لأول مرة في تاريخها، تمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بعد دعوى جنوب إفريقيا بارتكاب "تل أبيب" جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، خلال حربها على القطاع التي دخلت شهرها الرابع.
ويشهد اليوم الخميس، الجلسة الأولى، والتي يجب على إسرائيل أن تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية.
وخلافًا لما هو معتاد، فإن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا هذه المرة تضرب إسرائيل حتى النخاع، بحسب موقع "تاجز شاو" الألماني.
وتقف جنوب إفريقيا وراء هذه الدعوى، حيث تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال في حرب غزة تفي بمعايير الإبادة الجماعية.
اتفاقية "جرائم الإبادة"
وظلت إسرائيل على خلاف مع الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها منذ سنوات عديدة، إذ لا تعترف "تل أبيب" بالمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن الأمر مختلف عندما يتعلق بـاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، بعد أن تم إقرار اتفاقية الإبادة الجماعية بعد وقت قصير من انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحت تأثير جرائم المحرقة.
ووقعت إسرائيل على هذه الاتفاقية، وهو ما يمكن أن يضع إسرائيل في أزمة كبيرة.
وتقول المحامية يائيل فياس: "لست مندهشة من أن إسرائيل تأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد، ويمكن أن يكون لها تأثير على المزيد من العمليات القتالية واستمرار الحرب"، بحسب "تاجز شاو".
جزء من الاتهامات الموجهة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي هو أنها تعمل بنشاط على خلق وضع لا يُسمح فيه للفلسطينيين بالعيش في قطاع غزة.
ماذا سيحدث يومي 11 و12 يناير 2024؟
إلى جانب دعوى اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، تطلب جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية اتخاذ تدابير مؤقتة، عبر الطلب من إسرائيل بوقف جميع العمليات العسكرية في غزة. هذا إجراء عاجل، لذلك ستنظر فيه المحكمة أولًا.
وتتوقع أن تُصدر محكمة العدل الدولية قرارًا في القضية المتعلقة بإسرائيل بحلول نهاية يناير الحالي.
ونشرت محكمة العدل الدولية عبر حسابها الرسمي على منصة "أكس" جدول مجريات الجلسات الأولى لمناقشة "التدابير المؤقتة"، إذ سيستمع القضاة لمرافعة جنوب إفريقيا في 11 يناير، ولمرافعة إسرائيل في 12 يناير، حيث سيتاح للطرفين تقديم ملفاتهم.
وأشار بيان المحكمة إلى أن إسرائيل طلبت تمديد مدة المرافعات الشفاهية العلنية الأولى لمدة ساعة إضافية، على أن تبدأ الجلسات في العاشرة صباحًا بتوقيت لاهاي، وتنقل عبر البث المباشر لموقع الأمم المتحدة.
خطة جنوب إفريقيا.. إثبات الادعاء نظريًا
وتسعى جنوب إفريقيا، أن تثبت ادعاءها نظريًا، في ظل مطالبتها بإصدار أمر عاجل من المحكمة، إذ لا تحتاج جميع الادعاءات إلى توضيح، بل تحتاج فقط إلى إثباتها، فهناك خطر حقيقي للإبادة الجماعية ضد السكان في قطاع غزة.
وأعلنت جنوب إفريقيا عن الفريق القانوني الذي سيمثلها، ويضمّ عددًا من المحامين والخبراء القانونيين، في مقدمتهم جون دوجار، وهو محام وأحد أبرز خبراء القانون الدولي في البلاد، وكان مقرِّرًا خاصًا للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، وعمل قاضيًا في محكمة العدل الدولية سابقًا.
اتهامات بالجملة ضد إسرائيل
1- تتهم جنوب إفريقيا إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، مطالبة بتصنيف تصرفات إسرائيل ضد غزة على أنها إبادة جماعية.
2- تشمل الدعوى العنف العشوائي، وتشريد السكان، ومنع الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية.
3- تستند جنوب إفريقيا في دعواها، إلى تصريحات أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت خلال الحرب: "سنفرض حصارًا مطلقًا حول مدينة غزة، لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود، كل شيء سيكون مغلقًا، نحن نقاتل ضد الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقًا لذلك".
4- تضم جنوب إفريقيا في جعبتها، تصريحات آفي توبفر، وزير الزراعة في الحكومة الإسرائيلية في مقابلة أجريت معه قبل بضعة أسابيع، قائلاً: "إن إسرائيل تنظم الآن "نكبة غزة"، والنكبة هي الهروب الجماعي والطرد الجماعي للفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل".
5- اقتراح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش بأن بلاده تدعم "التهجير الطوعي" للفلسطينيين من قطاع غزة.
موقف إسرائيل
من جانبها ترفض إسرائيل هذه الاتهامات الموثقة، وأعلنت أنها ستدافع عن نفسها ضد هذه المزاعم.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية: "بالفعل إنه لا يوجد أساس واقعي وقانوني، وإننا في حالة حرب مع حماس، وإنها وحدها هي التي تتحمل المسؤولية عن الضحايا في قطاع غزة".
وسابقًا قال الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج: "ليس هناك ما هو أكثر إثارة للاشمئزاز وسخافة من هذا الادعاء، وفي الواقع، إن أعداءنا، يطالبون في ميثاقهم بتدمير وإبادة دولة إسرائيل".
هل توجّه تهمة الإبادة الجماعية لدول أم لأفراد؟
بحسب اتفاقية عام 1948، "يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية سواء كانوا حكامًا دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادًا".
ويمكن توجيه تهمة ارتكاب الإبادة الجماعية لدول أو لأفراد.
ويقول أستاذ القانون المساعد في كلية ترينيتي في دبلن مايكل بيكر، "إن هناك فرقاً بين إدانة دولة بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، مقارنة بإدانة فرد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية"، بحسب موقع "بي بي سي".
ويقول: "تحديد ذلك الفرق معقد ويمكن أن يسبب الارتباك".
ما هو دور محكمة العدل الدولية؟
محكمة العدل الدولية هي أعلى محكمة في الأمم المتحدة، ومهمتها البتّ في النزاعات بين الدول. وكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتمتّع تلقائيًا بعضوية محكمة العدل الدولية.
ويمكن لأي دولة أن ترفع قضية أمام محكمة العدل الدولية، التي تتألف من 15 قاضيًا ينتخبون من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعان للأمم المتحدة لمدة تسع سنوات.
من ضمن اختصاصات المحكمة، النظر في النزاعات المتعلقة باتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.
بعد مقتل ستة ملايين يهودي على يد النازيين في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945، سعى زعماء العالم إلى تجنب تكرار ذلك من خلال تبني هذه الاتفاقية.
يذكر أن إسرائيل وجنوب إفريقيا وميانمار وروسيا والولايات المتحدة من بين 153 دولة صدقت عليها.
وبما أن إسرائيل وجنوب إفريقيا ليس لديهما حاليًا قاض في المحكمة، فيمكنهما تعيين قاض خاص أو مؤقت لهذه القضية. واختارت إسرائيل تعيين أهارون باراك الرئيس السابق للمحكمة العليا في إسرائيل، واختارت جنوب إفريقيا ديكجانج موسينيكي نائب رئيس المحكمة العليا السابق في البلاد، بحسب "بي بي سي".