لم يكد يهدأ صدى إطلاق النار وانفجارات القنابل اليدوية، مساء أمس الجمعة، في قاعة "كروكوس سيتي" للحفلات الموسيقية في ضاحية "كراسنوجورسك" شمال العاصمة الروسية موسكو، حتى بدأ المسؤولون الروس والأوكرانيون في تبادل الاتهامات.
هكذا، حذّر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، الذي لم يتراجع عن إلقاء اللوم على أوكرانيا والغرب، في قناته على تطبيق تليجرام من أن أوكرانيا "ستدفع ثمنًا باهظًا إذا كان لها يد في الهجوم".
وكتب ميدفيديف: "إذا ثبت أن هؤلاء إرهابيون تابعون لنظام كييف، فيجب العثور عليهم جميعًا وتدميرهم بلا رحمة باعتبارهم إرهابيين".
وأضاف أن "الممثلين الرسميين للدولة -الأوكرانية- لن يكونوا محصنين".
فيما ردت كييف على موسكو، إذ اتهمت وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية HUR أجهزة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتدبير الحادث، قائلة إنه "استفزاز متعمد" يهدف إلى تبرير "هجمات أكثر صرامة على أوكرانيا".
وحذرت وكالة الاستخبارات الأوكرانية من أن "الإعدام العلني للأشخاص في موسكو يجب أن يُفهم على أنه تهديد بوتين بتصعيد أكبر وتوسيع نطاق الحرب".
وأضافت الوكالة أن بوتين "يتمتع بخبرة واسعة في تنظيم مثل هذه الهجمات الإرهابية لتعزيز سلطته".
وظل كلا الجانبين مصممين على ترسيخ وجهة نظره، باعتبارها المهيمنة، حتى إعلان فرع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش - خراسان" مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي.
استخدام الهجوم
في أول بيان علني له عن الهجوم، قال الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، في بث مباشر إن المهاجمين فروا من مكان الحادث وكانوا "متوجهين نحو أوكرانيا".
وأضاف: "تم العثور على الجناة الأربعة واحتجازهم. وحاولوا الاختباء واتجهوا نحو أوكرانيا، حيث سبق أن أعد لهم مخرج لعبور الحدود".
لذا، يرى محللون غربيون أنه على الرغم من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن المذبحة، إلا أنه من المرجح أن تستمر الحكومة الروسية في الإشارة إلى تورط أوكرانيا بطريقة أو بأخرى.
وأشار سام جرين، المحلل في مركز تحليل السياسة الأوروبية، في منشور على موقع إكس، إلى أنه "بعد فشله في منعه، من المرجح أن يبحث الكرملين عن طريقة لاستخدامه، وهو ما قد يعني إلقاء اللوم على أوكرانيا"، محذرًا من أن "حقيقة أن الكرملين سيستخدم الهجوم لأغراض سياسية لا تعني أنه كان عِلمًا زائفًا".
ووصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الاتهامات الروسية بأنها "استفزاز مخطط له من قِبل الكرملين لمزيد من تأجيج الهستيريا المناهضة لأوكرانيا في المجتمع الروسي"، وذلك "بهدف تشويه سمعة أوكرانيا في أعين المجتمع الدولي"، بحسب بيان صادر عن الوزارة.
هجمات سابقة
جاءت التصريحات الأوكرانية لتشير بشكل ضمني إلى سلسلة الانفجارات التي وقعت عام 1999 في أربعة مبانٍ سكنية في مدن بويناكسك وموسكو وفولجودونسك الروسية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة ألف آخرين.
وأشعلت هذه الانفجارات حرب الشيشان الثانية، التي عززت شعبية رئيس الوزراء -آنذاك- فلاديمير بوتين، ما ساعد على اختيار بوريس يلتسين له لخلافته كرئيس لروسيا.
ولسنوات عديدة ظلت التساؤلات الجادة قائمة حول ما إذا كانت التفجيرات مجرد عمليات "علم زائف" نفذتها أجهزة الأمن الروسية من أجل تبرير حرب الشيشان.
ولكن تبادل الانتقادات اللاذعة بعد الهجوم بين موسكو وكييف توقف بإعلان تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي مسؤوليته عن المذبحة.
ويتشابه هجوم موسكو مع الهجوم الذي شنه التنظيم في عام 2015 على مسرح "باتاكلان" في العاصمة الفرنسية باريس، وهو الهجوم الذي خلّف 90 قتيلًا.
كما يحمل الحادث أوجه تشابه مع حصار مسرح "نورد أوست" عام 2002 في روسيا، عندما احتلت مجموعة من المسلحين الشيشان مسرحًا مكتظًا في شرق موسكو، وطالبوا بإنهاء حرب الشيشان الثانية.
وقتها، أدت عملية الإنقاذ التي قامت بها القوات الخاصة الروسية، باستخدام الغاز المنوم القاتل، إلى مقتل عدد من الرهائن يفوق عدد القتلى على يد المسلحين الإسلاميين.
الجماعات الشيشانية
لفتت صحيفة "بوليتيكو" إلى أن العديد من أعضاء الجماعة الانفصالية الإسلامية الشيشانية التي وقفت وراء الهجوم المسرحي، قد انتقلوا لاحقًا وانضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية " داعش"، في سوريا.
بدأ الشيشان في الوصول إلى سوريا ابتداءً من عام 2011، وكانوا يشكلون ثاني أكبر فرقة من المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية وكانت أعدادهم مرتفعة بشكل غير متناسب في فصيل القاعدة في سوريا.
وقد ارتقى العديد من الشيشان الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في القتال، ليصبحوا قادة في تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك "عمر الشيشاني" و"صلاح الدين الشيشاني"، وفقًا لدراسة أجراها نيل هاور ونشرها المجلس الأطلسي.
وقدرت أجهزة الأمن الروسية أن ما بين 1700 إلى 3000 شيشاني، انضم إليهم مسلحون آخرون من شمال القوقاز، ذهبوا إلى سوريا للقتال.
وحسب "بوليتيكو"، كان رجال الفصائل المناهضة للسلطة الحالية في سوريا "يشتبهون دائمًا في أن وكالات الاستخبارات الروسية سعيدة بتشجيعهم على الرحيل، ما يسهل عليهم الوصول إلى هناك من خلال منحهم جوازات سفر، للتخلص منهم ولتعطيل وتقسيم الجماعات المتمردة التي تقاتل حليف روسيا الرئيس السوري بشار الأسد".
واتهم المعارضون المناهضون للأسد أيضًا الحكومة السورية بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية لإضعافهم عندما كان ذلك يخدم أغراضًا عسكرية تكتيكية.
ورأت تحليلات غربية أن تنظيم "داعش" الإرهابي بدا في كثير من الأحيان في عامي 2015 و2016 أنه "يستفيد من التدخل الروسي"، ويشن هجمات ضد فصائل المعارضة المعتدلة عندما تستهدفها الضربات الجوية الروسية.
وحسب تحليل المراسل الاستقصائي جيمي تدمر، فقد لعبت دمشق وموسكو لعبة مزدوجة معقدة، عبر استخدام الجهاديين للعمل كطابور خامس، والتخطيط لهم لتخريب الثورة ضد الأسد بشكل فعّال وتصويرها على أنها متطرفة.
لذا، في مايو 2015، دفعت السهولة التي تمكن بها التنظيم من الاستيلاء على مدينة "تدمر" الأثرية في سوريا، بعض المراقبين العسكريين إلى التكهن بأن الأسد وروسيا "تعمدا التخلي عن الموقع -بآثاره الفريدة وآثاره وكنوزه القديمة التي لا يمكن تعويضها- لكسب التعاطف الغربي".
في المقابل، تقول أجهزة الأمن الروسية FSB إنها منعت العشرات من مؤامرات تنظيم الدولة الإسلامية في السنوات الأخيرة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الأمن الروسي أنه قتل مواطنين كازاخستانيين بالقرب من موسكو.