"حواجز عائمة.. منع السفن من المرور.. الهيمنة على شعب توماس المرجانية".. ممارسات صينية يصنفها المحللون بالتصعيد من قبل بكين تحت مسمى "الأنشطة الرمادية" ضد الفلبين، والتي أعطاها الباحثون هذا الاسم في إشارة إلى ما عرفته مؤسسة بحثية أمريكية بأنها "مساحة عمليات بين السلام والحرب" تنطوي عادة على "أعمال اضطهادية".
ويأتي رد فعل مانيلا بالبحث عن المزيد من الحلفاء مثل اليابان وألمانيا وأستراليا، لمساندتها أمام البحرية الصينية التي لا تضع خطوطًا لأنشطتها الرمادية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم التوترات المتصاعدة في المنطقة وخروجها عن السيطرة، خاصة بعد استعانة مانيلا بحلفاء جُدد.
هذا هو التقييم الذي أبداه المحللون حول السلسلة الأخيرة من الأعمال في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، وخاصة حول شعبة توماس الثانية، التي تسميها مانيلا "أيونجين"، وهي شعبة مرجانية تبعد نحو 190 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من جزيرة "بالاوان" الفلبينية. حسبما ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" .
أوضاع معقدة
قال لوسيو بلانكو بيتلو، محلل الشؤون الآسيوية وباحث في مسارات التقدم في آسيا والمحيط الهادئ، إنه "إذا استمر الوضع الحالي وغابت الاتصالات المستمرة والحوار على المستوى العالي، فإن هناك خطر وقوع حادث وخطأ في التقدير".
وقال كولين كوه، زميل باحث في مدرسة للدراسات الدولية في سنغافورة، إن "المنطقة الرمادية" تشير إلى ما عرفته مؤسسة راند كوربوريشن بأنها "مساحة عمليات بين السلام والحرب" تنطوي عادة على "أعمال اضطهادية".
جذور الأزمة
وتعود جذور الاشتباكات الأخيرة إلى عام 1999 عندما أرسلت مانيلا سفينة هبوط دبابات من زمن الحرب العالمية الثانية "سييرا مادري" ونشرت مشاة البحرية على متنها لمنع التوغل الصيني. ومنذ عام 2014، واجهت القوافل الفلبينية سفن خفر السواحل الصيني، واستخدمت السفن الصينية ليزرات معمية، ومدافع مياه، ومناورات تهديدية لردع وحجب سفن الإمداد.
وعلى الرغم من الأعمال الصينية، واصل خفر السواحل الفلبيني مهماته لإعادة تزويد "سييرا مادري". ووصف الأميرال روني جيل جافان، رئيس خفر السواحل الفلبيني، الحادث الأخير في 10 نوفمبر، المتمثل في وضع حاجز عائم ومنع السفن الفلبينية من العبور، بأنه "أعمال اضطهادية غير مبررة ومناورات خطيرة من قبل خفر السواحل الصيني ضد مهمة فلبينية شرعية وروتينية للتناوب والإمداد". وقال: "لقد حافظ خفر السواحل الفلبيني على سلوكه المهني لضمان أن عزمه الثابت لن يتم تفعيله لتصعيد التوتر".
دعم الحلفاء
قال الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، إن مانيلا ستصر على "الحفاظ على سيادة وسلامة الحكومة" وفقًا للنظام الدولي القائم على القواعد، الذي تدعمه الشراكة المتنامية بين الولايات المتحدة والفلبين. وتحظى جهود مانيلا للحفاظ على الخط ضد التوغل البحري من قبل الصين بدعم متزايد من مختلف البلدان، أستراليا، وألمانيا، واليابان، والولايات المتحدة.
كان ماركوس جونيور أعلن الثلاثاء الماضي، "بدء دوريات مشتركة بحرية وجوية"، وهي جهود تعاونية بين القوات المسلحة الفلبينية وقيادة الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ في بحر الفلبين الغربي.
كما أعلن رئيس أركان الفلبين الجنرال روميو براونر جونيور، أن الجيش يخطط لدعوة بلدان أخرى لإجراء "إبحار مشترك". وقال قائد الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ الأميرال جون أكويلينو، الذي كان حاضرًا، إن كلًا من البحريتين الأمريكية والفلبينية سيجريان إبحارًا مشتركًا "لفترة طويلة".
وقال تشيستر كابالزا، مخطط أمني ورئيس مؤسس للتعاون الدولي في التنمية والأمن، وهو مركز أبحاث مقره مانيلا، إن الدعم متعدد الجنسيات للفلبين هو "محاولة تجريبية في الردع الجماعي".
وأضاف: "الفلبين تتصدر الحزمة في التشغيل المشترك في المنطقة. ما ينقص هو تطبيق القوانين البيئية والبحرية المحلية والدولية ضد الصين".
اليابان تتدخل
وفي وقت سابق من هذا الشهر، زار رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا مانيلا وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع ماركوس جونيور: "لقد شاركنا القلق البالغ بشأن الوضع في بحر الصين الشرقي والجنوبي وأن محاولات تغيير الوضع الراهن بالقوة غير مقبولة". ومن المقرر بناء خمس سفن استجابة متعددة الأدوار بطول 97 مترًا لخفر السواحل الفلبيني بقروض يابانية.
وأكدت الولايات المتحدة مرارًا التزامها بموجب معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951 بالوقوف إلى جانب الفلبين إذا تعرضت قواتها العسكرية أو "السفن العامة" - التي تشمل على ما يبدو تلك التابعة لخفر السواحل وسفن الإمداد - للهجوم.
وقال المحلل الدفاعي البحري آرون-ماثيو لاريوسا، المقيم في واشنطن: "أهمية شعبة أيونجين لواشنطن وطوكيو هي تقريبًا نفس أهميتها لمانيلا.. السماح للصين بأخذها سيضعف القانون الدولي ويخلق عدم استقرار إقليمي".
وأكد أن الولايات المتحدة واليابان، بالإضافة إلى بلدان أخرى في المنطقة، لديها رؤية "حرة ومفتوحة للمحيطين الهندي والهادئ"، التي تعترض على الأعمال التي تقوم بها الصين ضد الفلبين في بحر الفلبين الغربي.
وأضاف، أن "دعم الفلبين ضد الاضطهاد والتحرش، سواء من خلال الدعم الدبلوماسي أو المساعدة المادية والمعلوماتية، هو مفتاح لإظهار التزامهم بهذه السياسة".
إنذار بالحرب
قال جاي باتونجباكال، مدير معهد الفلبين للشؤون البحرية وقانون البحار، إن الهدف النهائي لبكين هو بناء قواعد تسمح لها بإقصاء البلدان الأخرى من بحر الصين الجنوبي. وقال المحلل الأمني كابالزا إن الأنشطة الرمادية لن تتوقف "طالما لم تحصل بكين على ما تريد، ولن تتنازل مانيلا أمام مطالب بكين".
وطالبت بكين مرارًا بأن تتخلى الفلبين عن الشعبة، قائلة إن مانيلا وعدت بإزالة "سييرا مادري" منذ سنوات. ونفت مانيلا إعطاء أي تعهد من هذا القبيل. وفي الوقت نفسه، "ستتجنب كل من الصين والفلبين العنف لأن هذا قد يثير تقديرات خاطئة قد تؤدي إلى اندلاع حرب مسلحة أو ربما حرب بحرية كبرى"، وفقًا لكابالزا.
وقال: "لم تحجب الصين أي مهمة إمداد بالكامل في الاعتقاد بأن الفلبين قد تستدعي معاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة". وأضاف "تحرص بكين أيضًا على عملياتها التكتيكية في البحر لأن مانيلا قد وسعت شراكاتها الاستراتيجية مع كانبرا وطوكيو بالإضافة إلى تحالفها مع واشنطن، التي تحمل رسالة قوية للمقاومة الجماعية".
وقالت يان يان، مديرة مركز البحوث لقانون البحار والسياسة في المعهد الوطني لدراسات بحر الصين الجنوبي في هاينان، إن استراتيجية ماركوس جونيور لإضفاء طابع دولي على النزاع الإقليمي قد تزيد من سوء الوضع على الرغم من أن الولايات المتحدة هي حليفة للفلبين. وأكدت يان، وهي من أبرز خبراء الصين في بحر الصين الجنوبي: "النزاع بين الصين والفلبين هو فقط بيننا. الولايات المتحدة ليست دولة مطالبة، وليست دولة إقليمية في بحر الصين الجنوبي.. من الأفضل أن تبتعد الولايات المتحدة عن هذا الوضع وتستطيع الفلبين الجلوس مع الصين واستئناف اجتماعاتنا الاستشارية الثنائية للحديث عن النزاع". حسبما ذكرت شبكة "جلوبال تايمز" الصينية.
ومع ذلك، قال ضابط عسكري فلبيني رفيع المستوى إن الصين لن تتوقف عن التصعيد. وأكد نائب القائد الغربي الأميرال ألبرتو كارلوس، الذي يشرف على العمليات في بحر الفلبين الغربي، للصحفيين في أغسطس، أنه يتوقع أن تتخذ القوات العسكرية وخفر السواحل الصيني خطوة تالية هي "الاصطدام" بسفن الإمداد الفلبينية.