فتحت حادثة اغتيال العضو البارز في حركة حماس صالح العاروري، واثنين من رفاقه، داخل مكتبه بأحد ضواحي بيروت عن طريق استخدام طائرة بدون طيار أول العام، الحديث عن عودة الاغتيالات السياسية على الأراضي الأجنبية إلى المشهد مرة أخرى، التي تعتبر وفقًا للقانون الدولي غير قانونية، أما العُرف الدبلوماسي، فيعتبرها خطيئة كبرى وعملًا من أعمال الحرب.
وسلّطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الضوء على الدول التي تستخدم القتل لتعزيز أجندتها الدولية والمحلية، كاشفة عن أن الاحتلال الإسرائيلي إحدى أكثر الجهات التي تستخدم عمليات القتل المستهدف خارج الحدود الإقليمية، لافتة إلى أن اغتيال 3 من قادة حماس في لبنان الأيام الأخيرة، يعتبر مؤشرًا على عودة رواج فكرة الاغتيالات السياسية.
الأولى عالميًا
وتعتبر دولة الاحتلال هي الوحيدة تقريبًا التي أدخلت الاغتيالات في سياساتها الخارجية والأمنية باهتمام أكبر، مشيرة إلى أنه منذ تأسيس الكيان المحتل، استخدمت عمليات القتل المستهدف للقضاء على القادة الفلسطينيين والألمانيين بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بعكس الدول الأخرى التي فضلت البقاء خارج لعبة الاغتيال بسبب الخوف من العواقب والتقييم المنخفض للفوائد.
طوال القرن العشرين كانت عمليات القتل المستهدف تعتبر عتيقة الطراز، عندما كانت إسرائيل ملتزمة بجدية أكبر بالتوصل لحل سياسي مع الفلسطينيين، ومنعت بشكل عام العمليات على الأراضي الصديقة، لكن فتحت الانتفاضة الثانية وهجوم دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ، حقبة جديدة كاملة من الاغتيالات السياسية.
ويُعتقد - كما تقول فورين بوليسي- أن مجموعة إسرائيلية قتلت أو حاولت قتل ما يقرب من عشرين من المقاومين والقادة الفلسطينيين الذين يُعتقد أنهم مسؤولون بشكل مباشر أو غير مباشر عن هجوم ميونيخ، وهو ما أعتبر تخلي الاحتلال عن التزامه السابق بعدم تنفيذ جرائم قتل على الأراضي الأوروبية، حيث وقعت الاغتيالات في إيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص وأماكن أبعد.
إصبع إسرائيلي
ونقلت المجلة عن أحد عملاء الموساد تأكيده أنه تم تصميم هذه الاغتيالات لتكون صاخبة، بمعنى أن يكون الاغتيال حقيقي ومن مسافة قريبة، وهو من شأنه إثارة الخوف والرعب، مشيرًا إلى أنه حتى أنكرت إسرائيل أي علاقة لها بتلك العمليات، فمن الواضح أن إصبعًا إسرائيليًا ضغط على الزناد.
وقدّر عميل الموساد أنه في العقود التي سبقت عام 2000، نفذت إسرائيل نحو 500 عملية قتل مستهدف، لافتًا إلى أن هذا العدد تضاعف خلال الانتفاضة الثانية، وبعد ذلك حتى عام 2018، كان هناك ما لا يقل عن 800 عملية أخرى، مشيرًا إلى أن تلك العمليات أدت إلى مقتل العشرات، سواء كانوا مذنبين أو أبرياء.
انعدام الأمن
وحذّرت أنييس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، من أن العالم ابتعد أكثر عن التخلص من عمليات القتل المستهدف، لافتة إلى أنه وعلى العكس من ذلك كان هناك تطبيع لتلك الحرب العالمية، مشيرة إلى أن الاغتيالات خارج الحدود الإقليمية أصبحت أداة للسياسة الأمنية، والجغرافيا السياسية، والقمع الداخلي.
وترى المقررة الخاصة، أن هذا النوع من القتل لا يساهم إلا في انعدام الأمن العالمي، ودول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل هي التي ساعدت في جعل ذلك ممكنًا، لافتة إلى أن التبرير الذي حدث على مدى السنوات العشرين الماضية للعديد من الانتهاكات، باسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب، أضعف إلى حد كبير قدرتنا على الإدانة، والإدانة بصوت قوي.
وأكدت للمجلة أنه إذا لم يكن هناك رد فعل من المجتمع الدولي، وإذا لم تكن هناك إدانة من المجتمع الدولي، وإذا لم تتم محاكمة أي شخص على الإطلاق، فإن المسرح العالمي مهيأ لتفاقم عمليات القتل خارج نطاق القضاء بشكل كبير.