الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما العوامل المؤثرة في اتجاهات تصويت الناخب الأمريكي 2024؟

  • مشاركة :
post-title
الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في شهر نوفمبر 2024 لانتخاب الرئيس الأمريكي المقبل للبلاد. وتحظى هذه الانتخابات بأهمية خاصة بين انتخابات الرئاسة في دول العالم، وذلك نظرًا للتأثير الكبير للرئيس الأمريكي في حياة الناس داخل وخارج الولايات المتحدة. وتمثل هذه الانتخابات أهم السباقات في النظام السياسي الأمريكي الذي يهمين عليه حزبان فقط، وإلى أحدهما ينتمي كل رؤساء أمريكا في العصر الحديث. فهناك الحزب الديمقراطي -حزب الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، الذي يسعى للفوز بفترة ولاية رئاسية ثانية في البلاد- هو حزب سياسي ليبرالي، وهو الذي تتحدد أجندته إلى حد كبير من خلال الدفع من أجل الحقوق المدنية، وشبكة الضمان الاجتماعي واسعة النطاق، واتخاذ تدابير لمعالجة التغير المناخي. أما الحزب الجمهوري -حزب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي يسعى للفوز بفترة ولاية رئاسية ثانية في البلاد- فهو حزب سياسي محافظ، ويُعرف أيضًا باسم الحزب القديم الكبير، ومن أبرز ما يدعو له منذ زمن، خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة، والحق في حيازة السلاح، وتشديد القيود على الهجرة والإجهاض.

فخلال بضعة أشهر، سينعقد مؤتمرا الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ وهي اللحظة التي يكشف فيها كل حزب رسميًا عن مرشحه الرئاسي في الانتخابات الرئاسية 2024. وعلى ما يبدو أن هذه الانتخابات ستشهد منافسة بين الخصمين جو بايدن ودونالد ترامب؛ وهي منافسة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث باعتبارها مباراة العودة بين الرئيس الحالي وسلفه السابق. لذلك ينظر تود بيلت، أستاذ السياسة بجامعة جورج واشنطن إلى أن وجود رئيسين (حالي وسابق) يتنافسان في الانتخابات، على أنه مقارنة وليست مجرد استفتاء على الرئيس الحالي، إذ لا توجد قوائم فارغة في هذه الانتخابات، ومن شأن ذلك أن تتغير طبيعة السباق.

وفي هذا السياق، تٌثار عدة تساؤلات مثل: ما العوامل الأساسية المؤثرة في نتائج الانتخابات الأمريكية؟ ما أهم القضايا التي تحظى باهتمام الناخب الأمريكي، وتقوده للتصويت لمرشح رئاسي دون غيره؟ وما أهم نقاط الضعف لدى المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من شأنها زيادة فاعلية هذه العوامل وتلك القضايا في تحديد اختيار الناخب للمرشح الرئاسي بشكل حاسم؟

عوامل مؤثرة

عدة عوامل أساسية توثر في نتائج الانتخابات الأمريكية، ويمكن تحديد بعضها في ما يلي:

العوامل المؤثرة فى تصويت الناخب الأمريكي

(*) حالة الاقتصاد الأمريكي: عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن الأمريكيين يميلون إلى التصويت بحسب ما يوجد في حافظات نقودهم في الانتخابات، إذ يصوتون للحزب الحاكم في الأوقات الجيدة وللمعارضة في الأوقات العصيبة. ويتأكد ذلك في استخدام شعار "إنه الاقتصاد، أيها الغبي" كان هذا الشعار الذي تردد في حملة بيل كلينتون الرئاسية الناجحة في عام 1992، وقد تحولت هذه العبارة إلى نص مقدس (دستور) سياسي في العقود التي تلت ذلك.

من أحد العوامل التي تجعل من الصعب التنبؤ بعام 2024، هو أن المؤشرات الاقتصادية إيجابية بشكل عام. فالاقتصاد ينمو بمعدل ثابت، والبطالة تنخفض وتقترب من مستويات قياسية، وسوق الأسهم يصل إلى مستويات قياسية. ومع ذلك، لا يزال الناخبون الأمريكيون ينظرون إلى وضعهم الاقتصادي على أنه قاتم. وهو الأمر الذي يمكن تفسيره في ظل السنوات العديدة من التضخم المرتفع، واستمرار ارتفاع تكاليف الإسكان في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة. ما أدى إلى انخفاض مبيعات المنازل في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من 30 عامًا. وركزت حملة ترامب على بيانات المنازل وعرضت في حفل فوزه بترشيح الجمهوريين في ولاية أيوا، رسومات توضح كيف أدى ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري خلال إدارة بايدن إلى ارتفاع أقساط المنازل الشهرية.

ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات الأخيرة التي تمنح بايدن الأمل، إذ وصلت ثقة المستهلك، وفقًا لمسح أجرته جامعة ميتشجان، إلى أعلى مستوى لها منذ يوليو 2021. كما انخفضت معدلات التضخم وأسعار الغاز. فلا يزال هناك متسع من الوقت للناخبين لتغيير رأيهم بشأن حالة الاقتصاد الأمريكي، ويمكن لبايدن أن يعزز موقفه بالقول بإن الولايات المتحدة نجت من العاصفة الاقتصادية التي أعقبت كوفيد-19 بشكل أفضل من أي دولة أخرى في العالم تقريبًا. فالاقتصاد الأمريكي في عهد بايدن، وهو مزيج من الاستثمار في البنية التحتية وتخفيض الضرائب والإنفاق الاجتماعي، أدى إلى تحسين أوضاع الكثير من الأمريكيين العاملين.

وتجدر الإشارة هنا، إلى بعض مؤشرات تحسن الاقتصاد الأمريكي، والتي يأتي في مقدمتها: نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 3.3% على أساس سنوي في الربع الأخير من 2023، وزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.5% في عام 2023، مقارنة بـ 1.9% على مدار العام 2022، زيادة نفقات الاستهلاك الشخصي بنسبة 2.8%، ونمو نفقات الحكومات المحلية بنسبة 3.7%، ونفقات الحكومة الفيدرالية بنسبة 2.5%، فضلًا عن زيادة الاستثمار المحلي الخاص بنسبة 2.1%. ومن شأن استمرار تحسن هذه المؤشرات، تعزيز فرص بايدن بالفوز في الانتخابات المقبلة.

(*) التقسيمات العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية: تتعدد الأنماط التصويتية للأمريكيين وفق تقسيماتهم العرقية، إذ عادةً ما يشارك ذوو البشرة البيضاء في الانتخابات بنسب تفوق الأعراق الأخرى، لاعتبارات تتعلق بالإرث السياسي وعدم اقتناع نسبة كبيرة ممّن يحق لهم التصويت من الأعراق الأخرى بجدوى العملية السياسية.

والجدير بالذكر هنا، أن شركة "Axios" الإعلامية تتوقع أن تصبح الولايات المتحدة بحلول عام 2045 دولةً بأغلبية أقلية "Majority Minority" إذ ستقل نسبة أعداد السكان من ذوي العرق الأبيض عن 50% من نسبة عدد السكان الإجمالي. وبحسابات رياضية؛ سيعتاد الأمريكيون في الدورات الانتخابية على وجود رئيس لم يحْظَ بأكبر عدد من الأصوات المباشرة، ولكن دفعت به آلية الانتخاب عبر المجمع الانتخابي.

(*) التركيبة السكانية بحسب العمر: لا تقتصر الجوانب الديمغرافية المؤثرة في قرارات الناخب على أساس العرق، وإنما تشمل أيضًا التركيبة السكانية بحسب العمر، إذ تتنوع الاهتمامات الثقافية والحزبية بناءً على العمر، وعادةً ما يتبنى صغار السن أفكارًا ليبرالية ويهتمون بقضايا مثل التعليم وفرص العمل، في حين يتبنى كبار السن أفكارًا محافظة ويهتمون بقضايا مثل الرعاية الصحية وخدمات ما بعد التقاعد.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة هارفارد، أن ما يقرب من (64%) من الناخبين في الجيل Z- الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عامًا - وافقوا على الفترة التي قضاها الرئيس السابق دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وبحسب مجلة نيوزويك الأمريكية، فإن تلك الفئة العمرية كانوا أطفالًا خلال فترة وجود ترامب في منصبه، من 2017 إلى 2021. ويُعتبر ذلك علامة تحذير على إعادة انتخاب جو بايدن، ففي الانتخابات الأمريكية التي أجريت 2020، كان للناخبين الشباب دور حاسم في فوز بايدن، إذ دعم الجيل Z وجيل الألفية بايدن على ترامب بفارق نحو 20 نقطة في نسبة الإقبال القياسية، وفقًا لتحليل مركز بيو للأبحاث. كما كانت الفئة العمرية التي حصلت على ثاني أعلى نسبة موافقة على رئاسة ترامب في استطلاع هارفارد، هي المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 55 إلى 64 وذلك بنسبة 60%، يليهم أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 ومن 35 إلى 44 عامًا، حيث حصل كلاهما على نسبة 58%.

قضايا حاسمة

هناك عدد من القضايا المهمة للناخب الأمريكي، والتي يسعى كل من المرشح الجمهوري أو الديمقراطي لاستخدامها أفضل استخدام للتأثير في تصويت هذا الناخب لصالحه. ويمكن تحديد أهمها في ما يلي:

العوامل المؤثرة فى تصويت الناخب الأمريكي

(*) قضية الإجهاض: الإجهاض هو القضية الانتخابية التي سيحاول الديمقراطيون التركيز عليها في أذهان الناخبين، إذ ستحاول حملة بايدن إقناع الناخبين بأن ترامب مسؤول عن أن الإجهاض أصبح غير قانوني، وقد تم تقييده بشكل كبير في عشرات الولايات، حتى في الوقت الذي حاول فيه الرئيس السابق تخفيف موقفه بشأن هذه القضية. فمنذ أن تجاهلت المحكمة العليا الأمريكية، بمساعدة ثلاثة قضاة عينهم ترامب، سابقة عمرها 50 عامًا تمنح الحق في الإجهاض والحماية الدستورية، كان الديمقراطيون يحظون بموجة كبيرة من الدعم بشأن هذه القضية لتحقيق نتائج أفضل من المتوقع في صندوق الاقتراع.

فأهمية هذه القضية من وجهة نظر الديمقراطيين، يفسر اهتمام بايدن ونائبته كامالا هاريس، حضور حدث انتخابي في شمال فيرجينيا يركز على تلك القضية، وتقول سوزان استريتش: "تبين أن الإجهاض قضية أقوى بكثير مما كان يعتقده الكثيرون، ففي كل مكان كان على بطاقة الاقتراع، فاز الموقف المؤيد لحق الاختيار".

الجدير بالذكر هنا، أنه يوجد نحو 520 ألف حالة اغتصاب، أدّت إلى ما يصل إلى 64 ألفًا و565 حالة حمل، في الوقت الذي تم فيه حظر الإجهاض بـ 14 ولاية. ويرى واحد من كل خمسة بالغين في الولايات المتحدة أنّ الإجهاض يجب أن يكون قانونيًا في جميع الحالات، وفقًا لمسحٍ أجراه مركز "بيو" للأبحاث عام 2022. وتعتقد أغلبية أكبر بكثير، نحو 70% من البالغين، أنّ الإجهاض يجب أن يكون قانونيًا إذا كان الحمل نتيجة للاغتصاب.

(*) قضية الهجرة: الهجرة هي القضية الانتخابية التي سيحاول ترامب والجمهوريون التركيز عليها في أذهان الناخبين، إذ تجاوز عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا الولايات المتحدة من المكسيك في ديسمبر 2023، نحو 302 ألف شخص، مسجلًا رقمًا قياسيًا تاريخيًا مطلقًا، وتم ضبط 200 ألف مهاجر على الحدود في ديسمبر الماضي. فقد أدى هذا التدفق الهائل للمهاجرين وطالبي اللجوء غير الشرعيين في بعض الأحيان إلى إرباك مرافق المعالجة الحكومية وإرهاق برامج الخدمة الاجتماعية في المدن الكبرى التي تبعد آلاف الأميال.

وتظهر استطلاعات الرأي أن الهجرة هي القضية الأهم بالنسبة لكثير من قاعدة ناخبي ترامب، ومصدر ضعف للرئيس الحالي، وانقسام بين الديمقراطيين. وأثبتت الجهود المبذولة لمعالجة المشكلة في الكونجرس عدم نجاحها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن ترامب كان يضغط على الجمهوريين لمنع التشريعات التوفيقية إلى ما بعد الانتخابات.

نقاط ضعف متبادلة

يرى شون سبايسر -شغل منصب السكرتير الصحفي الأول لترامب وعمل في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري قبل ذلك- أنه "بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن سياسات دونالد ترامب جعلت حياتهم أفضل وأكثر أمانًا، وجعلت الاقتصاد والمجتمع أفضل، فإن الأمر محسوم له. فلدى حملة ترامب كل الدوافع لمواصلة الهجوم على بايدن، ومن أسباب ذلك صرف الانتباه عن نقاط ضعف ترامب، ومنها مشكلاته القانونية وخطابه المثير للخلاف ومحاولاته لتقويض نتائج انتخابات 2020، والتي ساهمت في وقوع هجوم يناير 2021 على مقر الكونجرس (الكابيتول) الأمريكي.

لكن لدى بايدن أيضًا نقاط ضعف رئيسية، إذ يكافح من أجل الترويج لإنجازاته في فترة ولايته الأولى ويحاول إقناع الجمهور بأن لديه القدرة على مواصلة الحملة الانتخابية والحكم لولاية ثانية.

ونظرًا للعمر المتقدم لكل من بايدن (81 عامًا) وترامب (77 عامًا)، فقد يحدث ما يثير التساؤل حول صحتهما ولياقتهما البدنية في أي وقت. فخلال المناظرات الرئاسية في الخريف المقبل، ستكون طاقتهما وثباتهما الانفعالي تحت الضغوط، موضع تشكيك بشكل خاص. وتقول سوزان استريش الكاتبة والمحللة الديمقراطية التي أدارت حملة مايكل دوكاكيس الرئاسية في عام 1988: "العمر يضر بايدن في الوقت الحالي.. الجميع يعتقد أن بايدن كبير في السن"، والسؤال هو: هل سيظهر ترامب علامات تقدمه في السن؟".

وخلال هذا السباق الرئاسي يصوّر بايدن سلفه ترامب على أنه خارج عن السيطرة ويشكل تهديدًا لأمريكا، وللديمقراطية نفسها. وتقول استريش: "عادة، هذا ما تفعله عندما تخوض الانتخابات ضد شخص غير معروف في السياسة، لكن في الوضع الحالي، الخصم شخص معروف جدًا، وأنت تحاول فقط إثبات أنه يمثل خطرًا كبيرًا". وعلى الرغم من ذلك، لا تزال معدلات تأييد بايدن الضعيفة في منطقة خطرة بالنسبة لرئيس حالي يدخل عام الانتخابات.

إجمالًا، يمكن القول إن هناك عدة عوامل تؤثر بصفة أساسية في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة؛ هي حالة الاقتصاد الأمريكي، والتقسيمات العرقية، والتركيبة السكانية بحسب العمر. ويختلف تأثير هذه العوامل على المرشحين المحتملين؛ بايدن وترامب، ففي حين ترجح حالة الاقتصاد الأمريكي إلى حد بعيد كفة بايدن، فإن التركيبة السكانية الأمريكية حسب العمر، تميل إلى ترجيح كفة ترامب. وكذلك الحال بالنسبة لاستخدام كل مرشح منهما للقضايا التي تحظى باهتمام الناخب الأمريكي، فسوف تمثل الهجرة القضية الانتخابية التي سيحاول الديمقراطيون التركيز عليها في أذهان الناخبين، كذلك سيفعل ترامب والجمهوريون الشيء نفسه بالنسبة لقضية الهجرة. وقد تلعب قضايا أخرى أيضًا دورًا في السباق الرئاسي المقبل، بما في ذلك معدلات الجريمة في الولايات المتحدة، والبيئة وتغير المناخ، والسياسة الخارجية خاصة الموقف اتجاه حرب غزة. فمن شأن هذه القضايا وتلك العوامل تحديد سلوك الناخب الأمريكي في الانتخابات الأمريكية المقبلة 2024 بشكل حاسم.