سلطت صحيفة ذا هيل الأمريكية الضوء على الجهود المكثفة، التي يحاول المراقبون والمحللون والنقاد من خلالها إثبات أن أوكرانيا لا يزال أمامها الفرصة لتحقيق النصر الكامل في حربها ضد روسيا، وطرد الأخيرة من كل أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، عبر المواقع الإلكترونية المؤثرة ووسائل الإعلام المختلفة، إلا أن الحقائق الاستراتيجية والتكتيكية للحرب تؤكد عكس ذلك.
وكسرت الحرب الروسية الأوكرانية حاجز الـ700 يوم، مع استمرار القتال العنيف بين الجانبين على مستوى كل محاور الصراع، خاصة منطقتي خاركيف ولوهانسك، ومع فشل هجوم كييف المضاد منذ أشهر، يحاول الكرملين الضغط بكل السبل لتنفيذ أجندته، في الوقت الذي تراجع فيه الجيش الأوكراني، مُتخذًا مواقف دفاعية كبيرة، إلا أن حرب السماء تعتبر هي الأكثر سخونة بين الجانبين، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
التوازن العسكري
يدعي أصحاب نظرية الانتصار الأوكراني بأن الحقائق الجيوسياسية وساحة المعركة المتغيرة يشيران بوضوح إلى أن التوازن العسكري يميل لصالح أوكرانيا، ومع حصولها على المزيد من الأسلحة المتطورة، فإنها ستحقق حتمًا ذلك النوع من المزايا التكتيكية التي ستدفعها أولًا إلى تحقيق اختراقات عملية، ثم إلى تحقيق اختراقات استراتيجية، التي تبلغ ذروتها بالنصر الكامل.
ومن أجل ذلك يرى المؤيدون أن المطلوب فقط من أجل تحقيق ذلك النصر الكامل وطرد الروس من كل الأراضي، يحتاج إلى تعبئة أخرى للشباب الأوكراني، ودفعة أخرى من المساعدات المالية الغربية، وتسليم آخر لأسلحة أمريكية أو فرنسية أو بريطانية رائعة، لكن وفقًا للصحيفة الأمريكية فإن الحقائق الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية للحرب لا تدعم ببساطة أي نسخة من هذه الحجة.
المستوى التكتيكي
أكد أندرو لاثام، أستاذ العلاقات الدولية في كلية ماكاليستر في سانت بول بولاية مينيسوتا، عكس ذلك الكلام، مشيرًا إلى أن أوكرانيا لا تنتصر على المستوى التكتيكي بل إن تفوق روسيا هناك يتنامى بدلًا من أن يتضاءل، إذ تتفوق روسيا على أوكرانيا في التكيف مع الحقائق المتطورة في ساحة المعركة، والنتيجة تتكشف في قدرتها للحفاظ على الدفاع الذي لم يحبط كل الجهود الهجومية الأوكرانية.
أصبحت روسيا الآن قادرة على نحو متزايد على شن هجمات ناجحة في أماكن مثل أفدييفكا، وباختصار كما تقول الصحيفة، فإن روسيا ستفوز بالحرب، وليس هناك ما يشير إلى أي تطورات سياسية أو اقتصادية أو تكتيكية أو تكنولوجية متوقعة من المرجح أن تغير هذا الواقع الأساسي.
خلل نفسي
وحول أسباب استمرار الحجج حول انتصار أوكرانيا النهائي في ساحة المعركة، على الرغم من كل الهزائم المدمرة والنكسات الاستراتيجية التي مُنيت بها، فإن ذلك يرجع وفقًَا لأستاذ العلاقات الدولية، إلى مفهوم "تصعيد الالتزام"، إذ يتسم ذلك السلوك بالالتزام التام للفكرة المراد تمريرها، بغض النظر عن مدى معقوليتها أو عقلانيتها في الوقت الحاضر، مشيرًا إلى أن ذلك يعتبر خللًا نفسيًا.
وكلما أصبحت التوقعات الاستراتيجية لأوكرانيا أكثر خطورة، كلما شعر هؤلاء بأنهم مجبرون على اختلاق مسارات متخيلة جديدة لتحقيق النصر الأوكراني الكامل، مثلما حدث في الهجوم المضاد الفاشل، إذ ضاعفوا بشكل غير عقلاني من هذا الالتزام العلني رغم الهزيمة، وأن الشخص العقلاني سيعدل وجهات نظره في ضوء تلك الحقائق الثابتة.
إدراك الحقيقة
يستمر هؤلاء المراقبون الذين التزموا في الأصل بفرضية "أوكرانيا ستنتصر" في العودة إلى وهمهم، الذي يعبر عنه بطريقة أكثر جنونية، بأن هناك طريقًا نحو النصر الكامل لكييف، وكما تشير الصحيفة، فإن ذلك الطريق غير موجود، لافتة إلى أنه كلما أسرع صناع السياسات وأصحاب النفوذ على ضفتي الأطلسي في إدراك هذه الحقيقة.