انعقدت القمة العربية الصينية الأولى في التاسع من ديسمبر 2022 بالرياض، في ظل ظروف دولية متوترة وغير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، ويبقى إمعان النظر في إعلان نتائجها لمعرفة موقعها من صيغ التعاون الثنائي، في إطار الشراكات الاستراتيجية بين الدول العربية والصين أو الجماعي من خلال صيغة منتدى التعاون الصيني العربي، الذي تأسس عام 2004، وانطلقت أولى فعالياته من جامعة الدول العربية. وما إذا كان البيان الصادر عن القمة مثل ترجمةً للتعاون المأمول بين الجانبين، وهل أتى بجديد مهم فيما يتعلق بالموقف من المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة؟
وللإجابة على تلك التساؤلات سيعتمد التحليل التالي على نص إعلان الرياض الصادر عن القمة العربية الصينية، حتى يتسنى لنا قراءة وافية لبنوده.
مضمون الإعلان:
ركز إعلان الرياض الصادر عن القمة العربية الصينية الأولى على عدد من القضايا لعل أبرزها:
(*) تعزيز التشاور السياسي: أكد القادة مواصلة التشاور السياسي وتبادل الدعم بين الجانبين في القضايا المتعلقة بمصالحهما الجوهرية وهمومهما الكبرى، وتعزيز التضامن بينهما في المحافل الدولية المختلفة حول القضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك.
(*) تعزيز الشراكة الاستراتيجية: شدد على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، بوصفها نموذجًا لعلاقات الصداقة والتعاون الودي، والعمل على تعميق التعاون العربي – الصيني في مختلف المجالات، من خلال الآليات القائمة في إطار منتدى التعاون العربي – الصيني، وتعزيز دور هذا المنتدى في الدفع بجهود التنمية وبالعلاقات بين الدول نحو آفاق أرحب.
(*) رفض استخدام القوة في العلاقات الدولية: أكد الإعلان التزام المشاركين الثابث بمبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، واحترام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشئون الداخلية. كما شدد الإعلان على صيانة النظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي، والعمل متعدد الأطراف، وتعزيز مبادئ التعاون والتضامن والعدالة والإنصاف في العلاقات الدولية، والحفاظ على مصالح الدول النامية والدفاع عن حقوقها.
(*) مركزية القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط: شدد الإعلان على أن القضية الفلسطينية تظل قضية مركزية في الشرق الأوسط، وهي التي تتطلب إيجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين، من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 م وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. والتأكيد في هذا الإطار على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، وبطلان ممارسات إسرائيل الأحادية الرامية إلى تغيير الوضع القائم في القدس، وتأكيد ضرورة الحفاظ على المكانة التاريخية والقانونية للقدس الشرقية المحتلة، وعلى أهمية دور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وفي حماية المقدسات وهويتها العربية.
(*) نشر السلام والتنمية: أعربت الدول المشاركة عن تقديرها للمساعي الصينية في المساهمة بنشر السلام والتنمية الدوليين، بما في ذلك الحوار رفيع المستوى للتنمية العالمية، من خلال مبادرتي الرئيس الصيني، وهما مبادرتا الأمن العالمي والتنمية العالمية اللتان تدعوان المجتمع الدولي إلى الاهتمام بملفات التنمية وإعادة النهوض بقضايا التنمية في العالم.
(*) الالتزام بمبدأ الصين الواحدة: أكد الإعلان التزام الدول العربية الثابت بمبدأ الصين الواحدة، ودعمها لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، والتأكيد مجددًا أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ورفض استقلال تايوان بكل أشكاله، ودعم الموقف الصيني في ملف هونج كونج، وتعزيز التبادل بين الصين والدول العربية في مختلف الأبعاد والمستويات، وتضافر الجهود لمواجهة التحديات التنموية المشتركة.
(*) تأكيد وحدة وسلامة دول الأزمات العربية: أكد الإعلان أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حلول سياسية للأزمات والقضايا الإقليمية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات والمرجعيات ذات الصلة، خاصة الأزمات في كل من سوريا وليبيا واليمن، وتأكيد ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي هذه الدول، مع تأكيد رفض التدخلات الأجنبية في هذه الدول، وضرورة العمل المشترك على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تعمل على أراضيها، ودعم الجهود التي يبذلها لبنان والصومال والسودان لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار ومكافحة الإرهاب، ودعم جهود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في هذا الشأن.
(*) رفض تسييس قضايا حقوق الإنسان و توظيف الديمقراطية: أكد الإعلان أهمية أن يكون التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان قائمًا على أساس المساواة والاحترام المتبادل، ورفض تسييس قضايا حقوق الإنسان واستخدامها كأداة لممارسة الضغوط على الدول والتدخل في شئونها الداخلية، كما طالب الإعلان بتكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية وحق شعوب العالم في اختيار الطرق لتطور الديمقراطية والنظم الاجتماعية والسياسية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة، ورفض التدخل في شئون الدول الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية.
(*) رفض المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب: أعرب المشاركون عن التزامهم بتعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب وإدانة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه، وضرورة مكافحته وعدم ربطه بأي عرق أو دين أو جنسية أو حضارة واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه، بالإضافة إلى رفض المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب.
(*) تعزيز الحوار بين الحضارات: شدد القادة على أهمية تعزيز الحوار بين الحضارات واحترام الثقافات المختلفة، ونبذ دعاوى الكراهية والتطرف وصراع الحضارات بين أتباع الأديان والثقافات، وتأكيد أن الحضارتين العربية والصينية قدمتا مساهمات فريدة في تقدم الحضارة البشرية، وتحرصان على مواصلة الدعوة إلى الحوار والتواصل بين الحضارات والحفاظ على التنوع الحضاري العالمي ونبذ التمييز والتحيز ضد حضارة معينة ورفض نظرية صراع الحضارات.
سمات أساسية:
يتضح مما سبق أن إعلان الرياض تبني مواقف تجاه معظم القضايا العربية والصينية المشتركة، كما أن موقفه من التطورات الدولية الراهنة أكد الرغبة المشتركة في بناء نظام دولي أكثر عدلًا واستقرارًا. وبإمعان النظر في بنود الإعلان، فإنه يعكس ثلاث سمات رئيسية يمكن الإشارة إليها وأولها هي العمومية: منها على سبيل المثال، تأكيد ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي دول الأزمات العربية، مع تأكيد رفض التدخلات الأجنبية في هذه الدول. وهو أمر إيجابي بطبيعة الحال غير أنه لا يتناسب مع فداحة التدخل التي تحتاج إلى مواقف محددة وواضحة، فالتدخلات في سوريا، والعراق، واليمن من دول الجوار الإقليمي تحتاج لرؤية عربية صينية جادة توقف محاولات طمس الهوية العربية، في أجزاء من أراضي تلك الدول لصالح مشروعات إقليمية متوحشة.
وثانيها، غياب الآليات: حيث لم تحدد آليات فاعلة لترجمة توصيات الإعلان إلى برامج عمل محددة، وهنا يمكن الإشارة إلى التأكيد حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية واعتبارها القضية المركزية في الشرق الأوسط، وبطلان ممارسات إسرائيل الأحادية الرامية إلى تغيير الوضع القائم في القدس، وتأكيد ضرورة الحفاظ على المكانة التاريخية والقانونية للقدس الشرقية المحتلة. لذلك كان من الأجدى أن يتم تكليف المجموعة العربية في الأمم المتحدة، بالتنسيق مع الصين التي تشغل عضوية دائمة في مجلس الأمن، لاتخاذ موقف مشترك لوقف الإجراءات الإسرائيلية في القدس،ـ لا سيما تلك المرتبطة بتغيير الهوية العربية للمدينة ومقدساتها ومنع تهويدها.
وثالثها، تراجع الجانب الاقتصادي: فالقراءة المتعمقة للإعلان تشير إلى غلبة المكون السياسي على المكون الاقتصادي في الإعلان الصادر عن القمة، وهو ما لا يتناسب مع تفاعلات تلك العلاقات على أرض الواقع، التي تقوم على تركيز الصين على أوجه التعاون الاقتصادي في شراكاتها الاستراتيجية مع الدول العربية، وابتعادها عن المقاربات السياسية لقضايا المنطقة التي ترى أنها ربما تعمق الانقسامات بين دول تسعى الصين للتحالف الاقتصادي معها. وربما شكل طغيان الشق السياسي على الشق الاقتصادي في بنود الإعلان -فمن بين عشرة بنود رئيسية لإعلان الرياض هناك بندان فقط للشق الاقتصادي، وثمانية بنود تتعلق بالشق السياسي-. محاولةً من الصين لتحقيق نوع من تعزيز الاهتمام السياسي في مقارباتها لقضايا المنطقة، حتى وإن ظل للمدخل الاقتصادي أولويته في تلك المقاربات على أرض الواقع.
مجمل القول؛ إن الإعلان الختامي للقمة العربية الصينية الأولي، وبقدر ما يحمل من رؤى مشتركة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية على المستوى الاقتصادي بين العرب والصين، وتحديد آلياتها في منتدى التعاون العربي الصيني، بقدر ما يحتاج إلى برامج عمل محددة بشأن التحديات السياسية التي تواجه المنطقة العربية، لا سيما فيما يتعلق بتهديدات دول الجوار ومشروعاتها المتنامية. وهو ما يتطلب صياغة رؤية عربية موحدة للتعامل مع سياسات القوى الإقليمية والقوى الكبرى تجاه المنطقة حتى لا يتم الدفع بمقدراتها في أتون صراع دولي محتدم، بدت جوانب من ملامحه بتأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن، في قمة جدة للأمن والتنمية، يوليو 2022، بأن واشنطن لن تنسحب من الشرق الأوسط وتترك فراغًا تملؤه روسيا أو الصين أو إيران.