في إشارة إلى تدهور العلاقات بين كيجالي وكينشاسا، يؤدي القتال العنيف بين الجيش الكونغولي وحركة متمردي "23 مارس"، المعروفة باسم M23 إلى تفاقم الأزمة الأمنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
واضطر أكثر من 100 ألف مدني إلى الفرار في الأيام الأخيرة، مع تقدم مقاتلي الحركة نحو "جوما"، عاصمة مقاطعة شمال "كيفو"، الواقعة على الحدود مع رواندا وأوغندا.
وطالما اتهمت كينشاسا رواندا المجاورة بدعم المتمردين. كما تتهم الأمم المتحدة، أيضًا، كيجالي بتمويل وتدريب وتجهيز مقاتلي 23 مارس.
ويتقاتل الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس من أجل السيطرة على "جوما" والمنطقة المحيطة بها منذ سنوات عديدة.
تخدم مصالح رواندا
تعد حركة 23 مارس من بين أكثر من 200 جماعة متمردة مسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالمعادن. لكنها أكبر تهديد لسيادة الكونغو، بسبب علاقاتها المزعومة مع رواندا.
وفي نوفمبر 2012، استولت الحركة لفترة وجيزة على المدينة الاستراتيجية التي يسكنها حوالي مليون شخص، لكن المتمردين انسحبوا لاحقًا، بعد اتفاق مع الحكومة توسطت فيه أوغندا.
وبينما امتد الصراع المتعدد الأوجه في الكونغو إلى منطقة البحيرات العظمى الأوسع، وعلى الرغم من نفي دعمها للحركة، رفضت رواندا، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، دعوات الولايات المتحدة لها بسحب قواتها وأنظمة الصواريخ من شرق الكونغو.
وقالت كيجالي إن وحداتها العسكرية "موجودة للدفاع عن رواندا من القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، وهي جماعة متمردة مسلحة، تضم مرتكبي الإبادة الجماعية المزعومة في رواندا عام 1994، والتي قُتل فيها ما يقرب من مليون من "التوتسي" على يد ميليشيات "الهوتو"، وفر العديد منهم في وقت لاحق إلى الكونغو لتجنب مواجهة العدالة في رواندا.
ينقل تقرير لـ DW عن كريستوف تيتيكا، الباحث في شؤون الصراعات في وسط وشرق إفريقيا بجامعة أنتويرب، قوله إن حركة 23 مارس كانت دائما بمثابة وسيلة لحماية المصالح الرواندية في شرق الكونغو.
وقال: "رواندا لديها مصالح سياسية وأمنية واقتصادية في الكونغو الديمقراطية. وترى أن القوات الديمقراطية لتحرير رواندا تمثل تهديدًا كبيرًا لأمنها. وبينما الجيش الكونغولي يتعاون مع هذه الجماعة، فإن هذا يثير غضب كيجالي".
ذهب الكونغو
تزدهر التجارة الرسمية وغير الرسمية بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خاصة في مجال الذهب، وهو مصدر مهم للعملة الأجنبية لكيجالي، ويأتي معظمه من شرق الكونغو.
لكن بعيدًا عن الذهب، تحتل التجارة مكانة مهمة في المنافسة الجيوسياسية بين أوغندا ورواندا والكونغو. وفق جيسون ستيرنز، مدير مجموعة أبحاث الكونغو.
وقبل أن يبدأ تمرد M23، كانت أكبر صادرات رواندا هي الذهب الكونغولي، الذي ارتفع من 1٪ في عام 2014 إلى 47٪ في عام 2020.
وفي أوغندا، هناك اتجاه مماثل بلغ ذروته في عام 2021، عندما شكل الذهب 56٪ من الصادرات.
ووفقًا للمحلل تيتيكا، تعتبر رواندا أجزاء من شرق الكونغو جزءًا من منطقة نفوذها.
لكن في نوفمبر 2021، أرسل الجيش الأوغندي قوات إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في هجوم مشترك مع الجيش الكونغولي، ضد متمردي القوات الديمقراطية المتحالفة.
أوغندا والكونغو
تاريخيًا، كانت قوات الدفاع الديمقراطية عبارة عن تحالف متمرد أوغندي ذو أغلبية مسلمة، وقد أسست نفسها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1995 وعملت لسنوات على طول المناطق الحدودية لكلا البلدين.
وأدى تدخل أوغندا إلى مزيد من الإخلال بالتوازن الإقليمي الهش، ما كان سببًا رئيسيًا لظهور M23 في نهاية عام 2021".
وقد انفصلت هذه المجموعة العسكرية المتمردة -والتي تتكون بشكل رئيسي من عرقية التوتسي-عن الجيش الكونغولي منذ ما يزيد قليلًا على عشر سنوات.
وفي عام 2012، نفذ المتمردون الهجوم الكبير على جوما، لكن الجيش سحق التمرد في عام 2013، وفر المقاتلون وقادتهم إلى أوغندا ورواندا.
ولم يتم تنفيذ اتفاق السلام الذي تم التفاوض عليه، والذي يعتبر خطوة حاسمة نحو إنهاء العنف في شرق الكونغو، بما في ذلك دمج حركة إم 23 في الجيش الكونغولي.
وتتهم الجماعة المتمردة السلطات الكونغولية بالفشل في مكافحة متمردي "الهوتو" الروانديين، الذين استقروا في شرق الكونغو بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، فضلًا عن الجماعات المسلحة الأخرى التي تشكل تهديدًا لـ "التوتسي" الكونغوليين.
ويرى البعض أن مفتاح حل الأزمة يكمن في كيجالي، حيث تظل رواندا لاعبًا جيوسياسيًا حاسمًا في المنطقة.
ومع ذلك، لا يعتقد تيتيكا أن الحرب بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا أمرً محتملًا، لأن تكاليفها ستكون مرتفعة للغاية "علاوة على ذلك، لا يتمتع الجيش الكونغولي بالسمعة الأفضل من حيث الكفاءة والأداء، ولن يكون نجاح العملية الكونغولية مضمونًا".