انطلق السباق الانتخابي الرئاسي في روسيا منذ 25 فبراير 2024 ببدء التصويت في المناطق النائية بروسيا والأقاليم الأربعة التي ضمها بوتين أخيرًا وهي: دونيتسك، ولوجانسك، وزابوريجيا، وخيرسون، وما تلاه من بدء التصويت أيضًا في الخارج 1 مارس 2024، على أن تبدأ اللجان الانتخابية العامة بالداخل في استقبال الناخبين لمدة ثلاثة أيام من 15 إلى 17 مارس 2024، لتعلن النتيجة النهائية في 28 مارس 2024 ، بفوز المرشح الحاصل على 50%+1 من الأصوات، وفى حالة إخفاق أى من المرشحين في تحقيق تلك النسبة، تجرى الإعادة خلال ثلاثة أسابيع من إعلان النتيجة.
المتنافسون في الانتخابات
تقدر الهيئة الناخبة الروسية بما يقرب من 112.3 مليون ناخب فى الداخل، 1.9 مليون ناخب فى الخارج، ويتنافس في الانتخابات الرئاسية الروسية 2024 أربعة مرشحين بعد إغلاق باب الترشح فى 11 فبراير 2024 وهم:
(*) الرئيس الحالي فلاديمير بوتين: يخوض الرئيس الحالي فلاديمير بوتين الانتخابات الرئاسية الروسية 2024، وهو يبلغ من العمر 71 عامًا، ولد في 7 أكتوبر 1952، وحصل على شهادة كلية الحقوق من جامعة لينينجراد فى عام 1975، وتولى العديد من المناصب العليا فى روسيا منها مدير جهاز الأمن الفيدرالي، ورئيس الوزراء، ويعد المرشح الأوفر حظًا للفوز في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، ليبقى في السلطة حتى 2030 كولاية جديدة مدتها ست سنوات بعد التعديلات الدستورية التي أدخلت على الدستور الروسي في يونيو 2020 لتعديل الفترات الرئاسية وتعزيز صلاحيات الرئيس، لتعطى بذلك بوتين الفرصة للترشح في الولايتين الرئاسيتين المقبلتين في انتخابات 2024، وانتخابات 2030، وهو ما يعنى احتمالية بقائه في السلطة حتى 2036.
ليتفوق على كل الحكام الروس في مدد البقاء في السلطة منذ جوزيف ستالين، إذ إنه تفوق علي ليونيد بريجينيف الذى قاد البلاد لمدة 18 عام.وقد وصل بوتين إلى السلطة ليتولى منصب رئيس الدولة بالإنابة خلفًا لبوريس يلتسين بعد إقالته فى ديسمبر 1999، وبعد ثلاثة أشهر في 26 مارس 2000، فاز في الانتخابات الرئاسية المبكرة بنسبة 52.94 % من الأصوات. ويسعى بوتين لتعزيز مكانة روسيا على المستوى الدولي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، فضلًا عن توجهه لتعزيز الروابط الاقتصادية مع القوى البازغة فى آسيا وفى مقدمتها الصين وروسيا.
(*) نيكولاي خاريتونوف: يبلغ خاريتونوف من العمر 75 عامًا، ويخوض السباق الانتخابي الرئاسي مرشحًا عن الحزب الشيوعي، وكان قد سبق له منافسة يوتين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2004، وحل في المرتبة الثانية بعد حصوله 14% من الأصوات. وأوضح خاريتونوف أن برنامجه يسمى النصر، وأن مهمته هي توحيد صفوف الشعب خلال الحملة الانتخابية لتحقيق النصر على جميع الجبهات في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا.
(*) ليونيد سلوتسكي: يعد سلوتسكي البالغ من العمر 56 عامًا ويحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي القومي الموالي للكرملين، ورئيس كتلة الحزب ورئيس لجنة العلاقات الدولية في الدوما. كما يترأس مجلس إدارة مؤسسة السلام الروسية، وتم تكليفه بالعديد من المهام لتمثيل روسيا فى وفود رسمية لمجلس أوروبا وفرنسا والشيشان. وتتركز اهتماماته أيضًا على قضايا البيئة والاستدامة البيئية وإدارة النظام البيئي والحفاظ على التنوع البيولوجي. وتقوم حملته الانتخابية بالتركيز على قضايا الشركات الصغيرة وملكية العقارات والأصول وخارجيًا يدعم توجهات الرئيس بوتين فى تحقيق الانتصار الحاسم فى أوكرانيا. ويسعى الحزب الديمقراطى الليبرالي ليحتل المرتبة الثانية بعد بوتين بدلًا من الحزب الشيوعي الذي يحتل تلك المرتبة.
(*) فلاديسلاف دافانكوف: يعد دافانكوف البالغ من العمر 40 عامًا نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، وعضو حزب الناس الجدد، وقد ساهم في مصادقة مجلس الدوما على القرارات التي تقضي بضم دونيتسك ولوجانسك لروسيا.
تحديات ماثلة
برغم أن العديد من الاتجاهات تتوقع فوز الرئيس فلاديمير بوتين فى الانتخابات الرئاسية 2024، إلا هناك العديد من التحديات التى سيمتد تأثيرها خلال فترة الولاية الجديدة. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات وأهمها:
(*) الداخل الروسي: برغم التحسن النسبي في الاقتصاد الروسي فى الآونة الأخيرة وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الاقتصاد الروسي أضحى الأول أوروبيًا والخامس عالميًا، حيث بلغ معدل نمو الاقتصاد الروسي مع نهاية عام 2023 ما يقرب من 3.5%، وذلك خلال لقاءه مع رجال أعمال من الشرق الأقصى الروسي مطلع يناير 2024، إلا أن ذلك التحسن لم ينعكس بشكل ملموس على تحسين الظروف الاقتصادية الداخلية، لا سيما على قطاع الشباب الروسي الذى يعانى من البطالة، حيث تشير التقديرات إلى هجرة ما يقرب من 800 ألف روسي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ففي أواخر ديسمبر 2022، أعلنت وزارة الاتصالات الروسية أن 10% من موظفي تكنولوجيا المعلومات غادروا روسيا فى عام 2022، ولم يعودوا، ووصفهم بوتين بالحثالة وأن خروجهم بمثابة تطهير للبلاد منهم.
(*) الحرب الروسية الأوكرانية: تمثل الحرب الروسية الأوكرانية أحد التحديات التي ستواجه بوتين خلال ولايته الجديدة وحال فوزه، لاسيما وأن الدول الغربية تتجه نحو التكاتف لمنع روسيا من تحقيق نصر حاسم في تلك الحرب، وهو الأمر الذى تجسد فى الدعم الأوروبي الذى يقدر بـ50 مليار دولار بعد موافقة الاتحاد الأوروبي، كما اتجهت العديد من الدول الأوربية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لعقد اتفاقات أمنية كل على حده مع أوكرانيا لدعمها عسكريًا واقتصاديًا، حيث أقرت ألمانيا بتعزيز دعمها لأوكرانيا خلال عام 2024 بما يقدر بثمانية مليارات دولار، ووافقت فرنسا كذلك على دعم أوكرانيا بما يقدر بثلاثة مليارات دولار خلال العام نفسه. وتعزيزًا للدعم الأوروبي لأوكرانيا دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فى 26 فبراير 2024، لعقد اجتماع استثنائي بباريس حضره 20 مسئول غربي ما بين رؤساء دول ورؤساء حكومات، ووزراء، بهدف دعم أوكرانيا ومساندتها عسكريًا واقتصاديًا، حيث اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن أوكرانيا فى تلك الحرب تدافع عن القيم والهوية والمصالح الأوروبية، وعلى الرئيس بوتين ألا يراهن على تعب الأوربيين إزاء تلك الحرب.
(*) العلاقات الروسية الأمريكية: يعد تدهور العلاقات الأمريكية الروسية أحد التحديات التي تواجه الرئيس بوتين حال فوزه في السباق الانتخابي الرئاسي، لا سيما في ظل تنوع العقوبات الأمريكية والغربية على الاقتصاد الروسي منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية فبراير 2022، صحيح أن تلك العقوبات لم يكن لها تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الروسي بعد اتجاه روسيا نحو تعزيز روابطها الاقتصادي مع القوى الاقتصادية الكبرى، حيث اتجهت لتصدير النفط والغاز إلى دول الشرق، وفى مقدمتها الصين وروسيا بعد تبنيها لاستراتيجية أنبوب الشرق ، ليتجه انتاجها شرقًا بدلًا من نورد ستريم 2،1 الذى كان ينقل الغاز غربًا إلى أوروبا التي كانت تستهلك ما يقرب من 40% من الغاز الروسي.
(*) مكانة روسيا في النظام الدولي: يمثل التحدي الأبرز الذى يواجه بوتين خلال الولاية الرئاسية الجديدة ماهية تراتبية موقع روسيا في النظام الدولي الجديد،لاسيما وأن الرئيس بوتين يسعى لاستعادة مكانًة روسيا عالميًا، وأن قراره بشن الحرب على أوكرانيا يأتى في إطار الحفاظ على تلك المكانة، ومنع تمدد حلف الناتو على تخوم روسيا، كما يسعى للإنخراط فى حلحلة الأزمات الدولية التي تكفل لروسيا وجودًا ومنها الموقف الروسي من الحرب الإسرائيلية على غزة وتبنى حل الدولتين والمطالبة بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومنع استهداف المدنيين، وذلك من خلال دعم مشروعات القوانين أو التقدم بمشروعات قوانين داخل مجلس الأمن تتبنى وقف الحرب ومنع استهداف المدنيين وادخال المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة. وقد أرجع بوتين اخفاق التوصل لتسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الانحياز الأمريكي لإسرائيل. لذلك فهو يطالب بالتحول من النظام الأحادي القطبية الذي يعتبره لا يخدم سوى المصالح الأمريكية، إلى التعددية القطبية التى تكفل للقوى الكبرى مثل روسيا والصين مكانتها فى النظام الدولي الجديد.
مجمل القول إن الانتخابات الرئاسية الروسية 2024، وفى ظل ضعف المنافسة بين المرشحين وبوتين، إلا أنها ربما تمثل فرصة مواتية للرئيس فلاديمير بوتين، ليعزز من دور ومكانة روسيا عالميًا، من خلال تعزيز التنمية فى الداخل الروسي، بالاستفادة من مقومات الاقتصاد الروسي المتنوعة، وخارجيًا من خلال الانحياز للقضايا العادلة، والقيم الأخلاقية التي تتفوق بها روسيا على الغرب، وتعزيز المسؤولية المشتركة للمجتمع الدولي، لتحقق التنمية الشاملة والمستدامة لكافة الدول من دون هيمنة تخدم مصالح الأطراف الكبرى فى تفاعلات النظام الدولي الجديد الذى لا يزال قيد التشكيل.