الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف ينعكس لقاء "بلينكن" و"شي جين بينج" على التوترات الأمريكية الصينية؟

  • مشاركة :
post-title
لقاء "بلينكن" و"شي جين بينج"

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

اختتم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الاثنين 19 يونيو زيارة إلى بكين استمرت ليومين التقى خلالها بالرئيس الصيني شي جين بينج، وكبير الدبلوماسيين وانج يي ووزير الخارجية تشين جانج. وقبل اللقاء قلل الجانبان من إمكانية حدوث اختراق كبير في العلاقات التي تدهورت في أعقاب مزاعم تجسس الصين على البر الرئيسي الأمريكي وتهديد هيمنة واشنطن في حديقتها الخلفية.

وفيما تصاعد التوتر بين الجيشين الأمريكي والصيني في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان، خففت الولايات المتحدة من حدة انتقاداتها لسياسة الصين سعيًا لإقامة قنوات اتصال مستدامة بين البلدين وتجنب سوء الفهم أو التقدير.

وفي ضوء ما تقدم؛ يتناول التحليل التالي محددات سياسة القوتين العظميين في إدارة التنافس الاستراتيجي وانعكاساتها المحتملة على النظام العالمي.

محددات حاكمة:

أظهرت المباحثات "الصريحة والبناءة" والمعمقة التي استمرت لأكثر من 10 ساعات بين وزير الخارجية الأمريكية وكل من كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي ووزير الخارجية تشين جانج، عن تحقيق تفاهمات مشتركة تعيد ضبط الخلافات وتوضيح الخطوط الحمراء لكلا الجانبين خشية وقوع "مفاجآت استراتيجية" حسبما حذر "وانج يي خلال لقائه المنفصل مع بلينكن الذي امتد لثلاث ساعات.

(*) تثبيت خطوط المواجهة: أسفرت التحولات الاستراتيجية التي شهدها العالم في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية عن محاولات فرض واقع جديد للتوازن بين القوة الصلبة لكل من الولايات المتحدة والصين، ففي خضم المساعي الأمريكية لاحتواء الصعود العسكري للصين عبر تعزيز التحالفات الأمنية والتواجد العسكري في بحر الصين الجنوبي وفي جنوب المحيط الهادئ، كثف جيش التحرير الشعبي الصيني إجراءات الردع والمناورات التي كادت تتسبب في صدام مباشر بين الجيشين في أكثر من مناسبة نتيجة لعدم وجود خط اتصال عسكري مباشر، وهو ما فشلت الزيارة في تحقيقه.

يعزز من ذلك الإشارات الإيجابية المحدودة من اللقاءات الثلاث، حيث لم تتضمن التصريحات حجم وطبيعة التفاهمات المشتركة التي توصل إليها الجانبان، وبصفة خاصة تصريحات الرئيس الصيني الذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس اللجنة العسكرية المركزية بالحزب الشيوعي الحاكم والذي لم يستمر لقائه مع بلينكن سوى 35 دقيقة، كما أعاد اللقاء تلك التفاهمات إلى لقاء زعيمي البلدين في بالي الإندونيسية على هامش قمة مجموعة العشرين.

ويشير ذلك إلى أن الزيارة وإن أسهمت في تجاوز الجمود إلا أنها تنتظر تفاهمًا استراتيجيًا بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينج، ففيما أكد الرئيس شي احترام بلاده لمصالح الولايات المتحدة وعدم تطلعها لتحدي واشنطن أو الحلول مكانها في مركز النظام العالمي، أشار إلى أن بكين تنتظر من الجانب الأمريكي احترام مصالحها وأمنها القومي وعدوم تجاوز المصالح الجوهرية في استعادة تايوان.

وفي المقابل أشاد بلينكن بدور الصين في جهود حل الأزمة الروسية الأوكرانية وأكد تعهد بكين بعدم دعم موسكو عسكريًا، وجدد التزام واشنطن بمبدأ الصين الواحدة ورفض استقلال تايوان.

وتؤشر الزيارة إلى أن العلاقات بلغت أقصى حد من التدهور في أعقاب مزاعم التجسس الصيني على البر الرئيسي الأمريكي منذ فبراير الماضي حينما أسقط الجيش الأمريكي منطادًا صينيًا اخترق الأجواء الأمريكية، قبل أن تتهم وسائل الإعلام الأمريكية الصين بتأسيس منشآت تجسس في كوبا على بعد نحو 160كم قبالة ولاية فلوريدا، وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في 20 يونيو الجاري نقلًا عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين أن مفاوضات جارية بين بكين وهافانا حول بناء منشأة عسكرية مشتركة للتدريب، مما يعزز المخاوف من تأسيس وجود عسكري صيني دائم قرب الأراضي الأمريكية.

(*) تقليل مخاطر الصراع: كشفت أزمة سقف الدين الأمريكي عن حجم ارتباط الصين بالاقتصاد الأمريكي نتيجة استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية، ويمثل التبادل التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والصين صمام أمان للاقتصاد العالمي والذي سجل 690 مليار دولار في 2022، وهو ما يعزز من إدراك الجانبين لأهمية تعزيز التجارة بينهما رغم التنافس الاستراتيجي ودعوات فك الارتباط، على وقع مؤشرات التباطؤ الاقتصادي الصيني خلال شهر مايو في مختلف القطاعات وفق بيانات مكتب الإحصاء الوطني الصيني وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب (16 : 24 عام) في المناطق الحضرية لأكثر من 20%.

وفي المقابل يعزز استقرار العلاقات مع الصين من فرص بايدن في إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، بالتزامن مع توقع الاقتصاديين لركود مرتقب في الاقتصاد الأمريكي وهو ما قد يعطي فرصة لبايدن في إعادة اقتصاد بلاده لمساره الطبيعي، خاصة إذا نجح في مكافحة التضخم وتحقيق سيناريو الهبوط الآمن قبل خوض انتخابات 2024.

وأظهر أكبر اقتصاد في أوروبا مؤشرات مقلقة بعدما كشف مكتب الإحصاء الألماني عن انكماش الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 0,3%.

وكان للتوترات الجيوسياسية ومخاوف "فك الارتباط" الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين فضلًا عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، الأثر الأكبر على التجارة العالمية، وأسهمت العقوبات الأمريكية على روسيا في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية وتشديد السياسات النقدية الأمريكية في الإضرار بالاقتصادات الناشئة ودفعتها للتحرر التدريجي من التعامل بالدولار الأمريكي في المبادلات التجارية بين دول رابطة الآسيان ودول تجمع البريكس.

وفي هذا الصدد يتطلع البلدان للتعاون في القضايا الدولية وعلى رأسها الحد من الانتشار النووي ومواجهة تغير المناخ وتعزيز الاستجابة العالمية للجوائح والأزمات الصحية وضمان الأمن الغذائي العالمي.

وإجمالًا؛ أكدت زيارة أنتوني بلينكن إلى الصين على حقيقتين حاكمتين للعلاقات الصينية الأمريكية، أولهما أن العلاقات في أدنى مستوياتها وأن أي محاولات لتغيير الوضع القائم سيسهم في تفجر النزاعات ليس فقط في جوار الصين، وإنما كذلك في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، ثانيهما أن كلا البلدين بحاجة للتحوط من تحركات الطرف الآخر، ومن ثم؛ هناك ضمانات ضرورية بحاجة لمستوى أعلى من التوافق بين زعيمي البلدين.

كما تشير إلى ثلاث نتائج مهمة بشأن مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية أولها؛ أن هناك تفاهمًا صينيًا أمريكيًا حول ضبط الصراع الروسي الأوكراني ورفض قطعي لاستخدام الأسلحة النووية، وثانيها؛ أن الصين ترغب في التعامل بندية مع الجانب الأمريكي وترغب في فرض واقع جديد يحقق التوازن بينها وبين الولايات المتحدة وهو ما يظهر في التلويح بخلق "مفاجآت استراتيجية" في حال تزايد الضغوط الأمريكية والغربية في مسألة تايوان، وثالثها؛ أن التنافس الاقتصادي والعسكري والصراع التكنولوجي ستظل ميدانًا لاختبار قدرات كل طرف وميزة نسبية يمكن من خلالها إجبار الطرف الآخر للجلوس على الطاولة لتقديم تنازلات في أي من الملفات الدولية شريطة الالتزام بضبط إيقاع التفاعلات ومنع انفجار الصراع.