدد حياة المدنيين الأبرياء، ومُحذرًا من العواقب الخطيرة لأي عملية عسكرية بمدينة رفح الفلسطنية، كما شدد الرئيس السيسي على ضروة التحرك العاجل لإنفاذ الكميات الكافية من المساعدات الإنسانية للقطاع، مؤكدًا ضرورة فتح آفاق المسار السياسي، من خلال العمل المكثف لتفعيل حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وجاءت إسرائيل المحطة الثالثة في جولة بلينكن، إذ التقى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزراء حكومة الحرب، 22 مارس 2024، وناقش بلينكن في الاجتماع - وفق تقارير إعلامية - جهود التوصل لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، كما بحث إمكان تحقيق هدنة دائمة وسبل زيادة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
سياقات معقدة
تأتي جولة بلينكن السادسة في ظل سياقات أمريكية داخلية، وإقليمية ودولية معقدة، إذ تزامنت تلك الجولة مع واقع تلك السياقات وأهمها:
(*) التنافس الانتخابي بين بايدن وترامب: نجح كل من الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، في تأمين العدد اللازم من أصوات مندوبي الحزبين الديمقراطي والجمهوري 12 مارس 2023، لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، 5 نوفمبر 2024، بذلك يتكرر المشهد الانتخابي لعام 2020 بين بايدن كمرشح للحزب الديمقراطي، وترامب كمرشح للحزب الجمهوري، وهو التنافس الثنائي الذي ربما تظهر استطلاعات الرأي عدم رغبة قطاع من الناخبين في تكراره. لذلك تسعى الإدارة الأمريكية الحالية برغم انحيازها المطلق إلى إسرائيل إلى تحقيق أي مكاسب سياسية من توظيف دور لها يُسهم في وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين يستخدم كورقة انتخابية، لمواجهة ترامب الذي يتمتع بقاعدة ثابتة من الناخبين تجعل فرصه في الفوز محتملة، لا سيما في ظل الأزمات الصحية التي يعانى منها بايدن وتقدمه في السن حيث يبلغ 81 عامًا، ووصفه تقرير المحقق الخاص روبرت هور، الصادر فبراير 2024 بأنه رجل مُسن وذو ذاكرة ضعيفة.
(*) الإخفاق الأمريكي في مجلس الأمن: تزامنت جولة بلينكن السادسة إلى منطقة الشرق الأوسط مع إخفاق الولايات المتحدة الأمريكية في تمرير مشروع قانون بمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة، الذي قال عنه أنتوني بلينكن خلال زيارته إسرائيل كمحطة ثالثة لجولته بعد السعودية ومصر، "إن القرار حصل على دعم قوي للغاية، لكن روسيا والصين اعترضتا عليه". وصوّت لصالح القرار 11 دولة فى حين رفضته 3 دول روسيا والصين ولهما حق النقض "الفيتو" إضافة إلى الجزائر كعضو غير دائم بالمجلس، في حين امتنعت دولة غويانا عن التصويت. ونص مشروع القرار الأمريكي على أن وقف إطلاق النار أمر حتمي لحماية المدنيين، لكنه لم يطالب بوقف القتال الفوري، في حين نادى بتوسيع دخول المساعدات التي يتم توزيعها على أكثر من 2 مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة. وبرر سفير روسيا لدي الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، انتقاده واعتراض روسيا على المشروع الأمريكي بوصفه بأنه مبادرة منافقة وصياغة مخففة في ما يتعلق بوقف إطلاق النار، إذ لا يتعرض لضرورة إنقاذ حياة الفلسطينيين المدنيين، مؤكدًا أن مسودة القرار تمت صياغتها لمراعاة المصالح السياسية الأمريكية، وضمان إفلات إسرائيل من العقاب، ويمنحها ضوءًا أخضر فعالًا لشن عملية عسكرية في رفح، لكونه يخدم مصالح الإدارة الأمريكية الانتخابية.
(*) مطالب أوروبية بوقف إطلاق النار في غزة: تزايدت المطالب الأوروبية بضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، 17 مارس 2024، إلى اتفاق سريع لوقف إطلاق النار، بما يؤدى إلى تحرير المحتجزين والسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة التي تواجه مجاعة، وهو أمر لا يمكن قبوله، كما تزامنت تلك المطالب بدعوات مماثلة للمستشار الألماني أولاف شولتس، دعا فيها إلى التوصل لاتفاق حول المحتجزين وإلى وقف دائم لإطلاق النار، عقب اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب.
تناقض أمريكي
تعكس حصيلة جولات أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الست إلى منطقة الشرق الأوسط إخفاق الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة، وهي الحرب التي أدت إلى سقوط ما يزيد على 31 ألف شهيد فلسطيني، وجرح ما يزيد على 71 ألف وتدمير كامل للبنية الأساسية لقطاع غزة، وتشريد ما يزيد على 2 مليون فلسطيني أصبحوا نازحين بعيدًا عن أماكن إقامتهم التي هدمتها آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة، كما أن نتائج تلك الجولات عكست التناقض في الموقف الأمريكي ما بين التصريحات والسلوك على أرض الواقع، الذي تعكسه المؤشرات التالية:
(*) مساندة إسرائيل: تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ يكرر وزير الخارجية الأمريكي تلك الدعوات في المحافل واللقاءات التي يعقدها سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها للتعليق على ما يحدث في غزة، إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يوقع الأوامر لتزويد إسرائيل بالأسلحة، إذ زودت الإدارة الأمريكية إسرائيل بأكثر من 25 ألف طن من الذخيرة والمعدات حتى نهاية فبراير 2024. كما اعتمد الكونجرس الأمريكي مساعدات إضافية لإسرائيل تقدر بـ14 مليار دولار.
(*) تعليق الولايات المتحدة لتمويل الأونروا: برغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تنادى بضرورة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، أبرزها التصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن اللذان يطالبان بتسهيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة ، إلا أن السوك الأمريكي يتنافى على أرض الواقع مع تلك التصريحات، حيث اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا بتعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهى إحدى المؤسسات المؤثرة في العمل الإغاثي والإنساني للاجئين الفلسطينيين بالداخل والخارج، وتعتبر الولايات المتحدة أكبر المانحين لأنشطة الوكالة وهو ما سينعكس على أداء الوكالة وأنشطتها في ظل ظروف معيشية وإنسانية صعبة يمر بها الفلسطينيين.
(*) الموقف من نتنياهو: يعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه محبط من صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعنصريته وتطرفه وفق تصريحات له، في حين تحدث معه هاتفيًا 20 مرة، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، التي تشكل حملة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة.
مجمل القول: إن الجولة السادسة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في منطقة الشرق الأوسط بقدر ما تعكس الرغبة الأمريكية المعلنة في أهمية وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بهدف استعادة الاستقرار بالمنطقة ومنع تمدد الصراع وانتشار رقعته، بقدر ما تعكس أيضًا الإخفاق الأمريكي في الضغط على إسرائيل، لوقف الحرب باعتبار أنها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، التي تضمن أمن إسرائيل وتمدها بالسلاح وتستخدم حق النقض (الفيتو) لوقف كل مشروعات القوانين داخل مجلس الأمن الرامية إلى إدانتها. وهو ما يعني أن وقف الحرب الإسرائيلية على غزة سيظل مرهونًا بإرادة الولايات المتحدة، واتخاذها إجراءات نافذة تجبر إسرائيل على الانصياع لإرادة المجتمع الدولي، التي تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة، وحل الدولتين ورفض تهجير الفلسطينيين داخل أو خارج أراضيهم. وهي الإرادة التي يبدو أنها لم تتوفر حتى الآن.