تشغل مسألة البحث عن مساحة المرأة في صناعة السينما بال العديد من النجمات اللائي قد لا ينجحن في بعض الأحيان بكسب ثقة شركات الإنتاج لإسناد بطولة مطلقة لهن في السينما تمنحهن الفرصة لإثبات وجودهن.
ويزخر السوق السينمائية المصرية، على فترات متباعدة، بتصدر نجمات للمشهد وتحقيق إيرادات وجماهيرية لافتة، تؤكد قدرة السيدات على منافسة الرجال بقوة في دور العرض، بداية من نجمات الزمن الجميل (فاتن حمامة وشادية وسعاد حسني ونادية لطفي، وغيرهن) مرورًا بنجمة الجماهير نادية الجندي، ونجمة مصر الأولى نبيلة عبيد اللتين حققتا طفرة ملموسة في الإيرادات وتنوع القضايا المطروحة، ونافستا نجوم جيلهما من الرجال مثل عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز.
توقف مفاجئ شهدته البطولة النسائية بعد هذه الفترة الثرية، إذ بات من النادر ظهور نجمات ينافسن بقوة في الوقت الحالي، إذ يظهر بين الحين والآخر نجمات يحاولن إثبات أنفسهن كبطلات مثل ياسمين عبد العزيز ومنى زكي وهند صبري.
ويبدو أن موسم إجازة نصف العام سيحمل في جعبته العديد من المفاجآت مع البطولة النسائية، إذ يشهد مشاركة نحو 5 أفلام تتصدر السيدات بطولتها، وهي "مقسوم" الذي تجسد بطولته ليلى علوي رفقة شيرين رضا وسما إبراهيم.
أما الفنانة يسرا فسيعرض لها فيلم "ليلة العيد" مع سميحة أيوب، وريهام عبد الغفور، غدًا الأربعاء، بينما عادت الفنانة هالة صدقي إلى السينما بفيلم من بطولتها يحمل اسم "الملكة"، بعد نجاحها الكبير في مسلسل "جعفر العمدة" موسم رمضان الماضي، وأيضًا الفنانة إسعاد يونس تتصدر بطولة فيلم "عصابة عظيمة"، وأخيرًا الفنانة منى زكي بفيلم "رحلة 404" للمخرج هاني خليفة.
لكن.. هل هذا يكفي لعودة البطولة النسائية لتصدر المشهد من جديد بشكل حقيقي للسوق السينمائية؟.. وهل الإيرادات قادرة على إنصافهن وتحمّس المنتجين لهن؟.. وما أسباب تراجعها خلال تلك السنوات؟.. هذا ما أجاب عنه عدد من النقاد صنّاع السينما للوقوف على أسباب تراجع البطولة النسائية في السينما.
فهم السوق
منذ سنوات كبيرة والمرأة لا تشغل مساحة في دور السينما، هكذا يعلّق الناقد المصري طارق الشناوي على الأمر قائلًا: "الإيرادات لها عامل مهم في هذا الأمر، فليس مهمًا أن نقدم بطولة نسائية، بقدر أهمية انتقاء القصة المقدمة، وكيف سيتم تجسيدها على الشاشة، وهل الفنانة التي تقدم للجمهور على أنها بطلة، مناسبة لما يقدم أم لا؟.. فكل هذه معايير علينا أن نتداركها، خصوصًا أن هذا ما يحدث مع الرجال أيضًا".
وأضاف: "في الماضي هيّمن عادل إمام وأحمد زكي ومحمود عبد العزيز على السينما والإيرادات، ورغم نجاح العديد من البطلات معهم فإن تجربتهن في البطولة لم تلق النجاح الكافي، وقد يرجع الأمر لكون الأفلام ليست جيدة أو غير مناسبة لهن، ولكن في الوقت نفسه نافست نادية الجندي ونبيلة عبيد بقوة واستطاعتا فهم ما يحتاجه السوق على عكس بطلات أخريات هيمن على شباك التذاكر وحققن نجاحًا يحسب لهن.
وتابع الشناوي: "المُنتجون حاليا يسيرون بمنطق "اللعب في المضمون"، فهو يريد أن يكسب دون أن يغامر، إضافة إلى أن السينما حاليًا وقديمًا اتجهت قليلًا إلى الأكشن والكوميديا، ونجحت الفنانة ياسمين عبد العزيز كمثال أن تفهم السوق واختارت منطقة أسرية كوميدية خفيفة كسبت بها قاعدة جماهيرية تُحسب لها".
مغامرة محسوبة
يرى الناقد المصري نادر عدلي أن البطولة المطلقة صعبة جدًا، قائلًا: "لا أعتقد أنهن قادرات على تحقيق النجاح المطلوب منهن، لا سيما أنه لا يمكن لأي فنان تحمل مسؤولية شباك التذاكر والإيرادات بسهولة، والسوق حاليًا أصبحت مختلفة عن الماضي، فالمنتجون يبحثون عن الربح السريع والمضمون من خلال أعمال الأكشن والتجارية التي تجذب الجمهور إلى شباك التذاكر، ولكن إذا ما توافر لهن الإمكانيات المطلوبة من الإنتاج والقصة الدرامية المحبوكة ربما يحققن ذلك.
وأضاف أنهن بحاجة إلى الثقة من الجمهور، فعلى سبيل المثال تصدّر ياسمين عبد العزيز للبطولة النسائية لم يكن سهلًا، لكن المشوار يحتاج إلى مغامرة محسوبة.
الجيل الأخير
أيّد الناقد المصري محمود قاسم الآراء السابقة فيما يخص الإنتاج قائلًا: "جيل نادية الجندي ونبيلة عبيد هو الذي حظي بالرواج الجماهيري لأفلامهن وحققن إيرادات مرتفعة في شباك التذاكر، وذلك لأنهن كانوا متفرغات ومهتمات بتحقيق وجود قوي في السينما، على عكس البطلات حاليًا، فمن برزت اسمها على الساحة وأتيحت لها فرصة أن تكون بطلة سينمائية تتراجع سواء من أجل الدراما أو التفرغ بعض الوقت للحياة الأسرية، فمنى زكي قادرة على أن تتحمل بطولة فيلم وكذلك منة شلبي وغيرهما الكثيرات، لكن الاستمرار في الوجود وتأسيس قاعدة جماهيرية في السينما هو المطلوب مع حماس المنتجين واختيار نصوص جيدة تصلح للمشاهد".
الإنتاج السبب
"السيناريوهات الخاصة بأفلام البطولات النسائية متوفرة".. هذا ما أكدته المؤلفة المصرية أماني التونسي، مرجعة سبب عدوم وجود بطولات نسائية بشكل كبير وطاغٍ على الساحة إلى الإنتاج، حيث تقول: "القصص لا يوجد بها صعوبة، لكن نريد مَن يتحمس لتقديم بطولات نسائية للسينما، ويحقق وجودًا حقيقيًا للنساء، لكن البعض يخاف أن يأخذ المغامرة، على الرغم من أن الكثيرات نجحن في إثبات أنفسهن وتقديم أنفسهن للجمهور بأدوار البطولة وحققن المعادلة الصعبة واستحوذن على شباك التذاكر".
البحث عن مساحة
لم يختلف رد كوثر يونس مخرجة فيلم "مقسوم" -المنافس في شباك التذاكر حاليًا - عن سابقيها، مؤكدة أن المنتجين لا يتحمسون للأعمال النسائية لذلك فهي متراجعة، وتقول: "المساحة ضيقة في السينما، بينما في الدراما الأمر أصبح جيدًا وهناك بطلات يتحملن مسؤولية أعمال وينجحن بها، وشاهدنا الكثير من هذه النماذج، لكن يجب أن تأخذ النساء مساحتهن في السينما، خصوصًا أن لدينا القصص والقضايا والبطولات".