يُواجه مشروع قانون الهجرة الذي أعدته الحكومة الفرنسية انتقادات لاذعة وانقسامات حادة، حتى داخل صفوف الأغلبية الحاكمة نفسها، إذ بعد أن أقره مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين المتشدد، أدخل عليه مجلس النواب تعديلات تخفيفية قبل أن يتم رفضه يوم 11 ديسمبر، وتحاول الحكومة الآن التوصل إلى تسوية في اللجنة المشتركة البرلمانية، وإلا سيتم الاستغناء عنه.
ويركز مشروع القانون على العديد من جوانب الأساسية المتعلقة بالهجرة، بدءًا من قانون اللجوء وحتى عمليات الترحيل؛ ما أدى إلى تبلور مواقف متناقضة داخل الأغلبية الرئاسية نفسها. وتحت ضغوط لإيجاد مخرج من هذه الأزمة السياسية، تلعب الحكومة ورقتها الأخيرة من خلال دعوة اللجنة البرلمانية المشتركة للانعقاد لإيجاد أرضية مشتركة.
نص متوازن
أشارت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية إلى أن الحكومة قدمت المشروع على أنه "نص متوازن" بين تدابير "الاندماج" للأجانب وأحكام أكثر "صرامة" في مكافحة الهجرة غير النظامية، إلا أنه يُثير انقسامات داخل الأغلبية الرئاسية نفسها.
وبعد أن أقره مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه اليمين المتشدد في أكتوبر الماضي، أدخلت لجنة الشؤون القانونية في الجمعية الوطنية تعديلات جوهرية عليه، ولطفت من حدته في 6 ديسمبر. إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإقناع معارضيه، إذ صوَّت النواب اليساريون برفض المشروع؛ ما أدى إلى تعطيل النظر فيه يوم 11 ديسمبر.
وتوضح الصحيفة أن هذه تُعد ضربة لوزير الداخلية، جيرالد دارمانين، الذي استثمر الكثير في هذا النص، إذ قدم استقالته فورًا. لكن الرئيس، إيمانويل ماكرون رفضها، وكلف رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، بتقديم "اقتراحات للمضي قدمًا".
الأغلبية تلعب ورقتها الأخيرة
وفي مأزق، اختارت الحكومة في النهاية استراتيجية محفوفة بالمخاطر، بدعوة اللجنة البرلمانية المشتركة، المؤلفة من 7 أعضاء من مجلس الشيوخ و7 من الجمعية الوطنية، للانعقاد، ويُتوقع منهم التوصل إلى تسوية مقبولة من المجلسين.
وتُشير صحيفة "لوموند" الفرنسية، إلى أن فرص النجاح ضئيلة، بالنظر إلى بعد المواقف بين مجلس الشيوخ الذي شدد النص بشكل عام، والجمعية التي أسقطت أكثر مواده تطرفًا.
وتضيف لوموند أن إيمانويل ماكرون، قرر المجازفة بالكل أو لا شيء، إذ إنه إما أن تتوصل اللجنة إلى نص، وسيُعرض حينها على التصويت في البرلمان اليوم الثلاثاء، وإما أن يُهمل مشروع القانون تمامًا، في حين أنه لا نية هذه مرة للجوء إلى المادة 49.3 لفرض القانون بالقوة، ورغم أن ذلك قد يوحي بضعفه وعدم قدرته على فرض سيطرته، إلا أن رئيس الجمهورية يفضّل التخلي عن المشروع، بدلًا من استخدام القوة.
تسهيل الترحيل وفتح التنظيم
وتوضح "ليزيكو" أنه في المضمون، يمتد نطاق مشروع قانون الهجرة؛ ليشمل عدة جوانب من السياسة المتعلقة بالهجرة، فمن ناحية الحزم، يسهّل النص عمليات طرد الأجانب المدانين بجرائم أو جنح، حتى ولو كانوا قد وصلوا إلى فرنسا منذ فترة طويلة، كما يضيّق الخناق على طالبي اللجوء.
كما يسرّع إجراءات منح حق اللجوء، وينص على إصدار أوامر إجبارية بمغادرة الأراضي الفرنسية تلقائيًا بمجرد رفض طلب اللجوء في الدرجة الأولى.
أما من ناحية الاندماج فيتيح النص، بحسب الصحيفة الفرنسية، تنظيم أوضاع العمال الأجانب غير الشرعيين الذين يشغلون وظائف في قطاعات معينة تُعاني من نقص اليد العاملة (مثل البناء والمطاعم)، شرط استيفاء بعض الشروط المتعلقة بالعمل وإتقان اللغة الفرنسية.
وتؤكد "لوفيجارو" أن القانون ينشئ بطاقة إقامة "موهبة" لتسهيل تعيين مهنيي الرعاية الصحية من خارج الاتحاد الأوروبي، ويمدد صلاحية بعض بطاقات الإقامة متعددة السنوات من 4 إلى 6 سنوات.
وقد أثارت هذه التدابير مُختلف ردود الفعل؛ ما أدى إلى بروز مواقف سياسية متناقضة داخل الأغلبية الرئاسية ذاتها، وتبدو التوقعات بنتائج المفاوضات الأخيرة غير واضحة في مثل هذه الظروف.
ولكن، مهما كانت نتيجة هذا الصراع، فإن الحكومة ستخرج منه منقسمة سياسيًا. سواء أجبرت على التنازل عن جوانب من مشروع قانونها، أو اضطرت في النهاية إلى التخلي عن إصلاح رئيسي من إصلاحات ولايتها.