الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ملفات عالقة.. دلالات زيارة رئيس إريتريا إلى مصر

  • مشاركة :
post-title
الرئيس المصري يستقبل نظيره الإريتري بالقصر الجمهوري

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في 24 من فبراير 2024، زار الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، مصر، واستقبله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بقصر الاتحادية في القاهرة، وتُعد هذه الزيارة هي السادسة للرئيس الإريتري إلى القاهرة منذ عام 2014. وتأتي الزيارة في توقيت يشهد ديناميكيات جيوسياسية مُعقدة بمنطقة شمال شرق إفريقيا، وناقش الجانبان ملفات متعددة كملف الحرب المشتعلة في السودان، والخلافات الصومالية الإثيوبية، والتوترات في ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى تطورات القضية الفلسطينة والحرب بغزة.

أبرز الزيارات الرئاسية الرسمية بين مصر وإريتريا

تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة على سؤال: ما انعكاسات زيارة الرئيس أسياس أفورقي على مستوى التنسيق بين كلٍ من مصر وإريتريا في القضايا العالقة بالمنطقة؟

أهمية الزيارة

إن أهمية هذه الزيارة تمتد إلى ما هو أبعد من حدود العلاقات الثنائية، إذ تكتسب أهميتها من عدة أوجه تتمثل في:

(*) أولها: إنها تأتي عقب زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، إلى القاهرة بنحو 4 أسابيع، وهي الزيارة التي تم خلالها النقاش حول قضايا الأمن الإقليمي في المنطقة، وكان على رأسها التوترات بين إثيوبيا والصومال بشأن مذكرة التفاهم المشتركة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، فتتابع الزيارات الرئاسية إلى القاهرة يعنى مدى أهمية دور مصر في حل القضايا الإقليمية مع الدول المجاورة بالقارة السمراء، إذ أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي، خلال زيارة الرئيس الصومالي أنه لن يسمح لأحدٍ أن يهدد استقرار الصومال، مُحذرًا بشكل مباشر الحكومة الإثيوبية من محاولتها المساس بأراضي الصومال، وأتت زيارة الرئيس الإريتري لتنم عن رغبة الدول الإفريقية المجاورة في البحث عن حلول لتلك القضية بالتنسيق مع مصر.

(*) ثانيها: الزيارة تأتي في وقت باءت فيه محاولات الكثير من المنظمات كمنظمة الاتحاد الإفريقي، ومنظمة إيجاد (الهيئة الحكومية للتنمية) بالفشل في وضع حد لتلك الاضطرابات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، فنجد اتخاذ الدول مسار فردي أيضًا؛ كمحاولات للعمل من أجل تحقيق استقرار أمن المنطقة، فإريتريا دولة عضو في الإيجاد، ودولة مجاورة لكلٍ من الصومال والسودان اللذان يشهدان اضطرابات تؤثر على دول المنطقة برمتها، فكلٍ من مصر وإريتريا حرصتا على مواصلة إرسال الرسائل إلى العالم بمدى خطورة تلك القضايا المشتعلة، وتأثيرها على الأمن الإقليمي، والدعوة للتباحث بشأنها دوليًا وإقليميًا.

(*) ثالثها: الزيارة تأتي في وقت تتوتر فيه علاقات إثيوبيا بجيرانها؛ بسبب سلوك رئيس وزراء إثيوبيا "آبي أحمد" مع الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، انتكست العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة بعد توقيع اتفاق للسلام بينهما بعد صراعات دامت لقرابة قرنين من الزمن. وأيضًا، تعثر مفاوضات طويلة الأمد بشأن أزمة سد النهضة والتعنت الإثيوبي مع مصر، وأعلنت القاهرة انتهاء المسار التفاوضي مع أديس أبابا، نهايات العام الماضي، بالإضافة إلى سابقة الاستقبال غير اللائق من "آبى أحمد" للرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" خلال لقاء بينهما، وأكد المراقبون أن الاستقبال لم يليق برئيس دولة بروتوكوليًا.

دلالات متعددة

إن زيارة الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" عكست الكثير من الدلالات التي تتمثل في:

(&) السعي لتحقيق الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي: تشهد منطقة القرن الإفريقي العديد من النزاعات والحروب، وعلى رأسها الحرب المشتعلة في السودان، ثم النزاع القائم بين إثيوبيا والصومال، فالحرب في السودان اشتعلت بسبب النزاع على السلطة بين الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، وجيش السودان بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ومعاناة الشعب السوداني من تلك الحرب. فالزيارة أكدت ضرورة العمل المشترك؛ من أجل التوصل إلى حلول جادة تفضي إلى وقف إطلاق النار بما يضع حدًا للمعاناة الإنسانية التي يمر بها الشعب السوداني الشقيق. أما بالنسبة للصومال، فجاء الخلاف الإثيوبي الصومالي؛ نتيجة مذكرة التفاهم المشتركة بين أديس أبابا ومنطقة أرض الصومال (صوماليلاند)، التي نصت على تأجير أكثر من 20 ميلًا من الوصول البحري في ميناء بربرة لمدة 50 عامًا إلى البحرية الإثيوبية، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال إقليم أرض الصومال، واعتبر الصومال تلك المذكرة انتهاكًا لسيادة أراضيه، والزيارة أكدت التوافق بين القاهرة وأسمرة فيما يتعلق بدعم استقرار الصومال، وعدم المساس بالسياسة الصومالية، والرفض المطلق لمذكرة التفاهم المشتركة بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال؛ نظرًا لمخالفة المذكرة كل المواثيق والقوانين الدولية، ومن المحتمل استمرار جهود الوساطة والتنسيق مع أطراف النزاع لإنهاء الخلاف الذي يهدد استقرار المنطقة.

(&) حفظ الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط: تعج منطقة الشرق الأوسط بالعديد من التوترات، وتأتي على رأسها التوترات في منطقة البحر الأحمر؛ نتيجة عمليات القرصنة التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر، بسبب هجمات جماعة "الحوثي" والضربات الأمريكية والبريطانية المتبادلة على السفن المارة من البحر الأحمر، التي أثرت بالفعل على قناة السويس المصرية، ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن حركة نقل البضائع عبر قناة السويس تراجعت الأسبوع الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من 2023، فإريتريا تتمتع بساحل بطول 180 كيلومترًا على البحر الأحمر، وتعد إريتريا بوابة رئيسية للسفن التي تعبر قناة السويس المصرية، لذلك، ناقش الجانبان أهمية تأمين الملاحة في ساحل البحر الأحمر من أي تهديد يواجهها، والعمل المشترك للحفاظ على مصالحهما والدول المشاطئة على البحر الأحمر، كما تطرقا لتطورات القضية الفلسطينية، وعزما على ضرورة العمل من أجل وقف إطلاق النار في غزة، ومن ثَم استئناف عملية السلام على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حل الدولتين وفق المعايير المتفق عليها دوليًا، وإدخال العديد من المساعدات الإنسانية؛ لتلبية الاحتياجات المتزايدة للشعب الفلسطيني.

(&) تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري: جاءت زيارة الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" إلى مصر، لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين على الصعيدين الاقتصادي والتجاري، ويُقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين بنحو 200 مليون دولار، إذ توعد الجانبان خلال الزيارة بالكثير من الفرص الاستثمارية التي يمكن تحقيقها، فضلًا عن أوجه التعاون عل المستوى الثقافي والعلمي والصحي وغيرها؛ لتعزيز التكامل بين البلدين، وتحقيق أكبر قدر من الأهداف التنموية المشتركة التي تعود بالنفع على كل من القاهرة وأسمرة. ووفقًا للمتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار الدكتور أحمد فهمي، أكد أن الرئيسين اتفقا على تعزيز التبادل التجاري، وفرص الاستثمار من خلال دعم تواجد الشركات المصرية في السوق الإريترية، خاصة في القطاعات ذات الاهتمام والأولوية المشتركة، إذ تتمتع الشركات المصرية بمزايا تنافسية وخبرة واسعة.

حاصل ما تقدم، يمكن القول إن الزيارة في حد ذاتها كانت حدثًا منفصلًا، لكن النتائج المحتملة لمثل هذه التفاعلات رفيعة المستوى بعيدة المدى. فالتعاون بين مصر وإريتريا يمكن أن يكون بمثابة حجر الزاوية للسلام والتنمية الإقليميين، بما يوفر سبلًا جديدة للتعاون ليس بين البلدين فحسب ولكن أيضًا بين جيرانهما، فالزيارة رمزت إلى تحول مفعم بالأمل في العلاقات بين كلا البلدين. فنلاحظ أن الزيارة أتت في خضم أوضاع إقليمية مضطربة، واتضح خلال متابعة تفاصيل الزيارة أن المباحثات بين الرئيسين غلفها الكتمان إلى حد كبير، لكن يبدو أن التقارب المصري الإريتري له دورًا فعّالًا في ترتيب أوراق ملفات القضايا المهمة التي تؤثر على أمن المنطقة برمتها.