اختتم الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته الأوروبية، التي استمرت في الفترة من 9 إلى 13 يوليو 2023، زار خلالها بريطانيا، ثم فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، للمشاركة في قمة حلف الناتو الرابعة والسبعين، التي اعتبرت روسيا مصدر التهديد الرئيسي لدول الحلف، وطالبت القمة بقيام الحلف بوظائفه الرئيسية الثلاث، هي: "الردع والدفاع، الأمن التعاوني، وإدارة الأزمات والوقاية منها، قبل زيارة هلسنكي عاصمة فنلندا، التي تعد العضو الأحدث في حلف الناتو، التي بدأت ممارسة مهام عضويتها منذ أبريل 2023.
محطات الجولة
اشتملت جولة الرئيس الأمريكي الأوروبية على ثلاث محطات رئيسية وهي:
(*) بريطانيا: جاءت بريطانيا المحطة الأولى في جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأوروبية، 9 يوليو 2023، قبيل انعقاد قمة حلف الناتو، واكتسبت الزيارة أهميتها من وصف البيت الأبيض لها بأنها تأتي لمواصلة تعزيز العلاقات الوثيقة بين البلدين، والتقى "بايدن" خلالها بالملك تشارلز الثالث الذي ناقش معه قضية التغيرات المناخية، باعتبارها من القضايا التي تحظى باهتمام الملك تشارلز، نظرًا لتأثيرها المصيري على مستقبل البشرية جمعاء. كما التقى بايدن رئيس الوزراء ريشى سوناك، إذ يعد هذا الاجتماع الخامس بينهما خلال 5 أشهر، وتصدرت قضية دعم أوكرانيا وقمة فيلنيوس ملفات النقاش بينهما.
(*) ليتوانيا: تعد زيارة ليتوانيا المحطة الثانية في جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأوروبية، التي انتهت الأربعاء 12 يوليو 2023، للمشاركة في قمة حلف الناتو، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى لتوظيف مهامه الرئيسية لحماية الأمن الأوروبي، وبما يتماشى مع الرؤية الأمريكية الرامية للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في حماية أوروبا، وهو ما تجلى في عملية استدراج روسيا للمستنقع الأوكراني، لوقف تمدد العلاقات الروسية الأوروبية لصالح الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي. لذلك جاءت توصيات قمة الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي لدول الحلف. وفي ظل التفوق الأمريكي في الصناعات العسكرية، فإن عمليات تحديث الجيوش الأوروبية وزيادة الإنفاق العسكري سيعود جزء منه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي ستصب في مصلحة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
(*) فنلندا: جاءت فنلندا في المحطة الثالثة والأخيرة بجولة بايدن الأوروبية، 13 يوليو 2023، لعقد قمة أمريكية مع قادة دول الشمال الأوروبي، وتعتبر الزيارة الأولى له بعد انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، التي تُعد العضو رقم 31 في الحلف. وتمحورت كلمة بايدن أمام القمة حول قضايا التغيرات المناخية، ودعم أوكرانيا، والتعاون في مجال التكنولوجيا.
دلالات متعددة
تكتسب جولة بايدن الأوروبية العديد من الدلالات في هذا التوقيت لعل أهمها:
(&) التوظيف الانتخابي: سعى بايدن خلال جولته الأوروبية إلى الظهور بمظهر الرجل القوي الذي لا يزال قادرًا على ممارسة التأثير في اتجاهات السياسة العالمية، وهي القضية التي تشعر الناخب الأمريكي باستمرار القدرة الأمريكية على قيادة العالم، صحيح أن الناخب الأمريكي يركز خلال حملات الانتخابات الرئاسية على قضايا الداخل، إلا إن الشعور بقوة بلاده في المجال الخارجي تؤثر على تفضيلاته بين الحزبين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي وأيهما أكثر تأثيرًا في المجال الخارجي.
(&) دعم أوكرانيا: شكل دعم أوكرانيا القضية المحورية في جولة بايدن الأوروبية، وتجلى ذلك الدعم خلال محطته الأولى في بريطانيا ومناقشة ذلك الدعم مع ريشى سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، فضلًا عن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية قبيل انعقاد قمة حلف الناتو في ليتوانيا، دعم أوكرانيا بالذخائر العنقودية. وأعلنت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والنرويج على هامش قمة فيلنيوس، تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا.
كما كان الدعم الأمريكي لأوكرانيا حاضرًا في كلمة الرئيس بايدن أمام قمته مع قادة دول الشمال الأوروبي. وبرغم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، إلا إن دول الحلف المؤثرة استبعدت ضم أوكرانيا في ظل استمرار الحرب مع روسيا، وتجنبًا للدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا بموجب المادة الخامسة من ميثاق الحلف.
(&) تعزيز الإنفاق الدفاعي: شكل تعزيز الإنفاق الدفاعي لدول الحلف لمستوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، أحد القضايا المركزية التي تبنتها قمة قادة حلف الناتو، إذ اتفقت دول الحلف على تخصيص 20% من حجم الإنفاق الدفاعي الوطني لصالح شراء المعدات العسكرية، والبحث والتطوير في مجال الصناعات الدفاعية.
وأكد البيان الختامي للقمة موافقة الحلفاء على تحديث خطط الدفاع وتطوير دور الحلف في صناعة السياسات الخارجية والدفاعية، وتضمن البيان ضرورة إزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمارات الدفاعية ووضع أولوية لبناء صناعة دفاعية متكاملة ومشتركة بين دول الحلف.
(&) مواجهة التغير المناخي: شكل التغير المناخي أحد القضايا المهمة على أجندة حوارات الرئيس الأمريكي بايدن، خلال لقاءاته مع القادة الأوربيين، لا سيما وأن تلك التغيرات أصبحت لها تكلفتها الاقتصادية والأمنية على المستوى العالمي، وهو ما تجلى في محورية مناقشاتها خلال القمم التي عقدها بايدن في جولته الأوروبية. وأقرت دول الحلف بأهمية دمج الاعتبارات المناخية في خطط دفاع الحلف ومعالجة تأثيرها على عملياته المستقبلية. ويعود ذلك إلى التأثيرات الأمنية للتغيرات المناخية، التي تفرز زيادة في عمليات النزوح واللجوء البيئي من مناطق الكوارث إلى مناطق أكثر استقرارًا.
(&) مواجهة التمدد الصيني: اعتبر البيان الختامي لقمة حلف الناتو بفيلينيوس أن الصين تعد تحديًا منهجيًا للنظام العالمي القائم على القواعد وهو ما يتماشى مع رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتأكيد أن التوتر في منطقة الإندوباسيفيك له تأثيره المباشر على أمن المنطقة الأوروبية-الأطلسية، في ظل العسكرة المتزايدة للتفاعلات في المنطقة. وبرغم ذلك فإن ثمة تأكيد أمريكي على أن فك الارتباط مع الاقتصاد الصيني سيكون له تداعياته السلبية على الاقتصاد العالمي، بما يعني استمرار الاعتماد المتبادل بين أكبر اقتصادين عالميين.
ويصب ذلك في مصلحة إدارة الرئيس الأمريكي وقدرتها على مكافحة التضخم، قبيل الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2024، من خلال الحد من المواجهة الاقتصادية مع الصين، في ظل تنامي التبادل التجاري بين الجانبين.
مجمل القول، إن جولة بايدن الأوروبية تعكس التوظيف الانتخابي لمردودها، والسعي نحو تأكيد الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي ومواجهة التهديدات المتنامية المتعلقة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، ومناقشة تحديات التغيرات المناخية وكيفية مواجهتها عالميًا، فضلًا عن الاتجاه نحو زيادة الإنفاق الدفاعي لدول الحلف، وهو سيصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك صناعات متقدمة في المجال الدفاعي.