لم يكن نجيب محفوظ اسمًا لامعًا في الأدب فقط، بل يعد أيقونة في عالم السينما، ففي عام 1996 حينما أُقيم استفتاء أفضل كاتب سيناريو جاء "أديب نوبل" في المركز الثاني بعد الروائي المصري علي الزرقاني، فأفلامه التي وصل عددها إلى 74 فيلمًا، عكست واقع المجتمع المصري، وسماها البعض "السينما الواقعية"، كما أنه حمّس الكُتّاب لأن يُخرجوا قصصهم في أعمال فنية، وهذا ما ساعد في الابتعاد عن الاقتباس من الأعمال الخارجية.
في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ، كشف عدد من النقاد المصريين البارزين لموقع "القاهرة الإخبارية " عن ملامح عالم نجيب محفوظ السينمائي.
حسّ سينمائي
يقول الناقد المصري طارق الشناوي: "حينما قرأ المخرج المصري صلاح أبو سيف روايات نجيب محفوظ شعر أن من يكتب هذه الروايات لديه حس سينمائي، فقرر أن يُخرج تلك الأعمال إلى الشاشة الكبيرة، ولذلك أصبحت السينما تشبه أدب نجيب محفوظ، ومن هذه الأفلام "بداية ونهاية"، الطريق، والثلاثية "بين القصرين" و"قصر الشوق" والسكرية، فهذه الأعمال رسمت على الشاشة عالمه الخاص، وكان هناك التزام قوي جدًا بعمق حواره، رغم أنه على التترات نجد أن نجيب محفوظ كان كاتبًا للقصة فقط.
قانون السينما
يشير الناقد المصري إلى أن روايات نجيب محفوظ أثرت في السينما لكنها لم تخضع لقانونها، إذ يقول: المفروض علميًا أن يحدث العكس، لكن السينما المصرية خضعت من أجله، فهو من القلائل الذين قُدمت أفلامهم في أكثر من بلد، وأُعيد بأكثر من معالجة مثل المكسيك التي قدمت "بداية ونهاية"، وهناك أيضًا رواية "اللص والكلاب" التي أُعيد أيضًا تقديمها أكثر من مرة.
"أدب نجيب محفوظ يستفز السينمائيين بأكثر من معالجة"، بهذه الجملة يكمل "طارق الشناوي" حديثه: "نجيب محفوظ استطاع أن يضع قانونًا وهو "من يريد محاسبتي فيحاسبني على القصة، أما السيناريو والحوار والفيلم هو مسئولية المخرج"، وهو ما جنّبه الكثير من المعارك.
رغم التزام نجيب محفوظ بهذا القانون، إلا إنه كسره في فيلم "نور العيون"، يقول الشناوي: نور العيون أغضب نجيب محفوظ، وقال لي في حوار معه إنه غير راضٍ، لأن الفيلم كان بطولة الفنانة المصرية فيفي عبده التي شاركت من الباطن في الإنتاج، وأُجريت عدة تعديلات لإرضائها، وهنا ثار نجيب محفوظ.
معالجة فنية
قدّم نجيب محفوظ سيناريو 14 فيلمًا، وقصة وسيناريو 4 أفلام، و8 أفلام كتبها خصيصًا للسينما، ومعالجات سينمائية لـ8 أفلام عن كتاب آخرين، بهذا السرد الرقمي لأعمال نجيب محفوظ، بدأ الناقد المصري نادر عدلي حديثه: "ما عرضناه يجعلنا نقسّم مشوار نجيب محفوظ لعدد من المحطات، فالمرحلة الأولى يمكن أن نتحدث فيها عن السيناريو والمعالجة الفنية، مع ملاحظة مهمة جدًا أنه لم يكتب في حياته حوارًا لأي فيلم لأنه كان يرفض الكتابة باللغة العامية، وكان يحب أن يكتب باللغة العربية الفصحى.
وتابع: أما بالنسبة للأعمال التي أُخذت عن رواياته وهي 28 فيلماً من 21 رواية، منها 4 أفلام أُخذت من روايتين، وهي "ليل وخونة"، و"اللص والكلاب"، أما رواية "الحرافيش" فأُخذ عنها 6 أفلام، وهذه هي المرحلة الثانية.
أما المرحلة الثالثة في مشوار نجيب محفوظ السينمائي فيقول "نادر" عنها: بالنسبة للروايات التي تحولت لأفلام عالمية، منها فيلمين في المكسيك وهما بداية ونهاية، وحارة المعجزات، وهناك فيلم آخر يحمل اسم "اعتراف" مأخوذ عن اللص والكلاب.
ويضيف: "أما المرحلة الرابعة في سينما نجيب محفوظ فهناك أفلام مأخوذة من قصص قصيرة، ويجب أن نقول إنه أضفى السينما الواقعية على أفلام صلاح أبو سيف، وهذا هو دوره الحقيقي والمهم في السينما المصرية، فقد حوّلنا من مرحلة الاقتباس إلى تقديم أعمال متعلقة بالبيئة المصرية".
وأضاف: "نجيب محفوظ يعد أهم كاتب على الإطلاق كتب للسينما المصرية، وكان هناك دعوة من طه حسين للأدباء المصريين بأن يكتبوا للسينما لأنه فن خطير ومؤثر، والتعالي عليه وتركه لأنصاف الموهوبين يؤدي إلى نتيجة سلبية، لأن السينما من أدوات الوعي المهم، وهو الرأي الذي اتفق معه نجيب محفوظ، وانتقل به إلى هذه المرحلة.