على مدى مائتي عام، كانت السويد دولة محايدة، حيث لم تغامر قواتها المسلحة بتجاوز أرخبيلاتها الضخمة، حتى عندما غازلت برنامج الأسلحة النووية الدفاعية خلال السنوات الطويلة للحرب الباردة.
لكن، غيَّر الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 هذا الحياد، خوفًا من ألا تتوقف الدوافع التوسعية الروسية عند أوكرانيا.
لهذا، تقدمت السويد وفنلندا بطلب للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).
والآن، صارت ستوكهولم على بعد خطوات من عضوية الحلف، بعد أن تحركت تركيا للموافقة على طلبها، حتى رغم العناد المجري المستمر.
ومنذ أن أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا، كانت السفن الروسية تتحرك وتبتعد عن بحر البلطيق لفترة أطول. لكن مسؤولين سويديين قالوا إن الكرملين يمارس لعبة، إذ يستبدل السفن الأكبر بسفن أصغر.
ومن خلال استبدال المدمرات والفرقاطات، التي تدق أجراس الإنذار لدول حلف شمال الأطلسي، بسفن أصغر حجمًا وسفن صيانة لا تستخدم عادة في القتال -ولكن لا يزال من الممكن تسليحها بصواريخ كروز- يمكن لروسيا أن تحتفظ بـ "هذا الاختناق الحيوي" لمنافذ تجارة دول الشمال، دون إثارة الاضطرابات، حسبما يشير تحليل لمجلة "فورين بوليسي".
الفناء الخلفي
يلفت التحليل إلى إجراء الكرملين "اختبارات" في الفناء الخلفي للسويد.
يقول: "بدأت روسيا تجارب للغواصات من طراز سانت بطرسبرج في بحر البلطيق، وأجرت تدريبات بالذخيرة الحية في المياه الدولية بالقرب من جوتلاند، وهي جزيرة قبالة الساحل الشرقي للسويد".
وأضاف: "يحاول الكرملين إخفاء الغواصات الجديدة من خلال الملاحة عبر الأنهار والبحيرات الداخلية قبل إطلاق العنان لها في مناورات مرئية بوضوح للسفن القريبة. ومن خلال سفينة استخبارات إشارات متوقفة خارج خليج كالينيجراد مباشرة، رصدت السويد قيام روسيا بإطلاق صواريخ من الغواصات".
ولأن الجانبين على مدار تاريخهما خاضا 11 حربًا، كان معظمها من أجل السيطرة على بحر البلطيق، قبل أن تبدأ ستوكهولم انجرافها على مدى قرنين من الزمن إلى الحياد. ومع وجود معدات متقدمة في البحرية السويدية، يمكن أن تصير ستوكهولم عيون وآذان الناتو في المنطقة.
ربما لهذا أيضًا، تتعامل دول الحلف مع السويد كأنها منهم منذ زمن طويل.
زمن الحياد
خلال الحرب العالمية الثانية، قامت السويد ببناء ملاجئ الطوارئ ومدارج الهبوط. وبعد أن انقشع غبار الحرب، انضمت الدول المجاورة -النرويج وأيسلندا والدنمارك- إلى حلف شمال الأطلسي. لكن السويد لم تفعل ذلك.
وفي عام 1950، مع تسابق الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لاختبار أول قنبلة هيدروجينية، بدأت الحكومة السويدية بتفجير 1.5 مليون طن من الصخور من سفح جبل في جزيرة على بعد حوالي 25 ميلًا جنوب ستوكهولم، لبناء قاعدة بحرية سرية تحت الأرض.
وقد استغرق الأمر منهم 19 عامًا، حتى أصبح البحارة السويديون قادرين على خدمة الغواصات والمدمرات من خلال متاهة كهفية من الأنفاق تحت الأرض.
كما أن السويد سعت لفترة وجيزة إلى إنتاج أسلحة نووية خاصة بها، إلى أن أدرك المسؤولون أن تكلفتها ستكون باهظة.
وبعد الحرب الباردة، هدأت حدة التهديد بالقدر الكافي الذي دفع السويد إلى البدء في عملية واسعة النطاق لتفريغ جيشها، وهو الانكماش الذي دام ما يقرب من ثلاثين عامًا. حتى أنها تبرعت بمعظم طائراتها المقاتلة البالغ عددها 2000 طائرة.
وبحلول عام 2004، ورغم أن القوات السويدية كانت في أفغانستان وتقوم بدوريات على ساحل لبنان، إلا أن البرلمان السويدي " ريكسداج" كان يؤكد أن البلاد لا تواجه أي تهديدات عسكرية كبيرة، وأنها لابد أن تعمل على تقليص قدراتها الدفاعية لكي تعكس هذه الحقيقة.
وتم تقليص حجم الجيش من الألوية، من 3000 إلى 5000 جندي، إلى كتائب فردية، حوالي 1000 جندي لكل منها.
كما قامت البحرية بسحب جميع سفنها الحربية الكبيرة، مثل المدمرات والفرقاطات، من الخدمة في الثمانينيات، ولم يتبق منها سوى السفن الصغيرة.
وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أنفقت السويد حوالي 1% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بعد أن كانت 4% في عام 1963.
إعادة تسليح
في عام 2014، أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا، والذي فقدت خلاله شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقة دونباس، فكّر السويديون أنهم قد يصيروا بدورهم هدفًا لموسكو.
هكذا، بدأت الميزانية العسكرية السويدية في النمو بخطوات صغيرة. وفي عام 2019، قبل اندلاع جائحة كوفيد-19 مباشرة، عاد طاقم البحرية السويدية إلى القاعدة البحرية الجبلية.
وفي عام 2020، بدأت ميزانية الدفاع تقفز إلى حوالي 6.25 مليار دولار، أو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي للسويد.
وسيتم تعزيز ميزانية العام المقبل بما يقرب من الثلث، ليصل إجمالي ميزانية الدفاع إلى حوالي 11 مليار دولار.
وتتوقع السويد أن تحقق هدف حلف الأطلسي البالغ 2% من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي بحلول موعد قمة الحلف في واشنطن، المقرر عقدها في يوليو.