تمثل إسرائيل، أمام محكمة العدل الدولية، غدًا الخميس، للمرة الأولى منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، إثر الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، تتهم فيها الاحتلال بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ قررت دولة الاحتلال المثول أمام المحكمة في لاهاي، للمطالبة برفض الدعوى المرفوعة ضدها.
تحاول إسرائيل بمثولها أمام المحكمة، تجنب إصدار أمر قضائي، بوقف الحرب في قطاع غزة، وفقًا لما طلبته جنوب إفريقيا، ليدور السؤال هل يمكن للمحكمة حقًا وقف العدوان على غزة؟
تقام الجلسة العلنية، بمثول إسرائيل للمرة الأولى، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، بعد أكثر من 95 يومًا من العدوان المتواصل، ارتكب خلالها الاحتلال نحو ألفي مجزرة، وخلفت هجمات الاحتلال أكثر من 30 ألف شهيد ومفقود، بينهم أكثر من 10 آلاف طفل شهيد، واستشهاد 7 آلاف امرأة حتى الآن.
أسفر العدوان الإسرائيلي، أيضًا عن استشهاد 326 شهيدًا من الطواقم الطبية، و45 من الدفاع المدني، و112 صحفيًا، بحسب الإعلام الحكومي في غزة، كما أصيب 59167 آخرون.
إبادة جماعية
في 29 ديسمبر الماضي، قدمت جنوب إفريقيا دعوى للمحكمة تتألف من 84 صفحة، تحتوي عشرات الأدلة والبراهين، على جرائم الاحتلال، واتهمته بارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
وتعتمد الدعوى التي رفعتها "كيب تاون"، على تصريحات علنية لمسؤولين وجنود إسرائيليين وغيرهم، إذ خصصت الدعوى فصلًا كاملًا بعنوان التعبير عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل مسؤولي الدولة و101 شخص آخر، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
أدلة جنوب إفريقيا
وأكدت جنوب إفريقيا في مقدمة الدعوى، أن الأدلة على النية المحددة لمسؤولي إسرائيل لارتكاب أعمال الإبادة والاستمرار فيها كانت كبيرة وعلنية، منذ 7 أكتوبر الماضي، وأن تلك التصريحات عندما تقترن بمستوى القتل والتشريد والدمار في غزة، إلى جانب الحصار، فإن ذلك بمثابة دليل على تفاقم الإبادة الجماعية واستمرارها.
واقتبست جنوب إفريقيا، تصريحات 200 إسرائيلي، بينهم وزير التراث عميحاي إلياهو، في دعواها، إذ قال عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن قطاع غزة أجمل من أي وقت مضى، كل شيء يتم تفجيره وتسويته"، أيضًا تصريح وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي السابق، والذي جرى تعيينه وزيرًا للخارجية مؤخرًا يسرائيل كاتس عبر منصة "إكس"، والذي قال فيه إن جميع السكان المدنيين في غزة أمروا بالمغادرة على الفور، سنفوز، و"لن تصلهم قطرة ماء ولا بطارية واحدة حتى يرحلوا عن العالم".
وتضمنت الدعوى كذلك، تصريحات نسيم فاتوري، النائب عن حزب الليكود، الذي قال إن هدف إسرائيل هو "محو غزة من على وجه الأرض".
ومن المتوقع أن يدافع الاحتلال الإسرائيلي عن نفسه، ضد دعوى جنوب إفريقيا، يوم الجمعة، إذ حضرت وفدًا كبيرًا للدفاع عنها بينهم المحامي الأمريكي اليهودي آلان ديرشوفتيز، والمتورط في فضائح جنسيه، إذ أظهرت الوثائق المتعلقة بشبكة الملياردير ورجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين، والتي تم الكشف عنها، مؤخرًا، تورط شخصيات بارزة، من بينها المحامي آلان ديرشوفيتز.
وتتضمن الوثائق المتعلقة بأستاذ القانون بجامعة هارفارد سابقًا، آلان ديرشوفيتز، المعروف بعمله في القانون الجنائي الأمريكي، ادعاءات قدمتها امرأة لم يذكر اسمها، وأشير إليها باسم "جين دو رقم 3"، إذ قالت إن إبستين طلب منها إقامة علاقات جنسية مع ديرشوفيتز في مناسبات متعددة عندما كانت قاصرًا.
وشهدت مدبرة منزل إبستين أن ديرشوفيتز كان كثيرًا ما يزور قصر إبستين في فلوريدا للحصول على جلسات التدليك.
ويعتبر ديرشوفيتز محاميًا أمريكيًا شهيرًا متخصصًا بالقضايا الجنائية، وكذلك أستاذًا جامعيًا، وكان عضوًا في فريق دفاع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أول محاكمة له في عام 2020.
رد إسرائيل
نفت إسرائيل التهمة، بل واتهم نتنياهو حماس بارتكاب إبادة جماعية، قائلًا إن الجيش الإسرائيلي يتصرف بـ "أكثر الطرق أخلاقية"، ويبذل قصارى جهده لتجنب إيذاء المدنيين، وهي التصريحات التي تأتي بعد وقائع أثبتت عكس ذلك وبينها قتل جنود الاحتلال لأسراهم "العزل"، وهم يرفعون الرايات البيضاء، ويناشدونهم بالعبرية إنقاذهم، في قضية كشفت كيف يتعامل جنود الاحتلال مع المدنيين الفلسطينيين العزل، لكن الأزمة هذه المرة أنهم لم يكونوا كذلك.
واتهم "نتنياهو"، جنوب إفريقيا بمعاداة السامية والافتراء على إسرائيل.
وتمثل إسرائيل أمام المحكمة لأنها من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي تم صياغتها في أعقاب الهولوكوست، وتمنح محكمة العدل الدولية سلطة الفصل في القضايا التي يمكن أن ترفعها أطراف غير متأثرة بشكل مباشر.
وحشدت إسرائيل دبلوماسييها للضغط على عدة دول، لدعم موقفها، وخلق ضغوط دولية ضد هذه القضية، في سبيل مساعها لأن ترفض المحكمة طلب إصدار أمر قضائي، وتمتنع عن اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، حسبما كشف موقع "أكسيوس".
ماذا سيحدث لو أمرت المحكمة بوقف إطلاق النار؟
قد يستغرق قرار الحكم بشأن الإبادة الجماعية سنوات، لكن الإجراء المؤقت الذي طلبته جنوب إفريقيا، بوقف الحرب يجب أن يكون قرارًا سريعًا يتم اتخاذه قبل صدور حكم نهائي بشأن الإبادة الجماعية، بحسب دانييل ماتشوفر المحامي وخبير العدالة الدولية المقيم في لندن.
وأوضح "ماتشوفر"، أن هناك حجة قانونية معقولة، بأن انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية حدثت أو تحدث، وأن هناك خطرًا حقيقيًا ووشيكًا من حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه لسكان غزة قبل أن تصدر المحكمة قرارها النهائي، بحيث يتعين على المحكمة أن تأمر إسرائيل بوقف الحرب.
فيما يقول فرانسيس بويل، محامي حقوق الإنسان الأمريكي، والذي فاز بطلبين أمام محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية ضد يوغوسلافيا نيابة عن البوسنة والهرسك، من قبل، إنه راجع الوثائق المقدمة للمحكمة، ويعتقد أن بريتوريا ستفوز بالفعل "بأمر ضد إسرائيل لوقف ارتكاب كافة أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين".
واستنادا إلى خبرته، أوضح أن الأمر قد يصدر في غضون أسبوع من جلسة الاستماع هذا الأسبوع.
ورغم ذلك، شكك إلياف ليبليتش، أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، في أن توقف إسرائيل القتال تمامًا حتى إذا أصدرت المحكمة أمرًا قضائيًا بشأن الحرب، وبدلًا من ذلك ستهاجم شرعية المحكمة وقضاتها، باعتبار أن بعضهم ينتمون لدول لا تعترف بإسرائيل، مؤكدًا أنه من المهم أيضًا ما إذا كان القرار سيكون بالإجماع.
عواقب عدم الامتثال
أكد إلياف ليبليتش، أن عواقب عدم امتثال إسرائيل، قد تتراوح بين الإضرار بسمعتها والضغوط السياسية، إلى جانب العقوبات، وغيرها من التدابير التي تخذها دول ثالثة، مؤكدًا أن المفتاح سيكون كيف سيتصرف حلفاء إسرائيل.
وبحسب سي إن إن قد تمتد تداعيات الحكم لخارج إسرائيل، إذ لن يؤدي الحكم لإحراج الولايات المتحدة أقرب حلفاء إسرائيل فحسب، بل قد يعتبر واشنطن متواطئة في الانتهاك المزعوم.
وفي هذا الصدد كتب، جون ميرشايرجون ميرشايمر، عالم سياسي أمريكي، أنه على الرغم من أن طلب جنوب إفريقيا يركز على إسرائيل، إلا أنه سيؤثر بشكل ضخم على أمريكا، وخاصة "بايدن" ومساعديه، لأنه ليس هناك شك في أن إدارته متواطئة في حرب إسرائيل.
وفي وقت سابق، اعترف بايدن، بأن إسرائيل تنفذ قصفًا "عشوائيًا" في غزة، ورغم ذلك تعهد بحمياتها، كما تجاوزت إدارته الكونجرس مرتين لبيع معدات عسكرية لإسرائيل خلال الحرب.
وأكد ميرشايمر، أنه بصرف النظر عن الآثار القانونية لسلوكه، فإن اسم بايدن - واسم أمريكا - سيرتبطان إلى الأبد بما من المرجح أن يصبح إحدى الحالات النموذجية لمحاولات الإبادة الجماعية، مؤكدًا أنه حتى إذا تجاهلت إسرائيل أمر المحكمة، سيكون هناك التزام قانوني بين الموقعين الآخرين بالامتثال، وأي شخص يساعد إسرائيل بعد الحكم سيكون بمثابة خرق للحكم.
وأكد أنه من الممكن أن يتم رفع دعوى قضائية في جميع أنحاء العالم إذا لم تتوقف الدول عن مساعدة إسرائيل، وستكون هناك تداعيات قانونية في جميع أنحاء العالم، بحسب "سي إن إن"، مؤكدًا أن لا قضية يمكن أن يكون لها أيضًا تأثير على الجمهور الإسرائيلي نفسه والذي يفتقر الوعي بالتأثير الحقيقي للحرب على الفلسطينيين في غزة.