انتهى عام 2023، بما يمكن تسميته "فشل مزدوج" للهجمات سواء الأوكرانية أو الروسية، لتتجمع رواية مفادها أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، إذ لم يكن من المرجح أن يتمكن أي من الطرفين من إحراز تقدم كبير، ليبدو الوضع مستقرًا إلى حد كبير، خاصة بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد.
وفي الوقت الذي تشير فيه التوقعات لصراع طويل الأمد، في ظل استمرار الدعم الغربي لكييف، ورفض الجانبان تقديم أي تنازلات، نشرت صحيفة "ديلي إكسبريس" البريطانية، تقريرًا قالت فيه إنه مع استمرار القتال العنيف على الخطوات الأمامية، استطاعت أوكرانيا مواصلة القتال وأوقفت الجحافل الروسية في مساراتها، وبالتالي فهي لم تخسر بالتأكيد.
وحققت أوكرانيا نجاحاً في البحر، وتمكنت حتى الآن من تدمير 20% من أسطول البحر الأسود الروسي، وأجبرت جزءًا كبيرًا منه على الانتقال لموانئ أكثر أمانًا في الشرق، وشكلت تهديدًا مستمرًا لخط إمداد القوات الروسية عبر جسر كيرتش.
وأكدت الصحيفة أنه رغم ما أنفقته روسيا بإسراف في الدماء والأموال، لا يزال العلم الأزرق والذهبي يرفرف فوق معظم أنحاء أوكرانيا بحسب الصحيفة.
طريق مسدود
وأشارت "ديلي إكسبريس" إلى أن الجانبين وصلا إلى طريق مسدود على مدى العامين الماضيين، ولا يبدو أن أيًا منهما يمتلك الطاقة أو التفوق العسكري للتوصل لنتيجة حاسمة، ولا أحد - سواء روسيا أو أوكرانيا أو أي من حلفائهم- يريد حربًا أطول مما ينبغي، لذا لا بد من تقييم يؤدي للسلام من خلال المفاوضات وهي الطريقة التي تنتهي بها كل الحروب تقريبًا.
الصحيفة أشارت إلى أن شبه جزيرة القرم هي الجائزة الاستراتيجية، ومن يسيطر عليها يسيطر على البحر الأسود وبحر آزوف، مشيرة إلى أن سيطرة روسيا على شبه الجزيرة أصبحت الآن أكثر هشاشة من أي وقت مضى، إلى جانب قدرة القوات الجوية الأوكرانية على ضرب القواعد العسكرية والروسية هناك.
تشير الصحيفة إلى أن زيلينسكي يخوض حرب الناتو بالوكالة مع روسيا، وإذا سقطت أوكرانيا، سيتعين على الناتو مواجهة روسيا مباشرة في مرحلة ما، وبالتالي من الأفضل للحلف أن يتم تسوية الأمر عبر الصراع الحالي.
أما تقرير "فورين أفيرز"، فتحدث عن أن التصور للجمود والوصول لطريق مسدود، معيب للغاية، إذ تتسابق كل من موسكو وكييف لإعادة بناء قواهما القتالية، مؤكدة أنه في صراع بهذا الحجم ستستغرق هذه العملية وقتًا، بما يعني أن النصف الأول من العام الحالي قد يجلب تغيرات قليلة في السيطرة على الأراضي الأوكرانية، في حين أن العتاد والأفراد وخسائر كل طرف في الفترة المقبلة، ستكون عاملًا حاسمًا في مسار الحرب، في وقت يواجه الغرب خيارًا حاسمًا، إما دعم أوكرانيا، حتى تتمكن من الاستعداد لهجوم عام 2025 أو التنازل على ميزة لا يمكن استردادها لصالح روسيا.
خيارات الحرب
ولكن عدم اليقين بشأن تقديم المساعدات الغربية على المدى الطويل لأوكرانيا، لا يهدد بمنح روسيا مزايا في ساحة المعركة فحسب، بل يشجع موسكو على المزيد، في وقت خسر فيه الغرب هدف دفع روسيا إلى طاولة المفاوضات؛ لأن الكرملين يعتقد أن روسيا قادرة على الصمود، وما لم يتم التعهد بالمزيد من الالتزامات الواضحة في أوئل العام الجاري، فإن عزيمة الكرملين ستزداد صلابة، بحسب "فورين أفيرز".
يتوقف مستقبل الصراع على ما ستفعله الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأشهر الستة المقبلة، فإما أن يتعهدوا بمزيد من الدعم، لتستطيع أوكرانيا بناء قوتها لتجديد العمليات الهجومية وتقليص القوة العسكرية الروسية للدرجة التي تتمكن فيها كييف من دخول المفاوضات مع النفوذ اللازم لفرض سلام دائم، وإما أن تغرق أوكرانيا في صراع استنزاف يتركها منهكة تواجه الهزيمة في نهاية المطاف، بسبب نقص الإمدادات والأفراد.
ولا تعد نتيجة نصر أوكرانيا مرغوبة فقط بالنسبة للأوكرانيين، بل لشركاء أوكرانيا الدولييين، فروسيا تشكل تهديدًا مستدامًا لحلف شمال الأطلسي، ما يتطلب من الولايات المتحدة ضمان الردع في أوروبا لأجل غير مسمى، وهذا من شأنه أن يحد من قدرة الولايات المتحدة على نشر القوة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ويزيد بشكل كبير من خطر الصراع حول تايوان، ويقول التقرير إن على الغرب أن يختار الاتجاه الذي سيتخذه التاريخ.
أزمةالوقت
يشير التقرير، إلى أن الهجوم الأوكراني العام الماضي، إذا سار وفقًا للخطة لكانت القوات الأوكرانية، قد اخترقت "خط سوروفيكين الروسي" في مقاطعة زابوريجيا، وحررت ميليتوبول، وبالتالي قطع الطرق التي تربط روسيا بشبه جزيرة القرم، ومن شأن ذلك إضافة للعمليات البحرية الأوكرانية، أن يضع شبه الجزيرة تحت الحصار، وهو هدف "طموح ولكنه قابل للتحقيق"، لكن الأزمة في نقص الوقت الكافي للتدريب.
وتفتقر القوات الأوكرانية للتدريب الكافي، فكان من الواضح أن القوات الأوكرانية كانت غير مدربة على العمليات الهجومية ولم يكن لديها الوقت الكافي لتعلم كيفية تشغيل المعدات المتبرع بها حديثًا، لكن مع تعزيز روسيا لمواقعها الدفاعية لم يكن من الممكن تأجيل الهجوم.
ولم يكن لدى الجنود الأوكران سوى فرصة ضئيلة للتدريب بشكل جماعي، إن عدد القوات المنتشرة ليس هو العامل الوحيد المهم، ففعالية هذه القوات يعتمد على مدى جودة التنسيق بين الوحدات الصغيرة، حتى عندما تنتشر عبر منطقة واسعة، وبالتالي هناك حاجة إلى القدرة على مزامنة النشاط خارج خط رؤية كل وحدة حتى تتمكن الوحدات من دعم بعضها البعض واستغلال مكاسب بعضها البعض، ولكن نادرًا ما يتم التدريب بشكل جماعي في الجيش الأوكراني.
ويشير التقرير إلى أنه خلال هجوم عام 2023، خاضت القوات الأوكرانية معارك تحت إدارة مركز قيادة لواء يعاني من نقص الموظفين، لذا كانت النتيجة أنه على الرغم من نجاح الجنود الأوكرانيين في كثير من الأحيان في الاستيلاء على مواقع العدو، إلا أنهم نادرًا ما كانوا قادرين على استغلال الخروقات التي ارتكبوها أو تعزيز مكاسبهم بسرعة. وبدلاً من ذلك، كان عليهم التوقف والتخطيط، ما أعطى القوات الروسية الوقت لإعادة ضبط نفسها. وإذا لم يتمكن الجيش الأوكراني من توسيع نطاق عملياته، فإن هذه التجربة مهددة بالتكرار، إذ إن التدريب المناسب سيحتاج إلى وقت.
في ذروة الهجوم عام 2023، كانت أوكرانيا تطلق ما يصل لـ7 آلاف قذيفة مدفعية في اليوم، لكن مع نهاية العام كانت تطلق نحو ألفي قذيفة، فيما تطلق القوات الروسية نحو 10 آلاف طلقة يوميًا، وما لم تتمكن أوكرانيا من خلق ظروف محلية للتفوق المدفعي فإن أي عمليات هجومية جديدة ستؤدي إلى خسائر لا يمكن تحملها في صفوف القوات الأوكرانية.
تنشر روسيا حاليًا نحو 340 ألف جندي في جنوب أوكرانيا، ويشير التقرير إلى أن القوات الأوكرانية أوقعت خسائر في الجانب الروسي تصل إلى ألف قتيل وجريح يوميًا خلال أعنف فترات الحرب، وهو ما أجبر روسيا على إرسال أفراد غير مدربين إلى خطوط المواجهة، لكن ذلك لم يمنعها من إجراء مناورات هجومية، إلا أن ذلك حد من فعاليتها.
التحدي الأكبر الذي يواجه أوكرانيا، هو أنه مع احتفاظها بوضع دفاعي، يتعين عليها الاستمرار في شن الهجمات، حتى إذا تكبدت روسيا خسائر أقل، إذ إن تخفيف الضغط على الخطوط الامامية من شأنه أن يوفر لروسيا مزايا أخرى، فستكون قادرة على تحويل القوات ذات الخبرة لتدريب المجندين، بالتالي يسمح لها بفتح محاور هجومية جديدة خلال النصف الثاني من 2024، إلى جانب ترك أجزاء كبيرة من الجبهة هادئة يعني أن تتمكن القوات الروسية من توسيع تحصيناتها بشكل كبير ما يجعل تنفيذ أي عمليات هجومية أوكرانية مستقبلية أكثر صعوبة، ما يحتم على أوكرانيا تعظيم معدل الاستنزاف الروسي.
يشير التقرير إلى أن حلفاء كييف أهدروا مزايا الوقت في 2022 و 2023، بعد أن تصوروا أن بإمكانهم تجنب صراع طويل الأمد، فبدلًا من السعي لتوسيع القدرة الصناعية حصلوا على الذخائر من المخزونات الوطنية والسوق الدولية، والآن بدأت مخزونات الذخائر في النفاد، في ظل حاجة أوكرانيا لنحو 2.4 مليون طلقة ذخيرة سنويًا، فيما سيعاني شركاؤها من توفير نصف المطلوب في 2024.