الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد زيارة المستشار الألماني للولايات المتحدة الأمريكية

  • مشاركة :
post-title
بايدن وشولتس في البيت الأبيض

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاءت زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، 9 فبراير 2024، في ظل تطورات دولية متسارعة ترتبط بالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على الأمن الأوروبي، والتحديات الأمنية التي تواجه القارة الأوروبية سواء ما يرتبط منها بالتحديات الداخلية المتعلقة بقضايا الهجرة واللاجئين وتنامي التيارات اليمينية، وما تتبناه من قيم تهدد منظومة القيم الغربية المستقرة في التعايش المشترك وقبول الآخر أو ما يتعلق بالتحديات الخارجية المرتبطة بالتوترات في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها أوروبيًا، في ظل خروج مظاهرات عديدة في العديد من العواصم الغربية التي تنادي بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لا سيما وأن بايدن وشولتس يتبنيان مبدأ "حل الدولتين"، في ظل دعمهما لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو الأمر الذي يعكس المعضلة الغربية بين الدعم المطلق لإسرائيل برًا وبحرًا وجوًا، والمطالبة بحل الدولتين بما جعل إسرائيل توغل في عدوانها الغاشم على غزة مع غياب أي رادع دولي.

جدول الزيارة

وفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض، 11 فبراير 2024، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتس، بحثا في واشنطن الجهود الرامية إلى منع التصعيد الإقليمي بالشرق الأوسط، فقد شدد كل منهما على ضرورة حماية المدنيين في غزة، وزيادة توصيل المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في القطاع، وأضاف البيان أن الزعيمين تبادلا وجهات النظر بشأن التوصل إلى سلام دائم للإسرائيليين والفلسطينيين بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مع ضمان أمن إسرائيل.

وفيما يخص الحرب في أوكرانيا، دعا الرئيس الأمريكي والمستشار الألماني، الكونجرس الأمريكي إلى الإفراج عن مساعدات جديدة لأوكرانيا.

أولويات مشتركة

تعد زيارة شولتس الثالثة للولايات المتحدة الأمريكية منذ توليه مقاليد السلطة في ألمانيا، لذلك ثمة أولويات مشتركة بين بايدن وشولتس، ويمكن إبراز أهمها في التالي:

(*) الحرب الروسية الأوكرانية: تشكل الحرب الروسية الأوكرانية أحد الأولويات المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، وهو الأمر الذي جعل شولتس خلال زيارة للكونجرس الأمريكي على هامش زيارته للولايات المتحدة، يطالب بالموافقة على تخصيص البيت الأبيض دعمًا يقدر بـ60 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا، معتبرًا أنه إذا فشل الكونجرس الأمريكي في إيجاد حل للإفراج عن المساعدات المالية، فهو يمثل تهديدًا حقيقيًا لسلامة الأراضي الأوكرانية، كما حض شولتس - قبيل الزيارة - الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على تكثيف الجهود لتقديم الدعم إلى أوكرانيا، وأنه على حلفاء أوكرانيا الغربيين أن يبعثوا رسالة واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها أن عليه ألا يتوقع تراجع الدعم الغربي بل أنه سيتواصل لمدة كافية وسيكون كبيرًا بما يكفي، وتماشيًا مع ذلك التوجه الداعم لأوكرانيا قررت دول الاتحاد الأوروبي دعمها حتى عام 2027 بمبلغ إجمالي قدره 50 مليار يورو.

أما فيما يتعلق بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو، فإن ثمة توافق أمريكي ألماني بشأن التمهل لتحقيق هذه الخطوة، فقد وصف بايدن فكرة انضمام أوكرانيا إلى الحلف بأنها سابقة لأوانها، وأن كييف ليست جاهزة بعد، كما تتبنى ألمانيا ذات التوجه خشية أن يجعل انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو في هذا التوقيت، دول الحلف مسؤولة بشكل مباشر عن الدفاع عن العضو الجديد، بما يدخلها في مواجهة مباشرة مع روسيا.

(*) الحرب الإسرائيلية على غزة: تمثل الحرب الإسرائيلية على غزة أولوية للاهتمام المشترك ما بين بايدن وشولتس فكلاهما بادر بزيارة إسرائيل للإعراب عن الدعم المطلق لها بعد عملية "طوفان الأقصى"، 7 أكتوبر2023، كما أنهما اعتبرا ما تقوم به إسرائيل هو حق للدفاع عن نفسها مطالبين قادة الاحتلال بمراعاة قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، خلال عمليات القصف أو العمليات البرية، وهو ما لم تحترمه إسرائيل منذ شنها لعملية "السيوف الحديدية" ما أدى لسقوط 28663 ألف شهيد فلسطيني، وجرح 68395 ألفًا حتى 15 فبراير الجاري، وبرغم أن بايدن وشولتس يدعمان حل الدولتين، إلا أن أي منهما لم يقدم رؤية أو تصورًا لكيفية تحقيق ذلك الحل في ظل التعنت الإسرائيلي الذي تزايد بعد تصريحات نتنياهو بأنه أبلغ بايدن برفضه مسألة حل الدولتين.

(*) منع التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط: يمثل منع التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط أحد ركائز وأولويات بايدن وشولتس منذ عملية "طوفان الأقصى"، إذ طالب كل منهما بمنع تمدد الصراع وانتشاره بما يحول دون الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، الذي بدت ملامحه في تزايد المناوشات بين إسرائيل و"حزب الله" على الحدود المشتركة اللبنانية الإسرائيلية، وتزايد ضربات الفصائل المسلحة ضد تمركزات القوات الأمريكية في العراق والرد الأمريكي على تلك الهجمات، فضلًا عن استهداف "الحوثيين" للناقلات والسفن التجارية، وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإعلان تشكيل تحالف "حارس الازدهار" لحماية التجارة والملاحة الدولية بالبحر الأحمر، إلا أن ألمانيا لم تعلن مشاركتها في هذا التحالف.

(*) الأمن الأوروبي: يشكل تحقيق الأمن الأوروبي أحد القواسم المشتركة بين السياستين الأمريكية والألمانية، برغم اختلاف التصورات لتحقيق ذلك، وتجلى هذا بشكل واضح فيما روجت له بعض الاتجاهات بأن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في استدراج روسيا إلى المستنقع الأوكراني بهدف الحد من كثافة العلاقات الاقتصادية بين روسيا والدول الأوروبية بعد تدشين خطي الغاز (نورد ستريم 1-2) وهو ما هدف حينها للحد من الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة الأمريكية لصالح تنامي العلاقات الروسية الأوروبية، لذلك جاء الاستدراج الأمريكي لروسيا إلى المستنقع الأوكراني حتى تتمكن من إضعاف مسار تلك العلاقات، وأن تبقى واشنطن الضامن الرئيسي للأمن الأوروبي تحت المظلة الأمريكية والرقم الأهم في معادلة تحقيقه.

وجعل هذا التحدي الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا تتحدث مُبكرًا عن ضرورة تأسيس جيش أوروبي مستقل تكون مهمته الرئيسية حماية الأمن الأوروبي بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، وتبلورت تلك الفكرة وتم طرحها خلال فترة حكم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ودعمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويبدو أن ثمة تحديات تواجه تحقيق تلك الرغبة على أرض الواقع؛ منها ما يرتبط بكيفية تشكيل تلك القوة، وتراتبية القيادة بين القوى الأوروبية الطامحة في قيادة الاتحاد الأوروبي.

(*) تحدي عودة ترامب: تتزايد فرص خوض ترامب للانتخابات الرئاسية الأمريكية، نوفمبر 2024، أمام الرئيس الحالي جو بايدن، الذي بدأت العديد من الأصوات الداخلية الأمريكية تطالب بالدفع بمرشح ديمقراطي بديل عنه، بعد الحديث عن التحديات الصحية التي تواجهه، ومنها تزايد زلاته اللفظية، وسقوطه في العديد من المناسبات، وتكرار نسيانه، لذلك فإن عودة ترامب للمشهد السياسي الغربي يشكل تحديًا مشتركًا لبايدن ولشولتس على المستوى الأوروبي، لا سيما بعد حديث ترامب عن عزمه الانسحاب من الناتو حال فوزه بالولاية الرئاسية الجديدة، وهو ما سيعمق من التحديات التي تواجه الأمن الأوروبي ليس فقط بسبب احتمالية عودة ترامب، وإنما أيضًا بعد طرح رؤى ألمانية داخلية تنادي بالخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار "البريكست".

مجمل القول إن زيارة شولتس للولايات المتحدة الأمريكية تأتي في إطار التعاون الأمريكي الأوروبي لمواجهة التهديدات المتنامية على المستويين الأوروبي والدولي، لا سيما فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، والرغبة في منع امتداد الصراع وانتشاره بما يمثل تهديدًا للمصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط، أو ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، وما حذر منه شولتس من أن انتصار روسيا في أوكرانيا سيغير بشكل مباشر وجذري وجه أوروبا، ويسدد ضربة قوية للنظام العالمي الليبرالي.