تحتفظ ذاكرة المشاهد بصورة واحدة نموذجية غير قابلة للتعديل للممثلة فيروز، فهي الطفلة الصغيرة التي جلبت البهجة إلى شاشة السينما مع ظهورها الأول عام 1950 بفيلم "ياسمين" رفقة مكتشفها أنور وجدي، حتى إن صياغة عنوان وفاتها عبر الصحف والمواقع الإخبارية يوم 30 يناير عام 2016 سبق اسمها لقب الطفلة فيروز، في اعتراف بأن النجمة التي رحلت عن عالمنا عن عمر 73 عامًا مازالت في العقول هي نفس الفتاة الصغيرة التي سحرت القلوب في منتصف القرن الماضي.
قبل ظهور فيروز لم تكن هناك تجربة فنية مماثلة لطفلة في نفس عمرها بالسينما المصرية، فقط شاركت فاتن حمامة وعمرها نحو 10 سنوات بأفلام تختلف طبيعتها ومساحة أدوارها عن النجمة المعروفة بـ الطفلة المعجزة، بينما في هوليوود وقبل 20 عامًا من ميلاد فيروز الفني ظهرت الطفلة شيرلي تيمبل وأبهرت الجميع بحضورها القوي وباتت منافسًا قويًا لكبار النجوم وقتها في شباك التذاكر الأمريكي، بل أنقذت شركة الإنتاج 20th Century Studios من الإفلاس بأفلام مثل Curly Top عام 1935 وThe Littlest Rebel، وأصبحت مصدرًا للبهجة على شاشة السينما.
وفي الوقت الذي قررت فيه تيمبل الابتعاد عن السينما، كان أنور وجدي يبحث عن بطلات لفيلمه "4 بنات وضابط"، ليجد صديقه إلياس مؤدب أن الفرصة مواتية لتقديم جارته الطفلة الصغيرة التي دائمًا تبهره بحضورها القوي ورقصها، خصوصا أنه تجمعه علاقة صداقة بعائلتها، وبالفعل لم يمانع أنور وجدي في رؤيتها خصوصًا أنه يثق في اختيارات صديقه إلياس، لكن موهبتها شديدة الثراء والعفوية جعلته يتذكر نجمة هوليوود التي تعلن الاعتزال، ويقرر أن يؤجل مشروع " 4 بنات وضابط" ويبدأ في مشروع جديد سيكون له أثر فني كبير بمصر والوطن العربي.
قرر وجدي أن يقدم إلى الجمهور العربي شيرلي تيمبل الشرق الأوسط، وراهن على نجاح فيروز لتتولى مشاركته بطولة فيلم "ياسمين" وعمرها وقتئذ 6 سنوات لترى الطفلة حياة جديدة أمامها وتصبح معروفة في الشارع وتلتقي كبار النجوم في الوسط الفني، وتحظى بإشادة نقدية متعددة، ويحقق العمل نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، ويظهر للمرة الأولى لقب "الطفلة المعجزة" الذي ظل ملازمًا لمسيرتها الفنية، ويزين المقالات والتقارير الصحفية التي تكتب عنها حتى بعد رحيلها.
"بيروز" أرمنية الأصل التي غير أنور وجدي اسمها إلى فيروز، نشأت وسط عائلة تهوى الفن ولم تحترفه، فوالدها يعزف البيانو، ووالدتها تمتع بصوت عذب، لذا شجعتها الأسرة على المضي قدمًا في عالم الأضواء والشهرة، بل إن مبلغ الـ3 آلاف جنيه الذي تقاضاه والدها من أنور وجدي مقابل عقد 3 أفلام مع فيروز، جعله يترك وظيفته ويؤسس شركة للإنتاج السينمائي، وأنتج لابنته عقب ذلك، وفي هوليوود كانت تفعل والدة تيمبل الأمر نفسه وتدعم ابنتها بقوة وتساعدها على حفظ أدوارها.
ومع كل نجاح فني لـ فيروز يثبت أنور وجدي أن رهانه كان صحيحًا، فالممثلة الطفلة الصغيرة أصبحت أفلامها تحقق أعلى إيرادات في السينما، تمامًا مثلما فعلت تيمبل في هوليوود، حيث كانت صاحبة أعلى إيرادات في شباك التذاكر في الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1935 حتى عام 1938.
لكن سرعان ما قررت فيروز الابتعاد عن الفن، عقب زواجها من زميلها في فرقة إسماعيل ياسين النجم بدر الدين جمجوم، إذ بعد أن اشتركا سويا في مسرحية "شقة و50 مفتاح" شعرت الفنانة الشابة بأن الوقت حان لتتفرغ إلى عائلتها وتربي أطفالها، وكأنها في مفارقة غريبة تكرر نفسي سيناريو شيرلي تيمبل، إذ ابتعدت عن السينما وعمرها 22 عامًا، في عمر يقارب توقيت قرار الطفلة المعجزة بتفضيل الحياة العائلية.
ورغم ظهور فيروز في عدد من البرامج والمناسبات الفنية، ومنها مشهد تكريمها في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2001، بقيت الذاكرة تحتفظ بصورتها الصغيرة، طفلة ترقص وتغني وتبهر الجمهور بعفويتها الشديدة، ومثلما أثار رحيل شيرلي تيمبل الحزن في قلوب جمهورها، كانت وفاة فيروز صدمة كبيرة في الوسط الفني وللجمهور حتى من لم يعاصرها، ليصبح مشهد عزائها مليئًا بالحضور من مختلف الأعمار.